لعلها ليست مصادفة أن تتزامن العقوبات الأمريكية الجديدة على إيران مع ذكرى اقتحام “الطلبة السائرين على نهج الإمام الخميني” السفارة الأمريكية في طهران في الرابع من تشرين الثاني/نوفمبر 1979، واحتجاز 54 دبلوماسياً أمريكياً فيها لمدة 444 يوماً.
فقد اختار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب هذا التوقيت ليفرض عقوبات نفطية وصفها بالصارمة، بينما معظم أولئك الطلبة “الثوريين” انضم إلى خانة الإصلاح وصار من أشد المنادين بالتطبيع مع الولايات المتحدة.
ومن شأن العقوبات الجديدة، أن تضعف الجناح الإصلاحي المؤيد للرئيس المعتدل حسن روحاني، على الرغم من أنها هذه المرة أحادية تفتقد لإجماع دولي خصوصاً الدول الأوروبية الحليفة لواشنطن والتي باتت ترفض فرض عقوبات على إيران التي ما عادت تستحقها وهي تلتزم بالاتفاق النووي المبرم في تموز/يوليو 2015. وهي تذهب أبعد من الرفض، بخرقها العقوبات الأمريكية، وتوجد آليات تسمح لإيران بتجاوز آثارها السلبية.
وحاول الرئيس روحاني في الأيام القليلة التي سبقت فرض العقوبات التذكير بما سماها المظالم الأمريكية المستمرة على بلاده في كل الحقب بقوله “إن العقوبات النفطية ستمثل ظلماً جديداً من الأمريكيين. لكن على الشعب أن يكون متأكداً أن الحكومة لا تشعر بأي خوف من التهديدات الأمريكية”.
ويعتقد الرئيس روحاني والكثير من الخبراء العالميين أن واشنطن ستواجه مشكلة في فرض العقوبات النفطية التي يقولون إنها ستفشل وأن المسؤولين الأمريكيين وأكثرهم تطرفاً مثل مستشار الأمن القومي جون بولتون أنفسهم يقرون بفشلها في ضوء ما نقلته وكالة “بلومبرغ” الجمعة، عن مسؤول أمريكي قوله إن حكومة بلاده وافقت على السماح لثماني دول بينها كوريا الجنوبية، الحليف المقرب من الولايات المتحدة، واليابان والهند الاستمرار في شراء النفط الإيراني بعد إعادة فرض العقوبات الاثنين المقبل.
والمعروف إن اليابان وكوريا الجنوبية تستوردان 5 في المئة من النفط الإيراني وكانتا طلبتا من ترامب استثناءهما من العقوبات النفطية. بينما الـ95 في المئة المتبقية من صادرات النفط الإيراني تذهب إلى الصين بواقع 35 في المئة والهند 33 والاتحاد الأوروبي 20 وتستورد تركيا 7 في المئة وكل هذه الدول رفضت الانصياع للعقوبات الأمريكية مع ملاحظة أن تعامل إيران بالبترويوان بدلاً من البترودولار يعطل مفعول العقوبات.
وأشار روحاني بشكل لافت إلى ذكرى اقتحام السفارة الأمريكية، إذ تنظم في إيران كل عام وعلى نطاق واسع احتفالات بهذه المناسبة أخذت تنحسر في السنوات الماضية، ويُتوقع أن تمنحها العقوبات الأمريكية الجديدة “نكهة ثورية” جديدة تلقي بظلالها على الجدل المستمر منذ توقف الحرب العراقية الإيرانية في آب/أغسطس 1988حول أهمية أن تنتقل إيران من الثورة لتتحرك على عجلات الدولة.
وسعى في تلك الفترة، الرئيس الراحل أكبر هاشمي رفسنجاني، إلى تطويع “الشعارات الثورية” لتكون في خدمة مرحلة البناء والتنمية وتأسيس الدولة القائمة على مبادئ “ثورية” لكن بلغة العصر والتعايش مع باقي الدول حتى الولايات المتحدة التي أطلقت عليها الثورة اسم “الشيطان الأكبر”.
