إن سقوط الموصل، وهي ثاني أكبر مدينة وأهمها في العراق، في أيدي اعضاء المنظمة الارهابية الاسلامية «داعش» لم يفاجيء أحدا. فقبل سنة استقر رأي أبو بكر البغدادي، قائد المنظمة، على استغلال الحدود المخروقة بين سوريا والعراق لينقل ساحة المواجهات العسكرية الى هناك. وقد حاول الاكراد أن يحذروا، وأرسل حاكم المحافظة انذارات الى مكتب رئيس الوزراء في بغداد بل نقلت رسالة مشفرة عاجلة في ذلك الشأن. جاء فيها: «يجب الاستعداد لمواجهة خطط الشيخ غير المرئي. أوصي بزعزعة قادة الجيش كي يستعدوا للهجوم الكبير». لكن شيئا لم يساعد فكانت الهزيمة محتومة.
يُعرف القليل جدا عن البغدادي إبن الـ 42 واسمه الحقيقي عواد البدري. بعد أن أنهى رسالة الدكتوراة في الفقه الاسلامي من جامعة بغداد انضم الى معسكرات تدريب الارهاب التابعة للزرقاوي في العراق، ووحد قواته مع قوات القاعدة وطُرح في 2005 في السجن الامريكي بوقة في العراق والتقى هناك لاول مرة مع من اصبح «رئيس خلايا تصفيته» شقير الوهابي. وهو ايضا بالمناسبة حامل لقب دكتوراة في التربية.
حينما أُفرج عن الاثنين بعد اربع سنوات ودعا السجانين الامريكيين في ود متكلف. وقال البغدادي في التزام: «الى اللقاء في نيويورك» وأضاف الوهابي: «إنتظروا، سآتي لزيارتكم». ومنذ ذلك الحين أصبحا من ألد أعداء الولايات المتحدة، وداعش هي المنظمة الارهابية الاولى في العالم قبل القاعدة، وقد خصصت الادارة في واشنطن جائزة ابتدائية تبلغ 10 ملايين دولار لمن يأتي بمعلومة تفضي الى اعتقال البغدادي وجائزة مضاعفة لمن يقطع عنق «إبن لادن الجديد». لكنه ما زال ينجح في الهرب متقنعا بأغطية رأس، مجددا الفحص عن حراسه الملاصقين ويخشى دائما أن يكون مستهدفا للتصفية. فلم يظهر وجهه سوى مرة واحدة في صورتين نشرتا فورا بين وكالات الاستخبارات والشبكات الاجتماعية.
والامريكيون مستعدون لأن يدفعوا عن رأس شريكه في الارهاب الوهابي خمسة ملايين دولار فقط، لكن المهمة هنا أسهل في ظاهر الامر. لأن هذا «المصفي» يهتم بأن تنشر صوره لغرض الردع. ويمكن أن تجد في الشبكة غير قليل من الافلام القصيرة والصور التي يُرى فيها وهو يقطع الرؤوس أو يأمر الارهابيين تحت إمرته بحمل الجثث في شاحنات. ونراه في أحد الافلام القصيرة يحقق مع خمسة سائقي شاحنات اعتقلوا في الموصل المحتلة ويفحص هل هم مسلمون، أوسنيون هم أم من الطائفة العلوية؟ ويتوسل السائقون كي يدعهم أحياءً ويبينون أنهم لا يحاولون سوى كسب الرزق، بيد أن كل ذلك لا يساعد، فيقول الوهابي: «أنتم أعداء الاسلام الحقيقي»، ويطلق النار عليهم فيقتلهم واحدا بعد آخر في خلال الحديث.
طريق دامٍ
إن البغدادي بخلاف خصومه في القاعدة لا يؤمن بالاشرطة المسجلة وبالرسائل الى المقاتلين في الميدان. وهو يدع تجنيد المجاهدين للمتطوعين الشباب في «قسم التوجيه» عن طريق الشبكات الاجتماعية كما يناسب منظمة ارهاب في القرن الواحد والعشرين. ويجد الشباب الذين يأسرهم قلة ظهوره وسلوكه الغامض السبل للتسلل الى معسكرات التدريب بالاشارات الخفية في تغريدات تويتر. ويأتون الى الميدان من مراكز تجنيد سرية في مساجد في أنحاء بريطانيا واسبانيا والمغرب والاحياء الفقيرة في باريس والاردن وامريكا اللاتينية بل من السعودية. ويكفي أن نستمع للتحذيرات التي تصدر عن وزراء وجهات امنية في تلك الدول تدعو «عديمي المسؤولية» الى انتهاز الفرص والى «العودة الى البيت كي لا يعودوا في توابيت آخر الامر»، كي نفهم مقدار زخم هذه الظاهرة.
بيد أن هذه التحذيرات لم تُجد. والذي يُستوعب في أحد معسكرات تدريبات داعش على طول الحدود بين سوريا والعراق لا يتركه. فهنا يحصلون على أجرة وعلى وجبات منظمة ودروس فقه وعلى وقت فراغ للصلوات الخمس اليومية وعلى دورات تعليمية لاستعمال السلاح والقيام بكمائن وغسل دماغ باسلوب «إعرف العدو». وقد بدأت داعش مسيرتها قبل ثلاث سنوات بسبعة آلاف متطوعا ونجحت اليوم بحسب تقديرات الاستخبارات الغربية في مضاعفة العدد بل زاد على ذلك. إن عددا منهم ضباط وجنود من الجيش العراقي الذي حُل في 2003 بأمر «المفوض الامريكي الاعلى» في بغداد بول بريمر.
وقد جاء اولئك الذين رُموا من الجيش النظامي دون أن يجدوا لهم عملا بديلا ومصدر عيش، الى العصابة المسلحة الجديدة لتصفية الحساب. ويرى البغدادي أن الضباط والجنود العراقيين الغاضبين هم كنز استراتيجي وهم أفضل المرشدين في ساحة القتال وهم كنز استخباري. وهكذا سقطت الموصل دون مقاومة بل تخلى مئات الضباط والجنود ببساطة عن المواقع العسكرية وتركوا مخازن السلاح. وهكذا نجحوا في الاستيلاء ايضا على منطقة سامراء في الشمال، وسدوا تكريت وبعقوبة وهم يصرون على اخضاع منشآت تصفية النفط الكبرى في الدولة.
إن من يحاول أن يبحث في هذه المرحلة عن نشوء منظمة داعش وتفرعاتها يجد أبوابا مغلقة. فالبغدادي يحرص على السرية، وكبار قادة المنظمة يستعملون اسماءً شيفرية، والصلة بين فروع المنظمة من أكثر الاسرار سرية وكذلك ايضا طرق التجنيد في المواقع الاجتماعية. بل لا توجد مصادقة حتى للصور التي تثير القشعريرة للتصفيات الجماعية، وليس واضحا متى وثقت الاعدامات وفي أية ظروف.
وما هو هدف البغدادي؟ وما هي «الخطة الكبرى» للمنظمة الارهابية الاسلامية؟ يشير الخبراء الى ثلاثة احتمالات طموحة كل واحدة أكثر من الاخرى. إن الخطة الكبرى هي انشاء «دولة الشريعة الاسلامية الصحيحة» التي تشمل العراق وسوريا ولبنان والاردن والقدس والسعودية، وفي الخطة «المتوسطة» يكتفي اعضاء المنظمة بالاستيلاء على حقول النفط العراقي، وبالتشويش على سوق النفط العالمية وبالربط بين سوريا والعراق عن طريق الحدود المفتوحة، واذا لم تنفذ هاتان الخطتان فانهم هناك مستعدون للاكتفاء ايضا بتصفية حسابات مع آيات الله الشيعة من ايران، وبتقسيم العراق الى ثلاث دول مستقلة: بغداد والجنوب، والوسط السني والمدينتان المقدستان النجف وكربلاء والشمال الكردي الذي يمتد حتى الحدود مع سوريا وتركيا.
إن الطريق الى هناك دام مشحون بالمعارك القاسية والاعدامات الجماعية. وقد نجحت الصور التي رفعها المجاهدون من داعش الى الشبكة هذا الاسبوع في زعزعة الامين العام للامم المتحدة بان كي مون ايضا وصرفت الانتباه عن المذبحة في سوريا. إن «الذراع العسكرية» لخلايا التصفية توقف ضباطا وجنودا ومواطنين في صفوف طويلة لـ «امتحان في القرآن». والذي لا ينجح في اظهار المهارة في تلاوة السور الطويلة ينال رصاصة بين عينيه. ولا يوجد عدد دقيق للضحايا بل توجد فقط صور تتحدث من تلقاء نفسها. وقد وردت التقارير هذا الاسبوع عن 1700 قتلوا وهم مقيدوا الايدي في محافظة نينوى، وعن 200 ضابط وجندي في شمال غرب العراق على طول الحدود مع سوريا. «سيموت الشيعة الانجاس مئات»، كتبوا في سطر صاحب الفيلم القصير الذي وثق عملية القتل.
في ذلك اليوم جمع رئيس وزراء العراق نوري المالكي مؤتمرا صحافيا في بغداد «من اجل الوحدة». وقد حث سكان الدولة على «حمل السلاح والقتال»، وحذر قائلا «سنغرق في انهار دم». وقد وقف الى جانب المالكي الشيعي رجل دين مسلم سني وسياسي كردي في محاولة لاظهار الوحدة واعلان أنه لا توجد حرب اهلية لكن «سلوك عنيف لعصابات قتل تحاول السيطرة على العراق». واتهم المالكي السعودية ايضا بكلمات شديدة.
