في قرار مفاجئ، قررت القيادة المصرية تعيين وزير جديد للخارجية هو سامح شكري الذي يصفه البعض بـ «الصلابة» في ما يتعلق بالعلاقات الاستراتيجية بين القاهرة وواشنطن، والموقف من القضية الفلسطينية، مستندين الى ما كانت اشارت اليه تسريبات لموقع ويكيليكس مؤكدة انه أثار امتعاضا امريكيا.
ويعزز هؤلاء رأيهم بأن «اقتراب» سلفه نبيل فهمي من واشنطن، والذي بدا واضحا في تصريح شهير وصف فيه العلاقات المصرية الامريكية بـ «الزواج الشرعي»، كان أحد أسباب رحيله المبكر من الوزارة.
واثناء اول نشاط وزاري له امس في مؤتمر وزراء خارجية المؤتمر الاسلامي، أكد شكري دعم مصر الكامل للحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني بما فيها إقامة دولته ذات السيادة على حدود يونيو/حزيران 1967 وعاصمتها القدس الشرقية والترحيب بتشكيل حكومة التوافق الوطني الفلسطينية بما يعزز مصلحة الشعب الفلسطيني ووحدته، معربًا عن ترحيب مصر بتشكيل فريق الاتصال الوزاري بشأن القدس في إطار المنظمة الإسلامية.
ويمثل ما قاله الوزير تكريسا لـ «الخطاب الرسمي المصري» تجاه القضية الفلسطينية، والذي لم يتغير منذ عهد الرئيس الاسبق حسني مبارك، ويبقى المعيار الحقيقي في المواقف العملية التي تنوي القاهرة اتخاذها في هذا الملف الشائك.
وهنا تبرز الخيارات الصعبة والاسئلة الشائكة، اذ ان الترحيب بتشكيل حكومة الوحدة الفلسطينية يعني واقعيا ضرورة التعامل مع كافة مكوناتها واهدافها، وعلى رأسها استكمال المصالحة الفلسطينية، ودعم تنفيذ استحقاقاتها السياسية كاجراء الانتخابات في كافة الاراضي الفلسطينية، وبالتالي استئناف العلاقات المقطوعة حاليا مع حركة حماس.
فهل سيكون لدى الوزير الجديد الشجاعة لمواجهة الابواق الاعلامية التي مازالت تتهم حماس بالارهاب دون دليل او حكم قضائي؟ وهل سيطبق ما جاء في اول خطاب رئاسي للسيسي من ان «الخلاف مع اي جماعات لن يؤثر في موقف مصر المبدئي من القضية الفلسطينية»؟
وهل سيتخذ القرار المستحق بفتح معبر رفح بشكل قانوني ومنتظم، خاصة بعد تشكيل حكومة وحدة وطنية فلسطينية؟ وكيف سيؤثر ذلك على العلاقات مع اسرائيل التي تراقب كل كلمة تصدرعن القاهرة بهذا الشأن؟ وهل تستطيع القاهرة ان تغامر بتوتير العلاقة الصعبة اصلا مع واشنطن، وهو ما بدا في وقف المساعدات العسكرية تماما، وتقليص الاقتصادية بشكل كبير خاصة في ظل احتياجها لمساعدات نوعية لمواجهة الارهاب؟ وهل يمكن ان تواصل سياسة التقارب مع موسكو؟
ولا يمكن النظر الى تلك الاسئلة الصعبة بمعزل عن التبدل السريع للمعطيات الاستراتيجية في المنطقة التي تبدو مقبلة على حرب جديدة ضد الارهاب، لكن في ظل رفض امريكي لارسال قوات برية كما حدث في الماضي، فهل سيعزز هذا من اهمية دور محتمل للجيش المصري كقوة تدخل سريعة «مسافة السكة» حسب تعبير الرئيس السيسي، في اجواء من «فراغ القوة الاقليمية»؟ ام سيغري القاهرة بالدخول في مغامرات غير محسوبة؟.
ويبدو ان هذه المعطيات الجديدة ساهمت في تحول الموقف الايراني تجاه النظام الجديد في القاهرة. فبعد تصريحات اعتبرتها القاهرة عدائية واستدعت على اثرها القائم بالاعمال الايراني للاحتجاج عليها قبل عدة شهور فقط، ايدت طهرن الانتخابات الرئاسية المصرية، وارسلت نائب وزير خارجيتها لتهنئة السيسي، ثم اعلنت على لسانه من القاهرة استعدادها لمساعدة مصر «في كافة المجالات» وعقد قمة رباعية بمشاركة السعودية وتركيا لبحث تسويات لازمات المنطقة.
وكأنها تقدم للسيسي كل «المحفزات» الممكنة لعدم الانجراف في تحالف سعودي برعاية امريكية. فهل تستخدم الدبلوماسية هذا «العرض الايراني» في تحقيق موقف اقليمي متوازن؟
وعلى الصعيد الخليجي، وعلى رغم استمرار الخلاف السياسي والهجمات الاعلامية هنا وهناك، هل تقوم الدبلوماسية المصرية بالبناء على الاجواء الايجابية التي خلقتها تهنئة امير قطر للسيسي، وتصريحات حكومتها بشأن «احترام خيارات الشعب المصري» وفتح قنوات للحوار مع الدوحة، لاستكشاف مساحات التقارب وامكانية «إدارة الخلافات» غير القابلة للحل الفوري، وهو ما سيعود إيجابا دون شك على العلاقات الثنائية وبالتالي الخليجية بشكل عام؟.
أما على صعيد الأزمة السورية، فان قدرة القاهرة على لعب دور مؤثر تتوقف على قرارها بشأن الخيارات الصعبة المتعلقة بشكل تحالفاتها، إلا ان ثمة مساحة ممكنة للاتفاق، الا وهي العمل على الوصول الى وقف فوري شامل لاطلاق النار، وتأمين دخول المساعدات الانسانية الى كافة السوريين بغض النظر عن انتماءاتهم السياسية او مواقعهم الجغرافية، وهو هدف صعب، إلا انه لن يكون مستحيلا اذا حظي بدعم من القوى الاقليمية الاساسية.
واخيرا فان الدبلوماسية المصرية تواجه تحديا كبيرا آخر، ألا وهو إنهاء غيابها الفادح في افريقيا، وهو الذي سمح بتمدد اسرائيلي وايراني وصل الى السودان، واصبح يمثل خطرا استراتيجيا مباشرا لشمال الوادي.
فهل يملك العهد الجديد الشجاعة والارادة والرؤية السياسية اللازمة لمواجهة كل هذه الخيارات والتحديات؟
رأي القدس
لا يمكن للانقلابيين أن يفعلوا شيئا لصالح الأمة.
مجرد خطابات لايهام الشعوب بأنهم مع القضية الأم. أما الحقيقة الساطعة فهي أنهم جاؤوا لكبح تطلعات الشعوب العربية الى التحرر و التي ستؤدي حتما الى تحرير فلسطين