اليمن… هدية سعودية جديدة لإيران

حجم الخط
0

الشروط التي وضعها وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو للبدء بمسار إنهاء الحرب التي يشنها التحالف العربي بقيادة السعودية على اليمن لم تكن غريبة، إذا ما قورنت بالتسريبات التي تحدثت عن طلب سعودي من إيران بوقف الهجمات الصاروخية وبالطائرات المسيرة التي تشنها جماعة «أنصار الله» بقيادة عبدالملك الحوثي على الداخل السعودي، مقابل وضع حد لهذه الحرب التي استمرت لنحو أربع سنوات.
وإذا ما صحت هذه التسريبات، فمن غير المستبعد أن تكون تسريبات أخرى صحيحة أيضا، التي تتحدث عن وفد سعودي يزور العاصمة الإيرانية طهران، بتوجيه من ولي العهد محمد بن سلمان، لبحث الخروج من الحرب اليمنية بضمانات إيرانية تتمحور حول التزام إيران بالضغط على حلفائها اليمنيين بعدم استنزافها لاحقا بعد الانسحاب، من خلال استمرار جماعة الحوثي بعملياتهم خلف الحدود اليمنية ـ السعودية.
ما تحدث عنه الوزير الأمريكي بومبيو عن إطلاق مسار تفاوضي بداية الشهر المقبل ديسمبر/ كانون الأول، تحدث عنه زميله وزير الدفاع جيمس ماتيس بشفافية أكثر، عندما طالب بوقف العمليات العسكرية بالطائرات المسيرة، ليس فقط ضد السعودية، بل أيضا ضد دولة الامارات العربية المتحدة. الأمر الذي شكل بحد ذاته اعترافا دوليا بأن جماعة الحوثي استطاعت استهداف العمق الاماراتي بطائرات مسيرة متفجرة، وأن ما سبق وأعلنه الحوثيون عن استهداف كل من العاصمة الاماراتية ابو ظبي وإمارة دبي ومطاريهما لم يكن ضربا من المبالغة، أو للاستهلاك الإعلامي وشحن المعنويات «المنهارة» لدى هذه الجماعة. وتبين أن ما تم نفيه بشدة في المرحلة السابقة كان حقيقة. وبالمنطق العسكري «العربي»، فإن تصاعد العمليات العسكرية داخل اليمن، خصوصا تلك التي تقودها الإمارات لم تكن سوى ردة فعل على استهداف الداخل الإماراتي، إضافة الى الحاجة لدى دول التحالف بضرورة تحقيق إنجاز ميداني قبل أي عملية تفاوضية يفرضون توقيتها ومسارها وأبعادها ونتائجها.

تسريبات عن زيارة وفد سعودي لطهران، بتوجيه من محمد بن سلمان، لبحث الخروج من الحرب اليمنية بضمانات إيرانية

الجانب الإيراني، الذي يحاول أن يكون متماسكا على اعتاب بدء تطبيق الحزمة الثانية من العقوبات الامريكية، التماسك الذي عبر عنه الرئيس الايراني حسن روحاني بأن العقوبات لن يكون لها أي أثر على ايران التي اعتادت على العقوبات الامريكية. يعتقد (الايراني) أن الحالة التي تواجهها السعودية بعد أزمة قتل جمال خاشقجي وتورط مسؤولين سعوديين كبار من الدائرة اللصيقة بولي العهد محمد بن سلمان في هذه العملية، قد تفرض على القيادة السعودية الدفع بأحد الملفات التي تشغل المنطقة والرأي العام العالمي بشكل كبير الى الواجهة – وليس أكثر من الملف اليمني والحرب عليه تستنزف دول التحالف وتنطبق عليه هذه المواصفات- ما قد يسهم في الحد ولو قليلا من التركيز على جريمة خاشقجي وتداعياتها. وأن مجمل هذا التطورات ستكون مريحة لإيران، إن لم تكن في صالحها وتسهم في تكريس دورها وموقعها الاقليميين، وبالتالي تفرضها شريكا بالفعل في أي حل محتمل للملف اليمني. ما يعني ان «بازارا» من المساومات سيكون مفتوحا مع الامريكي ستوظفها طهران، على الاقل، في إفراغ العقوبات الامريكية المتجددة من أهدافها وفعاليتها.
وتعتقد أوساط ايرانية، أن جهود الرئيس الامريكي دونالد ترامب ستنصب في المرحلة المقبلة وبعد الانتهاء من ملف الانتخابات النصفية الامريكية، لانقاذ محمد بن سلمان، على الرغم من كل المواقف التي يلوح بها ضد السعودية في حال التثبت من دورها في جريمة قتل جمال خاشقجي. وأن هذه الجهود لا تقتصر فقط على ترامب، بل تشمل كل الدول الغربية الداعمة لابن سلمان. وما اختيار الملف اليمني، وإنهاء الحرب السعودية على هذا البلد إلا مسعى لتحويل الأنظار عن الأزمة السعودية نحو أكثر الملفات الضاغطة على ولي العهد ووزير الدفاع، وأن وضع هذا الملف على سكة الحل يسهم في التخفيف من الضغوط المضاعفة التي يواجهها الامير السعودي، خصوصا ان تشعب الملفات الداخلية والخارجية التي فتحها ولي العهد قد توفر الارضية المناسبة لخصومهم للدفع باتجاه الانقلاب عليه.
من هنا، وحسب الاعتقاد الايراني، يأتي التحرك الغربي لإنهاء الملف اليمني، وقد لا تقف هذه المساعي عند حدود صنعاء، بل قد تتوسع لتشمل إعادة العلاقات مع العاصمة القطرية الدوحة وإنهاء الحصار المفروض عليها.
وترى طهران أن الخيار الأكثر احتمالا لتداعيات موت جمال خاشقجي واثره على حرب اليمن، هو ان السعودية ستكون في المرحلة المقبلة في مواجهة ازمات كثيرة، وان الدول الغربية ستكون تحت ضغط الرأي العام، ولن تكون قادرة في المدى القصير على الاستمرار في تقديم الدعم العسكري للسعودية. وهذا لا يعني أن الدول الغربية ستترك ابن سلمان وحيدا في حرب اليمن، انطلاقا من عدم تخليها عن السعودية ومن أجل الحفاظ على مصالحها في هذا البلد. لكنها في المقابل ومن أجل الوصول إلى هذه الأهداف البعيدة، ستكون مجبرة على اتخاذ بعض الإجراءات العقابية المحدودة ضد ولي العهد تنعكس على الملف اليمني وتخفيف الضغوط الدولية عليه.
وتعتقد الاوساط الايرانية أن الدفع الامريكي وخلفية المواقف التي اطلقها وزير الخارجية بومبيو ووزير الدفاع ماتيس ليست مصالح الشعب اليمني، بل بالدرجة الاولى تحسين وتجميل صورة إدارة ترامب على ابواب الانتخابات النصفية للكونغرس، وفي الدرجة الثانية التخفيف – بعد قتل خاشقجي – من الضغوط المتعلقة بدعم ترامب لابن سلمان في هذه الحرب.
كاتب لبناني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية