اليمن: مشكلة الاختطافات أرجعت الجهود الرسمية إلي المربع الأول
الأسباب لبروزها تداخلت بين الأمني والقبلي والاقتصادي والسلطة تتعامل معها بردة فعل اليمن: مشكلة الاختطافات أرجعت الجهود الرسمية إلي المربع الأولصنعاء ـ القدس العربي ـ من خالد الحمادي:أخذت قضية الاختطافات للسياح الأجانب في اليمن التي عادت للظهور مع رحيل العام المنصرم وبداية العام الحالي اهتماما رسميا منقطع النظير، تنديدا واستنكارا ورفضا وبحثا للعواقب والآثار وتسليطا للأضواء حيالها في شتي وسائل الاتصال الجماهيري.وفي إطار هذه الجهود الرسمية اليمنية الساعية إلي امتصاص الآثار السلبية لظاهرة الاختطافات علي الاقتصاد وعلي السياحة تحديدا، عقد مركز الدراسات والبحوث اليمني قبل أيام ندوة شاملة حول (ظاهرة الاختطافات وآثارها السلبية علي اليمن) استمرت يومين وناقشت أهم وأبرز القضايا ذات العلاقة بهذه المشكلة من خلال العديد من الخبراء والأكاديميين والباحثين. وحظيت هذه الندوة التي عقدت برعاية الدكتور عبد العزيز المقالح رئيس مركز الدراسات والبحوث اليمني، باهتمام إعلامي رسمي كبير، وبثّت أغلب فعالياتها القناة الفضائية اليمنية. أخذت هذه الندوة طابعا أمنيا مهما من خلال إسناد رئاسة الجلسة الأولي لها إلي علي الآنسي مدير مكتب رئاسة الجمهورية ورئيس جهاز الأمن القومي، في أول ظهور رسمي له في فعالية عامة كهذه الندوة، منذ تسلمه مهمة قيادة الأمن القومي. وعلي الرغم من الارتياح الكبير للعديد من أوراق العمل التي تضمنتها هذه الندوة وناقشها العديد من الباحثين والمختصين، إلا أن البعض اعتبرها طرحا من طرف واحد، بمعني أن جميع المشاركين فيها مثّلوا النخبة الفكرية للتنظير حول الظاهرة وأسبابها ومعالجاتها، بينما غيّبت تماما الطرف الآخر، وهو الطرف القبلي المتهم بالتنفيذ لعمليات الاختطافات، والذي كان حضوره مهما لمعرفة وجهة النظر الأخري في هذا الصدد ومحاولة قراءة الأبعاد من جميع الزوايا وكذا الأسباب الرئيسة التي تقف وراء ظهور، ثم خفوت، ثم استئناف هذه الظاهرة اليمنية، والتي قد تكون المفتاح المهم للحل الجذري لها. وبالإضافة إلي الأربعة حوادث الأخيرة لاختطاف السياح الأوروبيين التي حدثت خلال الفترة بين تشرين الثاني (نوفمبر) 2005 وكانون الثاني (يناير) 2006 والتي استهدفت سويسريين اثنين ونمساويين اثنين و5 ألمان و5 إيطاليين، شهدت ظاهرة خطف الأجانب خلال السنوات الماضية منذ مطلع التسعينات وحتي نيسان (ابريل) من العام 1998 حوادث كثيرة وصلت إلي حوالي 116 حالة خطف، وكانت الحوادث تتطور وتزداد بشكل ملحوظ حتي صدور قانون حكومي متشدد يقضي بعقوبات صارمة ضد الخاطفين وضد مساعديهم تصل إلي حد الإعدام. وذكر تقرير صادر عن المركز العام للدراسات التابع لحزب المؤتمر الحاكم أن عدد عمليات الاختطاف لأجانب بلغت 151 عملية احتوت علي 314 شخصا تم اختطافهم وتم الإفراج عنهم بسلام فيما بعد، هذا بخلاف حالات الاختطاف ليمنيين، وبيّن جدول إحصائي لجنسيات المخطوفين احتل فيها الفرنسيون المرتبة الأولي، 89 حالة، والألمان المرتبة الثانية 85 حالة، بريطانيا 37 حالة وأمريكا 24 حالة. وكانت أطروحات الباحثين في هذه الندوة مستفيضة حيال بروز هذه المشكلة اليمنية المتداخلة فيها عوامل كثيرة كالأمني والاقتصادي والتنموي والتعليمي والقبلي وغيرها.