أرسم لي خريطة يا لبيد

حجم الخط
0

«كما هو مهم ألا يكون أي جزء من اجزاء ارض اسرائيل «نقيا» من اليهود فليس من المهم كذلك ألا يكون جزء ما «نقيا» من العرب… إن العربي الفلسطيني الذي فُتحت البلاد أمامه مجددا وضُمنت له تعويضات لم يعد لاجئا، فهو محرر من وسواس المذلة والسلب والطرد من الفردوس المفقود». إن اليساري البغيض المقتبس كلامه هنا والمستعد لأن يدفع تعويضات للاجئين، وكاره اسرائيل الذي يريد أن يُحلل للفلسطينيين شراء ارض في اسرائيل، هو المحامي اليكيم هعتسني من أوائل المستوطنين في كريات أربع. وقد نشر كلامه هذا في «يديعون هكرياه» في 1976. بعد ذلك بـ 38 سنة جاء داني ديان – رئيس مجلس «يشع» في الماضي و»وزير خارجيتها (أليست توجد دولة يشع)»، يحمل بشرى وهي «أنه لا يمكن الاستمرار على العيش في حصار نفسي مع فرض قيود شاملة على الفلسطينيين»، يقول في خطته السياسية «الجديدة» (هآرتس، 9/6).
تفصل سنوات ضوئية بين التوجه البعيد المدى الذي اقترحه هعتسني وبين توجه ديان؛ فلم يعد ديان يقترح الاعتراف بالنكبة الفلسطينية، ولن يدفع تعويضات، ولن يحلل لهم بالطبع أن يشتروا ارضا في اسرائيل. وليست خطته لتطوير الاقتصاد الفلسطيني أكثر من اقتراح اماكن عمل لعشرات آلاف الفلسطينيين. فمن قال إن المستوطنين لا يفكرون في الفلسطينيين؟.
ولد اقتراح هعتسني في ظروف كان يمكنه فيها لو تم تبنيه أن يغير وجه الواقع. وولد اقتراح ديان في مقابله بعد أن أكد المستوطنون ومستوطناتهم تأكيدا جيدا موت المسيرة السياسية. واذا كان المستوطنون قد اعترفوا في 1976 أو الاذكياء منهم على الاقل بالحاجة الى النظر في مطالب الفلسطينيين ومشكلاتهم فانهم يحتفلون الآن برؤيا العظام الجافة.
إنها العظام التي هم مستعدون لرميها للفلسطينيين. ويتبين أن ديان لم يصحُ قط من هذيان «الاحتلال المستنير»، والجسور المفتوحة بين اسرائيل والمناطق، وإحلال الفلسطينيين محل العمال الاجانب. لأنه ما الذي سيشوش على سكينته؟ فالحكومة له والميزانية تلفه في دفء، والجيش خاضع لسلطة الجالين وراء الخط الاخضر، واهتمامه الرئيس هو بما يفعله بكل آلاف رُخَص البناء تلك التي مطرت عليه.
لا تؤثر فيه حتى صرخة يئير لبيد ما عدا ما تحدثه من الضجيج. لأنه حينما يطلب لبيد الى رئيس الوزراء أن يعرض خريطة فلسطين المستقبلية يكون ديان هو الذي رسمها. لأن لبيد منذ سنة وأكثر كان يجلس محتضنا إخوته وأخواته من اليمين، ينظر متنحيا الى العلاقات التي تُكسر بضجيج بالولايات المتحدة وكأن ذلك لا يخصه. وقد أخذ لبيد يصرخ قائلا «إيتوني بخريطة» مثل ديان بعد أن انقشع الغبار عن أنقاض المسيرة السياسية وقد أُغلقت نافذة فرص تأثيرها. من ذا يجب عليه أصلا أن يأتيه بخريطة؟ هل نتنياهو؟ هل ليبرمان؟ أوربما بينيت؟ ولماذا لا يأخذ لبيد قلما براقا عاديا وخريطة ملفوفة بالنايلون ويرسم خريطة هو نفسه؟ لا تكون نظرية متعددة المراحل لمباديء خريطة المستقبل ولا خريطة خرساء بل تكون رسما دقيقا مفصلا يبين أين بالضبط ستمر الحدود بين اسرائيل والضفة، وأين ستمر الحدود في القدس، وهل تكون معاليه هشومرون مستوطنة داني ديان «في الداخل» أو «في الخارج».
وليتفضل لبيد بأن يرسم خريطة كتله الاستيطانية وخريطة «الاجماع الوطني الواسع»، كما يقول تعريفه الجغرافي الجديد وكأنه نسي من الذي يقرر ومن الذي يمثل الاجماع الوطني و»اتساعه». إن «الاجماع الوطني» هو الذي سلم الى داني ديان سلطة تحديد الحدود الأبدية. وهل هذه الحدود بعيدة عما يقصد اليه لبيد؟ وكيف نعلم ذلك دون أن يظهر لبيد خريطة؟ إنه يهدد الآن باسقاط الحكومة اذا… اذا ماذا؟ هل اذا حاولوا أن يضموا «ولو مستوطنة واحدة»؟ هل اذا لم توجد مبادرة سياسية؟ هل اذا لم يأت نتنياهو بخريطة؟ يا له من ضجيج.

هآرتس 11/6/2014

تسفي برئيل

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية