مجلس النواب والسيارة أم الكنترول؟

حجم الخط
0

لا اعرف لماذا تبادرت إلى ذهني وأنا أتابع شأني شأن معظم العراقيين جلسة مجلس النواب لاختيار رئيس ونواب المجلس ورئيــــس الجمهورية قصةً قديمة جدا كنت قد نسيتها حصلت لي في طفولتي مع إخــــــوتي (الأكبر مني) الصغار أيضا، اسمحوا لي أن ارويها لكم عسى أن تتلمسوا أي رابط قد يكون بينهما جعلني أتذكرها بهـــذا الوضوح: بدأت قصتــنا عندما جلبـــت أمــــي عند عودتها من إحدى مراجــــعاتها الدورية للمستشفى الذي تتــــداوى فيه من مرض ألم بها، أقول جلبت عند عـــــودتها لكل منا هـــــدية بسيطة كان نصيــــبي فيها كيسا من الحلوى الصغيرة (قزنايج) فأنا اصغر إخوتي بينما جلبت لأخي الكبير (سالم) ذي التسعة أعوام، لعبة جديدة هي عبارة عن سيارة تتحرك عن بعد (بالريموت) وكان نصيب أخي (عماد) ذي الثماني سنوات علبة مكعبات بلاستيكية يمكنه جمعها لتكون أشكالا كثيرة، أما بقية إخوتي الأصغر منهم فحصل كل منهم على كيس حلوى (جكليت أو حامض حلو) أو علبة حلقوم.طلبت أمي منا أن نتشارك في ما جلبته لنا، فنعطي أخوينا الأكبر (جكليت وحلقوم وقزنايج) مقابل أن يشركونا في لعبهم التي حصلوا عليها، وبالفعل حصل الاتفاق بيننا على تقاسم ما حصلنا عليه.المشكلة الكبيرة التي واجهتنا وواجهت أمنا المريضة التي لا تريد لنا التباغض هي أن أعيننا كلنا كانت متجهة صوب السيارة ذات الريموت، كلنا نريدها وكلنا على استعداد لترك هدايانا مقابل ترك السيارة في عهدتنا، وبالمقابل ازداد إصرار أخينا الأكبر (سالم) على رأيه في أن السيارة كانت له، وهو سيشركنا باللعب بها لكن حسب رأيه ورؤيته، كان عذره أن اللعبة له فهي نصيبه وبالتالي ونزولا عند رغبة أمنا سيشاركنا لعبته لكن وفق شروطه.هذا الأمر لم يرق لـ(عماد) أخونا التالي في الترتيب بعد الأكبر، كان يريد أن تكون اللعبة في عهدته، أن يكون هو راعيها، لم يرض أبدا بحصته ولطالما قال أن أمنا قد اشترت السيارة له لكن (سالم) أخذها في غفلة عين عندما كانت الأم ترتاح من عناء السفر وتأثير الدواء.بدأ (عماد) يجمعنا حوله ووعد كل منا بأن تكون له حصــــة في الســـيارة (اللعبة) لا بل انه وعد قسما منا أن يُبقـــــي الريموت عنده وسيـــجعلنا نلعب بها دون شروط، تجمّعنا حوله وبدأنا نطالب أن تكون اللعبة عند (عماد)، اقترح قسم منا أن نعطي (سالم) علبة المكــــعبات فيعطي عمــــاد السيارة، وبقي (سالم) على موقـــــفه الرافــــض في أن ينتزع ما هــــو له ليعــــطى لغــــيره، أليس هو الأكبر، أغدق بعضنا عليه بالحـــلقوم والحامض حلو في محاولة تليــين موقفه فواجهنا بأحقيــــته في لعبته وعرض علينا مشاركته ضمن شروطه.صار موقف (سالم) ضعيفا بعد أن اجتمعت أصواتنا مطالبة بتسليم السيارة أم الكنترول لـ (عماد)، ما زاد في ضعف هذا الموقف هو وقوف معظم جيراننا الذين قد يتواجد بعضهم في بيتنا أثناء تزاحمنا وتسابقنا لنيل السيارة فتكون آراؤهم مساندةً لموقف عماد) تاركينا نحن الصغار في حيرة من موقفهم هذا غير المفهوم لنا في حينها.استقر الرأي أخيراً أن تعطى السيارة لـ (عماد) واقنعوا (سالم) بأن يعوّض بلعبة أخرى إضافة لعلبة المكعبات التي سيشكل منها كل ما يريد، صنع له خالي (حليم) طائرة ورقية ملونة أقنعه بتميزها وبقدرتها على الطيران مما يجعلها تفرض سيطرتها على السيارة وعلى كل من يلعب فيها ويعطيها أفضلية كبيرة على السيارة التي لا تستطيع ترك الأرض.اقتنع (سالم) على مضض ووافق على أن تكون السيارة أم الكنترول بعهدة (عماد) على أن يشترك الجميع في اللعب بها، بينما يعطى هو المكعبات والطائرة الورقية التي كنا نراها جميلة إلا أننا جميعا نعلم أنها ورقية لن تصمد كثيرا وستمزقها الرياح، وحتى إن قاومت الرياح فلا بد أنها ستبلى وتهترئ مع أول نقطة مطر تنزل.استلم (عماد) سيارة الكنترول وبدأنا اللعب وعيون (سالم) ترمقنا وتراقبنا، المشكلة التي واجهتنا منذ أول لحظة بدأنا اللعب بها هي اعتراض (سالم) بين حين وآخر بسبب ذهابنا باللعبة إلى مناطق ليست نظيفة أو عدم صعود طائرته الورقية بعيدا مما يعني خداعه بمميزاتها أو محتجا على مسك ريموت سيارتنا من قبل احد أبناء جيراننا في لحظة تعب أو لعب.وهكذا كانت لعبتنا في خطر دائم، ولطالما وصل الخلاف حد تحطيم اللعبة وتكسيرها، فلا نحن تركنا له سيارته التي لم يستطع هو إقناعنا بمشاركته في اللعب بها، ولا هو اقتنع بما صار واقعا بعد الاتفاق عليه ووافق هو به وإن على مضض. انتهت قصتنا التي كانت قد شارفت على عبور حافة النسيان لولا جلسة مجلس النواب التي جعلتها تطفو فوق أمواج ذاكرتي لتعيدني إلى ذكريات رست بعيدا في أعماقها حتى لكأنها لم تكن.عبدالرحمن هويش – العراقqmn

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية