رجال أعمال يروجون لـ التوريث بين الأروقة الأمريكية والصهيونية: مصر التي كانت هبة النيل أصبحت هبة رجال الأعمال
محمد عبدالحكم ديابرجال أعمال يروجون لـ التوريث بين الأروقة الأمريكية والصهيونية: مصر التي كانت هبة النيل أصبحت هبة رجال الأعمالوصف المؤرخ الإغريقي هيرودوث مصر بأنها هبة النيل، وبدا ساذجا، بعدما عشنا دورة الأيام، التي أتت بحقبة أصبحت فيها مصر هبة الأمن .. اتخذت فيها الدولة شكلا بوليسيا شديد الوطأة. ثم جاءت دولة جمال مبارك بفاشيتها لتجعل مصر هبة رجال الأعمال ، وفور أن ألغيت السياسة أفسحت الدولة البوليسية، لاستغلال المناصب المحكومية والوظائف العامة لتكوين الثروات. فأخذ كل مسؤول علي عاتقه توظيف القطاع الذي يتولاه، وتحويله من قطاع إلي إقطاعية ، تسودها الرشوة والعمولات والصفقات وغسيل الأموال والبلطجة وكسر القوانين، وفي مرحلة حكم النجل بدأ المسؤولون في استخدام الأبناء في تنمية هذه الثروات ورعايتها، وكان لـ عائلة مبارك فضل السبق في كسر الحواجز التي كانت تمنع الخلط ما بين الملكية العامة والملكية الخاصة، وكان للابنين، علاء وجمال، دورهما في عمليات كسر غير مسبوقة لهذه الحواجز، وعلي نفس نهجهما سار وزراء ومسؤولون آخرون، في مجالات الثقافة والإعلام وشركات الانتاج المرئي والمسموع، فالأعزب منهم كون امبراطوريات لنفسه، ومن لديه أبناء نقل إليهم امبراطوريات تعمل في مجالات الإنتاج الإعلامي والفضائي والفني والثقافي، ودارت في فلكهم مجموعات أقل حجما ووزنا، ومثال محمد فودة سكرتير وزير الثقافة الذي حوكم وأدين معروف للجميع.وهناك مسؤولون آخرون كونوا الثروات بالنفوذ الإداري والتشريعي، في مجلسي الشعب والشوري، بتسهيل إلحاق الطلاب بكليات الشرطة والحربية والطيران والبحرية، وإلحاق الخريجين بسلك النيابة العامة والقضاء والإعلام والجامعات، وتسهيلات أخري في مجالات الزراعة والإدارة المحلية والإسكان، والأراضي والمنشآت والمساكن في المجتمعات العمرانية الجديدة، وتراخيص البناء والمشروعات التجارية والصناعية، وهناك من ربط نفسه بنشاط العائلة التجاري والمالي، ونتج عن ذلك أن صار أحد كبار موظفي الرئاسة من أكبر أثرياء مصر.. هذه نماذج قليلة لظاهرة تفشت في الدولة المصرية بأجهزتها ومؤسساتها.وتكوين الثروات بهذه الطرق غير المشروعة أصبح مصدر قلق لـ العائلة ومواليها، فقدوا الشعور بالأمان، وكان الحل هو في نقل الحكم والإدارة، من يد السياسيين والفنيين التكنوقراط ورجال الأمن، إلي يد رجال الأعمال، وهذه سابقة غريبة ومعيبة.. لم يحدث، في النظم الرأسمالية التي يتشبهون بها، أن ترك الساسة زمام الحكم لرجال الأعمال. فالسياسة تتحدد بمرجعيات ونظريات وأيديولوجيات، غالبا ما تصب في قناة تزكية المشروع الخاص، والدفاع عن الحرية الاقتصادية، واتخاذ آليات العمل الديمقراطي كوسائل للتطوير والتصحيح وتداول الحكم، فالوعي التاريخي لرجال الأعمال في الغرب كشف لهم أن ذلك يخفف من وطأة الرأسمالية واستغلالها وتوحشها، وهذا هو الذي أعطي نظم الحكم الغربية بريقا بهر الناس في كثير من أنحاء العالم، واستقر في ذهن رجل الأعمال الغربي أن استمراره واستمرار دوره يتحقق بترسيخ دولة القانون. وعليه قبل بتدخلها واستظل بمظلتها، وأقر بوظيفتها في إعادة توزيع الثروة القومية، بما يسمح لها بجمع الضرائب، والحد من الدور السلبي لـ الاقتصاد الأسود . (تجارة المخدرات وغسيل الأموال وتجارة الرقيق الأبيض والدعارة إلي البلطجة والنصب). وبالضرائب مولت خدمات التعليم والصحة والثقافة والرعاية الاجتماعية والأمن.