جوائز أمريكية على رؤوس قادة «الكردستاني»: شو القصة؟

حجم الخط
1

بدا قرار وزارة العدل الأمريكية بوضع جوائز، بلغ مجموعها خمسة عشر مليون دولار، لمن يدلي بمعلومات تسهل إلقاء القبض على ثلاثة من قادة حزب العمال الكردستاني، أو القضاء عليهم، مثل عاصفة مفاجئة في سماء صافية. ذلك أنه لم يحدث نشاط عسكري جديد للحزب يستوجب صدور قرار من هذا النوع، إضافة إلى أن الحزب لا يشكل، أصلاً، أي تهديد للأمن القومي الأمريكي، مما قد يشكل حافزاً يبرر القرار. هذا إضافة إلى تحالف واشنطن، في سوريا، مع الفرع السوري للعمال الكردستاني ممثلاً بوحدات حماية الشعب ـ العمود الفقري لقوات سوريا الديموقراطية، وإن كانت تبرر ذلك، أمام الأتراك، بالفصل بين الأصل والفرع.
فما الذي حدث حتى تتعامل إدارة دونالد ترامب بكل هذا السخاء مع تركيا، بعدما كانت العلاقات بين البلدين قد وصلت إلى حد من التوتر، قبل أشهر، شن فيها الأمريكيون حرباً نقدية وتجارية ضد أنقرة، بسبب أزمة القس برونسون. وهل كان إطلاق سراح المذكور كافياً لتنقلب واشنطن على نفسها في العلاقة مع تركيا؟ ذلك أنه سبق صدور القرار بشأن الجوائز، تصعيد عسكري تركي مفاجئ ضد مواقع لقوات حماية الشعب قرب كوباني، ولم يصدر عن واشنطن رد فعل بحجم التصعيد. أضف إلى ذلك إعفاء تركيا، بين دول قليلة أخرى، من تطبيق حزمة العقوبات الجديدة ضد إيران.
وهل انتهى فصل الخلافات التركية ـ الأمريكية حقاً، وعادت العلاقات بين البلدين إلى سكتها السليمة كحليفين في حلف الناتو، بل كشريكين استراتيجيين حسب وصف الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما قبل سنوات؟
الواقع أن ردود الفعل التركية على قرار الجوائز كانت فاترة، وتركت لناطقين رسميين بدلاً من وزير الخارجية شاويش أوغلو أو رئيس الجمهورية أردوغان. وهذا بحد ذاته مؤشر إلى أن الأخير يشعر بأنه في موقف قوي إزاء الولايات المتحدة، ليكون بوسعه التعاطي مع الهدية الأمريكية بهذا الفتور.
للبحث عن مصدر هذا الشعور التركي بالقوة، والتنازلات أو الإغراءات الأمريكية المقدمة لتركيا، لا بد من العودة إلى موضوع جريمة قتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده في إسطنبول، مطلع الشهر الماضي. فربما في هذا الموضوع يكمن ما لا نعرفه مما يدور في كواليس السياسة العالمية من ضغوط وعروض وصفقات.

ردود الفعل التركية على قرار الجوائز كانت فاترة، وتركت لناطقين رسميين بدلاً من وزير الخارجية شاويش أوغلو أو رئيس الجمهورية أردوغان. وهذا بحد ذاته مؤشر إلى أن الأخير يشعر بأنه في موقف قوي إزاء أمريكا

فقد لاحظنا أن اهتمام الرأي العام بجريمة القنصلية قد أخذ بالانحسار، بالقياس إلى الزخم الكبير الذي حظي به طوال الشهر الماضي، وكان يبشر بنتائج قد تشكل منعطفاً إيجابياً في موضوع الإفلات من العقاب الذي تمتعت به الدكتاتوريات المتوحشة في منطقتنا. فهل وصل أصحاب القرار إلى غاياتهم السياسية فدفعوا بموضوع العدالة جانباً ليجنوا مكاسبهم؟
جريمة القنصلية لا يمكن أن تغلق ما لم تظهر الجثة، وما لم تكشف آلية اتخاذ القرار التي أدت إلى ارتكابها. السعودية التي بدأت بإنكار وقوع الجريمة من أساسها، اعترفت بمقتل خاشقجي، لاحقاً، زاعمة أنه حصل خطأً بنتيجة مشاجرة، لتنتهي إلى الاعتراف بأنه قتل عمداً. لكن الرواية السعودية، حتى في طبعتها الأخيرة هذه، ظلت معيبة بالثغرتين المذكورتين أعلاه. فإذا كانت قد حددت المسؤولين عن ارتكاب الجريمة (18 شخصاً) وألقت القبض عليهم، فهل يعقل أنهم لم يعترفوا إلى الآن بمكان الجثة؟ الجواب واضح وهو أن الرجل «قتل خنقاً وتم تقطيع جثته» كما صرح المدعي العام التركي المكلف بالتحقيق في القضية. فالكشف عن مكان الجثة المقطّعة بالمنشار سيعيد إشعال نار ردود فعل الرأي العام من جديد، بعدما بدأت عملية إغراق القضية في النسيان. أما الثغرة الثانية التي لا بد من سدها لكي تتم لفلفة الموضوع وقطع تداعياته السياسية الكبيرة، فهي تلك المتعلقة بالكشف عمن قرر تصفية خاشقجي وأمر بالتنفيذ. وقد ألمح أردوغان في تناوله للموضوع إلى «صدور الأمر من أعلى المستويات». بوضوح أكثر يمكن القول إن كواليس السياسة والضغوط والعروض والصفقات تدور تحديداً حول المستقبل السياسي لولي العهد محمد بن سلمان الذي تجمع التخمينات على مسؤوليته المباشرة عن جريمة القنصلية. من المحتمل أن القيادة السعودية تخوض مفاوضات شاقة مع الأمريكيين والأتراك حول هذا الموضوع بهدف تبرئة ولي العهد وإلقاء المسؤولية على قسم من فريق الـ(18) أو كله، مع إيجاد مخرج ملائم قابل للإقناع لموضوع الجثة.
في هذا البازار يظهر أردوغان بوصفه الفاعل الأقوى الذي يملك في يده مصير ولي العهد بالذات. كانت التوقعات الأولية منصبة على أن تركيا قد تستخدم قضية خاشقجي لابتزاز السعوديين، ولكن يبدو أنها قررت استخدامها لابتزاز إدارة ترامب المتمسكة بولي العهد، تمسكاً يبدو أنه فاق كل التخمينات. إذا صح هذا التفسير لتنازلات واشنطن المفاجئة أمام أنقرة، أي بربطها بقضية خاشقجي وتداعياتها السياسية المحتملة، فعلينا أن نتوقع مزيداً من المفاجآت الأمريكية في تقديم المزيد من الحوافز لتركيا.

كاتب سوري

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول بولنوار قويدر-الجزائر:

    السلام عليكم
    تعليق اليوم غير مالوف لدي ولكن الضرورة دفعت لذلك…
    يا “ترامب” إعتبرني”مراد قره يلان” وإعطيني (5مليون دولار) من أجل أنأمنحها لسكان غزة من المرضى والذين يعانون من ظلم إسرائيل والكيان العربي …ثمّ إذبحوني إشنقوني قطعوني كما قطع “جمال”وذوبوني كما ذاب “جمال” بالأسيد المهم أن ينتفع من بعدي مظلومين…وإذا أردت يا “ترامب” أن تعتبرني”جميل بايق” فأنا أقبل من أجل (4مليون دولار) وزد عليهما المسمى”دوران قالقان “ب(3مليون دولار) لتظاف إلى رصيد الغزنويين لتصبح (12مليون دولار) بشرط واحد ووحيد أن لا أكون من فريق المنشار ال18
    ولله في خلقه شؤون
    وسبحان الله

إشترك في قائمتنا البريدية