الصحافي خبراً.. والأوطان أيضاً
د. عبدالوهاب الافنديالصحافي خبراً.. والأوطان أيضاً(1)عندما يعتدي قوم مدججون بالسلاح علي امرأة بدون مبرر سوي الهوية، وحين تكون هذه الهوية تجسيداً للتمازج والتنوع في الوطن المعني، وحين تكون المرأة المعنية امرأة متدينة تعطي في مظهرها وملبسها إشارة واضحة الي انها تنظر بجدية الي قيم وتعاليم دينها، وحين يكون ذنب هذه المرأة الأكبر هو أنها صحافية تجتهد في نقل المعلومة الصحيحة الي من يطلبها.. عندما يقع هذا العدوان في مثل هذه الظروف فان الأمر يتعدي كونه جريمة بشعة الي كونه سقوط أمة وانهيار وطن.(2)ليست هذه مبالغة. قد يكون الذين قتلوا مراسلة العربية أطوار بهجت هم عين الذين انتهكوا حرمة مرقدي الإمامين الهادي والعسكري في سامراء، وقد يكون ممن اختاروا الرد بانتهاكات لا تقل بشاعة للمقدسات، وأهم من ذلك انتهاك حرمة النفس الانسانية التي هي اعظم عند الله من حرمة الكعبة وكل مقدس آخر ـ مهما يكن فان تحول جرائم القتل علي الهوية الي وباء لا تعتبر محاولة لتدمير الوطن بقدر ما هي اعلان عن ان الوطن لا وجود له في الاساس. فأين وطن هو ذلك الذين لا تأمن فيه امرأة مؤمنة بريئة عزلاء علي نفسها؟(3)مفارقة مؤلمة غاية الإيلام ان تقتل امرأة بريئة في مدينة سامراء عاصمة الخليفة المعتصم الذي اشتهر بتجريد حملة لفتح مدينة عمورية لأن امرأة تعرضت فيها لعدوان هو دون القتل بكثير. كم اصبح شاغراً مقام الخليفة الذي كان يسمع استغاثة المرأة المظلومة عبر آلاف الاميال، حتي أصبحت المؤمنات الحرائر يقتلن علي مرمي حجر من قصره ومسجده ومراقد الأئمة الكرام، ولا مغيث لهن الا الله تعالي.(4)في التعاليم الاسلامية فان مراعاة حرمة النفس البشرية البريئة اولا ثم المقدسات ثانيا مفروضة بغير قيد ولا شرط. فالمسلمون منهيون عن مجرد سب آلهة المشركين، ومطالبون باحترام قدسية اماكن العبادة لغير المسلمين وعدم التعرض لها ولمن فيها حتي في حال الحرب. اما حرمة النفس البشرية فهي معروفة، لأن قتل النفس البريئة ـ بغض النظر عن دين الشخص المقتول ـ تعادل في عظمها عند الله الابادة الجماعية للجنس البشري كله، والقتل المتعمد للمؤمن البريء يخلد صاحبه في النار.(5)من هذا المنطلق فانه عندما يقوم البعض بانتهاك حرمة النفس والمقدسات معا، اضافة الي حرمات اخري، مثل حرمة الاشهر الحرم، وأبرزها شهر المحرم، او قدسية شهر رمضان والعبادة فيه، فانه يكون قد ابعد النجعة، وتخلص من كل شبهة انتماء الي هذه الملة. فأي صلة بالدين الاسلامي تكون لشخص يفجر القنابل في مساجد الله في موعد الافطار في شهر رمضان فيقتل المصلين الصائمين ويرتكب جريمة الانتحار. في نفس الوقت؟ اي استقبال ينتظر هذا الشخص حيث ذهب؟ وأي منطق ملتو قاده الي مثل هذا الفعل الشنيع المنكر؟(6)الاعتداء علي مقدسات الناس أمر منكر لأنها تمثل عند الناس محور وجودهم وجوهر هويتهم، والكثيرون مستعدون لفداء مقدساتهم بالنفس ويرون الاعتداء علي حياتهم اهون من النيل من مقدساتهم. والدفاع عن المقدسات ضد العدوان امر مشروع، ولكن من الواجب التفريق بين الدفاع من المقدسات والعدوان الآثم علي الأنفس وعلي مقدسات الآخرين، خاصة حين يكون المعتدي عليهم لا علاقة لهم بالأمر.(7)علماء الشيعة وعلي رأسهم السيد علي السيستاني يستحقون العرفان والتقدير بسبب مواقفهم الصلبة ضد التحريض الطائفي ـ ولكن هذه المواقف لم تمنع للأسف البعض من الوقوع في جرائم غاية في البشاعة، مثل الاعتداء علي المساجد وقتل الابرياء ـ هذه الاعتداءات لا مبرر لها، ولا يمكن الاعتذار عنها بعظم الجريمة التي وقعت. فالاعتداء علي اماكن العبادة وقتل الناس علي الهوية لا يعتبران قصاصا من مجرمين، وانما تنفيسا عن حقد طائفي سابق للحدث ولا علاقة له به.(8)عندما يتحول الصحافي الي خبر في بلد ما، ويصبح القتل علي الهوية منهجا، فان الخبر وراء كل ذلك هو نعي الوطن واعلان انتحاره. ولكي يتجنب العراقيون الانحدار الي ما صارت اليه رواندا وصربيا، فان لا يكفي التبرؤ من القتلة ومنتهكي المقدسات، بل لا بد ان تتولي كل طائفة تسمية وعزل ومعاقبة مجرميها قبل ان تقوم الدولة بذلك. والا فعلي العراق السلام (ان كان قد بقي عراق اصلاً)!9