يدعو نشيبران البرزاني، رئيس حكومة كردستان الى عزل المالكي خاصة. ومنذ سقطت الموصل هرب 800 ألف مواطن عراقي الى كردستان وينضم اليهم في كل يوم عشرات المقتلعين الجدد. «لا اؤمن أن العراق تستطيع البقاء موحدة ما بقي المالكي يتصرف بحسب الاملاء الايراني»، قال رئيس حكومة الحكم الذاتي الكردي. «يجب على الولايات المتحدة التي دعمته أن تعزله».
وفي خلال ذلك أخذ الارهاب ينتشر من العراق وسوريا وظهرت علامات قلق عميقة على جبين رئيس وزراء بريطانيا دافيد كامرون الذي تلقى معلومات استخبارية مقلقة جدا. فقد وجد في تغريدات تويتر أنه طُلب الى 400 من «مقاتلي الله» غادروا بريطانيا في السنتين ونصف الاخير وغابوا في معسكرات التدريب في باكستان وسوريا والعراق «عودوا الى القاعدة الأم لأنه يوجد عمل». وعلى حسب ما تقول وكالة الاستخبارات البريطانية قتل عشرون من الغائبين فقط أما الباقون فقد يغرقون المساجد في بريطانيا ويُعدون لعملية ضخمة على «الكفار».
في موازاة جهود بحث الاذرع الاستخبارية في الدول الغربية، عادوا في السعودية والاردن وحذروا قائلين: «نحن متأهبون ومستعدون لكل حدث». وخرج عبد الله ملك الاردن ليعلن أول أمس قوله: «أهم شيء الحفاظ على وحدة العراق»، وأعلن في الوقت نفسه أن «من يحاول أن يلعب باستقرار الاردن سيُرد عليه ردا شديدا». ويقولون الآن في عمان إنه لا توجد موجة لاجئين جديدة ولا محاولات تسلل، والاجهزة متأهبة. بيد أن الشر قد يأتي من الشمال أو من الشرق في كل لحظة.
خيانة العم الامريكي
إن الأسرة المالكة السعودية هي التي تُظهر علامات عصبية متقدمة. فقد تأكد قادة الاجهزة هذا الاسبوع من أن منظمة داعش برغم التمويل والحوافز من قبلهم قد استقلت وانقلبت على المملكة.
تكشف الـ 162 شريط حاسوب التي ضبطت عند أبو هاجر، رئيس «المجلس العسكري» لداعش، تكشف عن عمق الصلة السعودية. فقد كان كل شيء هناك بأدق التفصيلات: الاصابع الطويلة لقيادة الاجهزة الامنية في الرياض، وخطط العمليات، والسلاح والمعدات العسكرية، ومحافظ المال التي سحبت في قصر الملك عبد الله دون أن تطرف عين. وبحسب المعلومات التي توثق نشوء المنظمة السري واتساعها السريع، بدأت منظمة داعش تعمل في مناطق سوريا وليبيا قبل ثلاث سنوات مع ميزانية بلغت 875 مليون دولار. وتضاعفت الملايين وزادت على ذلك على أثر الاستيلاء على منشآت النفط والتهريبات والاستيلاء على المصارف في المدن التي احتلت في العراق.
ومن المثير للاهتمام أن نتبين أن أميرين سعوديين عُزلا في لحظة بأمر ملكي تعسفي ليحل محلهما أميران آخران يثق الملك عبد الله بهما وهما مطلعان على أسراره الخفية. الاول مُقرن بن عبد العزيز وقد عُين وزيرا للداخلية، والثاني محمد بن نايف الذي يبدو أنه ملك السعودية القادم، وقد رُفع مباشرة الى منصب رئيس الاجهزة الاستخبارية في المملكة.
وقد أرسلا ليدعما داعش سرا وللانفاق عليها واستخدامها وهي التي كان يفترض بحسب خطة الأسرة المالكة الاصلية أن تسقط نظام بشار الاسد. وقد أصبح السعوديون اليوم مستعدين للاعتراف بأنهم تعلموا بأصعب طريقة أنه لا يمكن الاعتماد على براك اوباما ليقوم بالعمل مكانهم. وقد تابعوا في غضب كبير الغرام بين واشنطن وطهران وخلصوا الى استنتاج أنهم اذا لم يدخلوا هم أنفسهم وسريعا الى ساحة المواجهة العسكرية في سوريا دون ترك بصمات فستزحف ايران الى الاماكن المقدسة في مكة والمدينة وتستخدم خلايا ارهابية نائمة في الامارات المجاورة وتنقض نظام الحكم عندهم.
وهكذا أخذت الأسرة المالكة السعودية تدعم داعش بالمال منذ سنة 2010 وكانت مشاركة في التخطيط لعمليات ارهاب على ضباط وموظفين كبار في سوريا في أقرب حلقة من بشار. ولم يكف الرئيس السوري نفسه عن الشكوى من «المؤامرة الكبيرة»، وأرسل قوات عسكرية وطائرات لترمي براميل متفجرات من الجو ولتهاجم «الارهابيين الذين تسللوا الى سوريا». وأفضى بشار بعمله القاسي الموجه على عصابات الارهاب الى موت عشرات آلاف المواطنين الابرياء من النساء والاولاد واختبأ وراء اتهام «الدولة الاجنبية». ويتضح الآن فقط أن المعلومات عن اليد الطويلة التي استعملتها السعودية زادت في عمق القطيعة بين الرياض وواشنطن. إن الرئيس اوباما «قفز» في الحقيقة لمصالحة خاطفة غير ناجحة مع الملك، لكن من الواضح للطرفين أن جدول اعمال اوباما انتقل من الرياض الى طهران، وقد اصبحت الادارة على يقين من أنها قادرة على تسوية امورها دون حلفائها القدماء ودون النفط السعودي.
بيد أن كل ذلك لا يهم سكان العراق الذين تخلصوا قبل عقد من صدام حسين ويضطرون الآن الى مواجهة طاغية فاسد ومنظمة ارهاب أخذت تقترب من عاصمتهم مع عصابات تصفيتها المسلحة. «إن التقارير الصحافية التي تقول إن بغداد توشك أن تقع في أيدي الارهابيين غير صحيحة»، تبين صديقتي الدكتورة نهى التي تسكن منطقة محروسة في حي فخم في العاصمة. وقد وزعت هي وزوجها الذي يدير مكتبا ناجحا للتصدير والاستيراد، وزعا أبناءهما الثلاثة قبل سنة في لبنان والاردن. «والآن تتشكل قوة عسكرية جديدة من متطوعي السلطة ترمي الى أن تحل محل عشرات آلاف المنشقين الذين تركوا المواقع العسكرية في الموصل وتكريت والمحافظات التي سقطت في يد داعش. لكن ذلك لا يعني أننا غير قلقين.
«نحن نجمع الطعام ونتابع الانباء وتفحص الآذان والعيون عن حركات مريبة لغرباء يحاولون التسلل الى بغداد. كنا نريد أن نرى تدخلا امريكيا أكبر».
ما رأيك في السلطة الحالية؟
«يمكن بيقين أن نقول بصراحة إن المالكي ليس كأس الشاي لي ولزوجي. فبرغم أننا من الطائفة الشيعية كنا نريد أن نرى في العراق زعيما مستقلا لا عميلا لطهران والامريكيين. ومن المؤكد أن هذا الارتباط مغضب وكذلك الاتفاقات التي تجري على حسابنا على بعد آلاف الكيلومترات».
أمس أعلن حاكم محافظة نينوى أنه في اثناء الاستيلاء على مدينة الموصل استولى رجال داعش على المصارف وفتحوا خزائن مال وحصلوا على 425 مليون دولار اخرى نقدا وذهبا. فاذا أضيف هذا المبلغ اصبح الحديث الآن عن أغنى منظمة ارهاب في العالم، ونقول من اجل المقارنة إن ميزانية حزب الله السنوية تقف على 200 مليون دولار، وتعمل طالبان بميزانية 70 مليون دولار، وتكتفي القاعدة بـ 30 مليونا فقط.
في منتصف الاسبوع بعد «حيرة» و»فحص عميق عن الوضع»، استقر رأي اوباما على أن يرسل الى العراق 275 جنديا من المارينز لزيادة حراسة السفارة الامريكية الضخمة في «المنطقة الخضراء»، والبدء بتدريب جنود جيش متطوعي النظام. «ما زلنا نفكر في جميع الخيارات»، يعد متحدثو الادارة، ولم يبق للسكان سوى أن يأملوا ألا يتخذوا القرارات هناك متأخرة لحظة واحدة. لو كان الامر متعلقا بالبغدادي لما استراح ولما هدأ حتى ينفذ خطته الكبرى حتى لو اضطر الى أن يضحي بحياة آلاف من المعسكرين.
سمدار بيري
يديعوت 20/6/2014
صحف عبرية
THE COLONIZERS MUST TO LEAVE THE ARABS ISLAMIC COSMO …..THIS IS THE RIGHT THING FOR ALL ……..CAN WE HAVE IT ?………..AL NASHASHIBI