ولم يكن وصول الغرب إلي هذا المستوي بسبب التراكم الذي أحدثه الاستيلاء علي المستعمرات في السابق، ولا بسبب نظام الهيمنة الحالي، فكل هذا لم يكن كافيا، ووصول الحضارة الغربية إلي هذا الشأو يعود إلي تميزها بالقدرة الفائقة علي التنظيم، لثبت أن الثروة وحدها لا تكفي، وكم من الثروات بددها أصحابها لغياب هذه القدرة، وإذا أضفنا وجود المركز الذي تخرج منه الثروة الغربية وتعود، وتتولي البورصات والمصارف وحركة الأوراق المالية عالميا، هذه المهمة وتحافظ بذلك علي دور المركزية الغربية ، ومن المفترض، في مثل هذا الجو، أن يبذل الحاكم الوطني العربي جهدا، يجعل من بلده مركزا تنمويا واستثماريا، يوظف إمكانياتها الطبيعية والبشرية، وينشئ أوعية استثمارية للتنمية الداخلية أولا ولجذب الاستثمارات الخارجية ثانيا، لكن العائلة اختارت الطريق الأيسر لها، وهو العمل لحساب المركز الغربي الصهيوني ، وورطت معها رجال أعمال، وألقت علي كاهلهم مهمة ليست من اختصاصهم، وهي مهمة الحكم المباشر.ومن أجل ذلك انتشرت قيم تخدم هذا التوجه، منها قيم تدعو للقبول بحكم اللصوص لمجرد أنهم أغنياء، والغني كمصدر للياقة الاجتماعية أصبح طريق الاستيلاء علي الحكم وسنت لذلك قاعدة تقول بالحكم لـ الشبعانين ، ويري الفكر الجديد الذي يشيعه الرئيس الموازي أن من يشبع من طول السرقة، لن يكون في حاجة إلي مال إذا ما وصل إلي الحكم!!، وواضح أن هذا من أجل ضمان استمرار العائلة ومواليها، وها هم بعد أن شبعوا، يوجهون دعوة صريحة لكل المتطلعين للحكم بممارسة اللصوصية ليصبحوا أهلا لتقلد مقاعد الوزارة أو الرئاسة!!. والواجب الوطني والأخلاقي والإنساني يفرض مقاومة هذه اللصوصية.. ونكتشف أن حسني مبارك لعب دورا شخصيا في نشر هذه القيم، فهو الذي ربط بين المنصب والثروة، وليس الخبرة أو الكفاءة، وكثيرا ما سمعناه يقول: مش لاقي حد يبقي وزير لأن مرتب الوزير أقل من دخل رجل الأعمال، وهذا المنطق الأعوج جاء نتاج أمية سياسية لا تفرق بين مقتضيات العمل العام وظروف العمل الخاص، وما زالت ترن في أذني عبارة كان يتربي عليها الشباب المصري في زمن عبد الناصر فحواها أن: السياسي أول من يضحي وآخر من يستفيد !!. وفي أنحاء العالم نجد مرتبات ودخول أصحاب الشركات وموظفيها الكبار أضعاف مرتبات السياسيين والمفكرين والكتاب والأكاديميين والعلماء، فهل يمكن مقارنة مرتب توني بلير بدخل محمد فايد، صاحب محلات هارودز اللندنية مثلا، وكان مرتب جمال عبد الناصر 500 جنيه في الشهر، تنازل عن نصفه فأصبح 250 جنيها فقط، وكان ذلك أقل بكثير من دخل كاتب بقامة محمد حسنين هيكل، في ذلك الوقت، وكذلك كان وضع كثير من رؤساء المؤسسات والمصارف والشركات العامة والخاصة.وغرس هذه القيم مطلوب لإتاحة الفرصة ليحصل حسني مبارك علي المال الذي يريده، وبعد أن وصل الدخل الرسمي لوزير الداخلية، مليونين من الجنيهات شهريا، ومدير أمن القاهرة في حدود 600 ألف جنيه شهريا، فمن المفترض أن يكون دخل حسني مبارك، أكبر من ذلك بكثير. ورجال الأعمال دون أن يحكموا حولوا البلد إلي سوق، وجعلوا من الخدمات سلعا تباع وتشتري، فما بالنا وهم يحكمون، ستزيد وتيرة الإلغاء، الفعلي لمجانية التعليم، وتشجيع المدارس الموازية في البيوت، بالدروس الخصوصية، واستمرار خفض نصيب الطالب في الميزانية، والذي وصل إلي 150 دولارا سنويا. أي حوالي 12 دولارا في الشهر، (أقل من نصف دولار في اليوم).. تصرف علي مرتبات المدرسين والعاملين!! وتزداد معدلات نشر التعليم الخاص، وتكون النتيجة عودة التسرب لأطفال الفقراء ومحدودي الدخل، ومن المتوقع، تبعا لذلك، أن ترتفع نسبة الأمية من جديد، بعد أن هبطت إلي 29% في السنوات الأخيرة.ورجال الأعمال كحكام شبعانين .. لم يرتق أحدهم إلي مصاف طلعت حرب في مصر، في ثلاثينات القرن الماضي، ولا حذا واحد منهم حذو أسرة شومان، في الأردن وفلسطين، في النصف الثاني من نفس القرن، والسبب أن ثروات هؤلاء الشبعانين لقيطة، ولدت سفاحا من زواج المال بالحكم، ولهذا يرفضون الإعلان عنها وعن مصادرها، وخوفا من لحظة الحساب دفعوا بها إلي الحسابات السرية في المصارف الأجنبية، وقد أصبح سر الثروات ، في عصر الرئيس الموازي ، ومن قبله والده، أهم من السر العسكري. وقد أثار السياسي الوفدي، منير فخري عبد النور، إعجابي الشديد. في واحد من لقاءاته الفضائية، رفض أن يوصف برجل الأعمال، قائلا ما معناه: أنا لست رجل أعمال، وقد أكون ثريا إنما أنا سياسي، ساعتها أحسست بالفخر لأنني أعلم أن مصر تمتلئ بكثيرين علي شاكلته.وأهم وظائف الوزراء الشبعانين ، هو تهيئة المسرح لـ التوريث ، واختيارهم كان علي أساس أنهم الأكثر ارتباطا بدوائر أمريكية وصهيونية، ولهم تأثير فيها..أصبح التصدي لهؤلاء فرض عين لأنه جزء من التصدي لمخطط التوريث ، وذلك بالكشف عن ثروات هؤلاء ومصادرها، وبدأ البعض يمسك بخيوطها خارج مصر. وأهم هذه الخيوط هو ما يتعلق ببيع ديون القطاع العام. وهي مهمة تولاها الرئيس الموازي ، خلال فترة عمله في المصرف الأمريكي، بنك أوف أمريكا ، وهناك سعي حثيث لفتح هذا الملف، وحسب معلومات توفرت أمامنا تقول بأن ذلك ممكن، إذا ما تم التعرف علي ما يحويه ملف شريكه في الفترة، ما بين 1988 و1993، وهو رياض غالي، قريب الوزير يوسف بطرس غالي، وتقول نفس المعلومات أن الديون التي بيعت تقدر بثلاثة مليارات دولار، أي ما يعادل أكثر من سبعة عشر مليار جنيه مصري بسعر اليوم.. حصلت الشركة التي تولت البيع علي 40 سنتا عن كل دولار، فحققت ربحا قدره مليار ومئتي مليون دولار، في حدود سبع مليارات جنيه مصري بالأثمان الحالية، بالإضافة إلي تسديد الثمن بالعملة المصرية، وهذا أضاف أرباحا أخري من الفارق بين بيع العملة بالسعر الرسمي، وسعر السوق السوداء، التي عرفت، في ذلك الوقت بالسوق الموازية .وتؤكد المعلومات أن كل هذه العمليات تمت بعيدا عن البنك المركزي المصري، ومن خلال علاقة مباشرة بين الرئيس الموازي وبين المصارف المعنية بالديون، وهي بنك الإسكندرية والبنك الأهلي وبنك مصر، ويأتي بيع المصارف الكبري، لينقل هذه الملفات السرية إلي خارج مصر، مما قد يمنع التعرف علي خفايا ما جري. إلا أن الأخطر هو فيما هو قادم، فاستعدادا لتسلم الرئيس الموازي للمنصب رسميا، وإذا ما صحت أحاديث الكواليس الغربية عن اتفاقيات سرية وقعها الرئيس الموازي مع نجيب ساويرس، لحل مشاكل الأقباط، لضمان تأييدهم، ومع الدولة الصهيونية حول مستقبل سيناء، إذا صح كل هذا فإنه يعني كارثة بكل معني الكلمة. وفور توفر المعلومات الكافية حول هذه الاتفاقيات سننشر تفاصيلها تباعا.9