وباستثناء إسرائيل التي لا تعترف بها إيران، فإن الاتجاه العام الذي كانت تتحرك نحوه خصوصاً بعد مجيء الرئيس الإصلاحي محمد خاتمي، كان يمضي لردم جدار الشك والريبة بينها والولايات المتحدة، وهو ما توقف بل ارتفع الجدار، في عهد الرئيس محمود أحمدي نجاد، حيث فرضت خلال فترة حكمه كل قرارات العقوبات الدولية المتعلقة بالبرنامج النووي الإيراني، والمزيد من العقوبات الأمريكية والأوروبية.
لكن وبعد انسحاب ترامب من الاتفاق النووي في 8 مايو/أيار الماضي، حيث أعيدت إجراءات العقوبات الأمريكية التي كانت متوقفة بعد تنفيذ الاتفاق النووي، الأولى بعد 90 يوماً والثانية بعد 180 يوما من إعلان خروجه من الاتفاق، ارتفعت في طهران مجدداً اللغة “الثورية” ولَم توفر الرئيس المعتدل روحاني والكثير من أنصاره الإصلاحيين والأصوليين المعتدلين، وصار الكثير من الطلاب الذين لم يشهدوا حقبة “اقتحام السفارة الأمريكية” وقد سُميت آنذاك بوكر الجاسوسية، يبحثون عن الأدبيات التي رافقت تلك المرحلة، أو يطلعون عليها في التلفزيون الرسمي الذي بدأ استعدادات إحياء الذكرى ببث أناشيد حماسية مرفقة بصور قديمة عن احتجاز الدبلوماسيين الأمريكيين، وتصريحات ترامب وطاقمه لتعكس العداء الأمريكي المتجذر لإيران، على حد ما يذكر التلفزيون نقلاً عن الرئيس الإيراني.
وفي غضون ذلك ورغم النفي الرسمي لما ذكره النائب في البرلمان عن تيار المحافظين وعضو لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان، جواد كريمي قدوسي، في شأن حصول لقاءات بين دبلوماسيين إيرانيين وأمريكيين في مسقط بهدف استمرارية المفاوضات بين الجانبين، إلا أن مصادر موثوقة تؤكد وجود مفاوضات أمريكية إيرانية سرية غير مباشرة لكنها تجري بواسطة عمانية.
وفي حين نفت وزارة الخارجية الإيرانية في بيان، صحة تصريحات النائب قدوسي، مشيرة أن “لا أساس لها”، وأوضحت أن جميع مؤسسات البلاد ملتزمة بتعليمات المرشد الأعلى للثورة، سيد علي خامنئي فيما يتعلق بكيفية التعامل مع الولايات المتحدة، وأن “من غير الممكن اتخاذ خطوة للأمام أو للخلف بهذا الخصوص”، أكد مصدر عماني أن التنسيق بين مسقط وطهران متواصل لإطفاء الحرائق التي من الممكن أن تشعلها العقوبات الأمريكية الجديدة، وأن زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الأخيرة إلى مسقط نقلت رسالة أيضاً أن إسرائيل غير راغبة في الدخول في حرب مباشرة مع إيران التي أكد رئيسها أن “إيصال النفط الإيراني إلى الصفر لن يتحقق، والولايات المتحدة غير قادرة على إيصاله إلى الصفر”، مؤكداً وملوحاً بالتعاون الكامل بين حكومته والحرس الثوري “سوف نخرج من كل هذه الضغوط التي تفرضها الولايات المتحدة على إيران” مشيراً بقوة إلى أن الشعب غير ناقم على الحكومة والنظام بقدر نقمته على الولايات المتحدة وعقوباتها، وأكد أن الاتحاد الأوروبي ودولا أخرى رفضت الانسحاب وأعلنت مواصلتها الالتزام بالاتفاق!