وذكر رئيس دائرة الدراسات السياسية في مركز الدراسات والبحوث اليمني عثمان ناصر علي أن عملية خطف الأجانب وتقييد حريتهم وتهديد حياتهم امتدت لكي تصبح تهديداً لسمعة النظام اليمني ومكانته الدولية كما أن نتائجها وتأثيراتها تبدأ فعلياً من لحظة ارتكابها والإعلان عنها ولا تنتهي بانكشافها مثل الجريمة الجنائية ، مبررا ذلك بأن صداها يظل يتردد في كل مكان ويثير الخوف في نفوس الراغبين في الاستثمار أو الزيارة للسياحة في اليمن.وأوضح أن الكثير من حوادث الاختطاف أثبتت أن عملية الاختطاف في العادة يقوم بها أفراد متمردون علي أسرهم أو قبائلهم مما يتسبب في حدوث حالة من الانقسام الداخلي في صفوف تلك الأسر أو القبائل بين مؤيدين ومعارضين لهذا الفعل، ومع التعرض لضغوط الدولة والقبائل المعترضة علي هذه الممارسات تتعرض وحدة الأسرة والقبيلة إلي شرخ كبير قد يؤدي إلي الإضرار بوحدتها وتماسكها ويقود إلي إضعافها وذلك له تأثير قوي وحساس علي سلامة المجتمع القبلي ووحدته .وأكد أن استهداف الخاطفين للسياح الأجانب يتم عادة بشكل عشوائي، حيث حدثت عمليات اختطاف خلال السنوات 1991 – 2006 في مناطق عديدة ومتفرقة بما فيها العاصمة صنعاء ولا تستهدف جنسية معينة من السياح الأجانب، بل كل من ساقتهم الأقدار علي طريق الخاطفين. مشيرا إلي أن هذا التصرف يكون باعثاً للخوف لدي جميع السياح المتواجدين في البلاد، حيث يشعر كل منهم أنه ربما يكون المخطوف التالي وينتقل الخوف ليشمل السياح الذين لم يصلوا بعد فيقوم هؤلاء بإلغاء حجوزاتهم وعدم السفر لليمن عند ورود هذه الأنباء. إلي ذلك ذكر الباحث الدكتور سمير العبدلي أن الميل القبلي في اليمن إلي اتجاهات التعصب وعدم التسامح والقبول بالآخر سواء الغربي أو بالآخر السياسي المختلف معه في الرأي أو الآخر المذهبي (الديني)، أو ضعف ثقة القبائل بنفسها وبالنظام السياسي وبعدم قدرتها علي التأثير علي مدخلات ومخرجات العملية السياسية، كلها مؤشرات تدل علي ضعف توجهات وقيم الثقافة السياسية والتي تجعل من هذه الثقافة تنحو منحي سلبياً في بعض جوانبها لدي العديد من أفراد القبائل اليمنية وبالتالي تؤدي بعض تلك الموروثات القبلية دوراً أساسيا من خلال إفرازها الدائم لمفردات تلك الثقافة وإعادة إنتاج مثل تلك الظواهر السلبية واستمرارها تحت مبرر المحافظة علي الأصالة ومنها ظاهرة الاختطافات، وظاهرة حمل السلاح، وظاهرة التقطع والثأرات القبلية. وأضاف أنه في إطار الثقافة القبلية السلبية ورفض القبائل الخضوع لشرعية الدولة في كثير من الأحيان فإن الخلاف والصدام مع الدولة أو بين قبيلتين قد يأخذ أشكالا مختلفة مثل اختطاف سائحين أو دبلوماسيين أو عمال أجانب، يعملون في مناطق اكتشافات نفطية وذلك بغرض إحراج الدولة علي المستوي الدولي لتشكيل نوع من الضغوط الخارجية لتنفيذ مطالب رجال القبائل الخاطفين والتي قد تتنوع بين حل موضوع عالق بمحتجزين أو رهائن من أفراد قبيلة ما لدي الدولة، بسبب قضايا متنوعة أو لطلب فدية مالية أو للحصول علي جزء من أرباح الثروة النفطية التي لم يستفد منها أبناء تلك المناطق المستخرج النفط منها والمحرومة من المشاريع التنموية.ويري الباحث في مركز الدراسات قادري أحمد حيدر أن غالبية الاختطافات في اليمن لم يحصل من ورائها أي أذي جسدي للمخطوفين، ولم تمارس الجماعات الخاطفة أي عمليات تدمير أو تخريب للملك الخاص أو العام بصورة مباشرة وقصدية، مع إقرارنا بأن عملية الاختطاف بحد ذاتها هي تقييد للحرية ومصادرة للحياة الحرة للناس وفيها إكراه وإرغام وقهر لإرادة المستهدفين بالاختطاف وضمن هذا المستوي يمكن إدراج ظاهرة الاختطافات الداخلية فيما بين بعض أطراف قوي المجتمع القبلي، الذي قد يكون من مولداته وأسبابه الحروب القبلية الداخلية المتكررة وظاهرة الثأر .وأكد أنه لا يخفي علي أحد أن أطرافاً في الحكم كانت تشجع وتدعم بالمال والسلاح هذه الاقتتالات القبلية، متوهمة أنها بذلك تشغل المجتمع عنها وعن أخطائها وفسادها .مشيرا إلي أن الانعكاسات السلبية للممارسة السلطوية في هذه الظاهرة تجاوزت المجتمع والسلطة معاً وأصبحت تشكل قلقاً حقيقياً للنظام في الداخل وإحراجاً قويا أمام المجتمع الدولي، لأن الاضطرابات والتوترات الداخلية تترك آثارها علي الاستقرار السياسي والاجتماعي وعلي كل مستقبل البلاد.ويري الدكتور عبد القادر علي عبده أنه لا يمكن اعتبار ظاهرة العنف والاختطاف نبتة غريبة علي المجتمع اليمني إذا ما نظر إلي مجمل الظروف الداخليّة والخارجيّة التي ازدهرت في ظلّها.موضحا أن هناك خصائص رئيسة لعمليات الاختطاف التي نفذت ضد الأجانب في اليمن، أبرزها أن عمليّات لم تنفّذها تنظيمات سياسيّة متطرّفة، تعتمد العنف وسيلةً لها (عدا حالة وحيدة تقريباً)، مع أنّ هذا النوع من التنظيمات ليس غائباً عن الساحة السياسيّة، حيث أن الاختطافات، بأغلبها، عمليّات مدعومة أو محتضنة من قبل جماعات وزعامات متفرّقة، لكنّها ترتكز علي العصبيّة القبليّة، بقيمها وثقافتها، كمصدر قوّة أساسي يدعم مطالبها.وأضاف أنه علي الرغم من أن المجموعات المنفذة لعمليّات الاختطافات غير منظّمة سياسياً، ولم يظهر التغيير السياسي الاجتماعي بمفهومه الشامل ضمن مطالباتها، إلا أنّه من الصعب التعاطي معها بعيداً عن ظاهرة العنف السياسي.وأكد أن الدولة أساساً هي المعني بتنفيذ كل ما يطرح من مطالب الخاطفين وعلاقاتها مع الدول الأجنبيّة، إضافة إلي حاجتها إلي الإيرادات السياحيّة يُستثمران دوماً كوسيلة ضغط مباشرة من قبل الخاطفين .وارجع الباحث سعيد الشدادي الأسباب لبروز ظاهرة الاختطافات للأجانب في اليمن إلي العديد من العوامل وفي مقدمتها الاختلالات الأمنية، موضحا أن حوادث الاختطافات التي تعرض لها مئات السياح الأجانب خلال العقد والنصف الماضي حدثت نتيجة لدوافع مختلفة من بينها دوافع سياسية داخلية وخارجية.وأكد أن الهدف منها خلق انطباع لدي الآخر أن اليمن بلد غير آمن وغير مستقر، وكانت تزداد تلك الحوادث في الأوقات القريبة من إقامة المهرجانات والمعارض السياحية الدولية بغرض إضعاف فرصة اليمن في الترويج لمنتجها السياحي .كما أرجعها كذلك إلي تساهل الأجهزة الأمنية والقضائية في عدم تطبيق العقوبات المنصوص عليها في القانون، تحت مبررات الحفاظ علي الوحدة الوطنية، بالإضافة إلي ظاهرة انتشار حمل السلاح في المجتمع اليمني وعدم تنظيمها وكذا غياب سلطة الدولة في مناطق الأطراف، مما شجع القبائل علي القيام بمثل هذه الحوادث، لِشَدِّ انتباه الدولة إلي تنفيذ مطالب تنموية في تلك المناطق أو من أجل مطالب شخصية وبالتالي ابتزاز الدولة مالياً.