لماذا تتصدر تركيا دول العالم المعارضة للعقوبات الأمريكية على إيران؟

إسماعيل جمال
حجم الخط
0

إسطنبول – «القدس العربي»: تتصدر تركيا دول العالم المعارضة للعقوبات الأمريكية الجديدة على إيران، لا سيما فيما يتعلق بمنع طهران من تصدير الطاقة، وذلك لأسباب متعددة أبرزها اعتماد تركيا على إيران بشكل أساسي في سد احتياجاتها الضخمة من النفط والغاز الطبيعي.
وعلى الرغم من أن تركيا كانت أبرز الدول الثمانية التي حصلت على استثناء أمريكي يسمح لها بالاستمرار في استيراد النفط والغاز من إيران لفترة معينة، إلا أن أنقرة أكدت أنها لن تلتزم بهذه العقوبات على الإطلاق حتى عقب انتهاء فترة الاستثناء الأمريكي.
الرئيس التركي رجب طيب أردوغان شدد، الثلاثاء، على أن بلاده «لن تلتزم قطعاً» بالعقوبات الأمريكية على إيران حتى بعد انقضاء فترة الاستثناء الأمريكي، ولفت أردوغان إلى أن بلاده «ترفض العقوبات لا سيما المتعلقة بأمور النفط الذي لا غنى عنه»، ومشيراً إلى أن بلاده تستورد الغاز من إيران ولا يمكنها ترك مواطنيها عرضة للتجمد في برد الشتاء امتثالاً للعقوبات.
وبعد ستة أشهر على إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب سحب بلاده من الاتفاق النووي مع إيران، أعاد فرض الدفعة الثانية من العقوبات، الإثنين، على إيران مستهدفاً قطاعيها النفطي والمالي، ليستكمل بذلك فرض جميع العقوبات التي رفعت عن الجمهورية الإسلامية بعد توقيع الاتفاق عام 2015.
وكشف وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو عن قائمة من ثمانية بلدان يسمح لها بمواصلة استيراد النفط الإيراني لمدة ستة أشهر إضافية على الأقل وهي الصين والهند وتركيا (المستورد الأول للنفط الإيراني مع الاتحاد الأوروبي) واليابان وكوريا الجنوبية وتايوان وإيطاليا واليونان.
هذا الرفض التركي «القطعي» للالتزام بالعقوبات الأمريكية على إيران ينبع من مدى اعتماد تركيا الفقيرة بمصادر الطاقة على إيران بشكل أساسي في استيراد النفط والغاز الطبيعي من إيران وبأسعار نقل أقل من غيرها لقربها، وذلك على الرغم من المتاعب السياسية والاقتصادية التي يمكن أن يسببها لها هذا الموقف. وعلى صعيد النفط ومشتاقته، وبحسب تقرير الدولة الرسمي حول واردات النفط التركية لعام 2017 الذي اطلعت عليه «القدس العربي»، فإن إيران تتصدر قائمة الدول التي تستورد منها تركيا النفط ومشتقاته المختلفة وبفارق كبير عن الدول الأخرى.
ويظهر التقرير أن تركيا استوردت من إيران عام 2017 ما مجمله 11.5 مليار طن من المشتقات النفطية، وهو ما يعادل 27٪ من إجمالي ما استوردته تركيا العام الماضي، بينما حلت روسيا في المرتبة الثانية بنسبة 18٪، والعراق في المرتبة الثالثة بنسبة 16.5٪، وحلت الهند رابعة بـ8٪ والسعودية خامسة بـ5٪، كما تستورد كميات أقل من الكويت واليونان وبلغاريا وإسرائيل وإيطاليا.
وفيما يتعلق بالغاز الطبيعي، وحسب تقارير الدولة الرسمية لعام 2017 التي اطلعت عليها «القدس العربي»، فإن تركيا تعتمد بالدرجة الأولى في تأمين احتياجاتها الهائلة من الغاز على روسيا بالدرجة الأولى بنسبة تصل إلى 52٪، بينما تحل إيران بالدرجة الثانية مباشرة بنسبة تصل إلى 17٪، حيث استوردت أنقرة من طهران في عام 2017 قرابة 10 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي، فيما تؤمن ما نسبته 12٪ من احتياجاتها من أذربيجان، و 8٪ من الجزائر، و2.5٪ من نيجيريا.
وبشكل عام، تعتبر تركيا واحدة من أكثر الدول المستوردة للطاقة في العالم لافتقارها للموارد الطبيعية وضخامة استهلاكها، ويعتبر استيراد البترول والنفط من الخارج عامل الاستنزاف الأكبر لخزينة الدولة، وهو ما دفع أنقرة لتعزيز مساعيها للبحث عن الموارد الطبيعية في شرق البحر المتوسط رغم مخاطر أن يؤدي ذلك إلى صدام مع اليونان، إلى جانب بدئها العمل على إنشاء أكثر من محطة نووية لتوليد الطاقة الكهربائية للتقليل من اعتمادها على الخارج، بالتوازي مع مساعيها لتعزيز اعتمادها على الطاقة النظيفة.
وحسب الأرقام السابقة، فإن إيران تعتبر المزود الأول للبترول والثاني للغاز الطبيعي إلى تركيا، وهو ما يجعل من إمكانية تخلي تركيا عن النفط والغاز الإيراني عملية شبه مستحيلة، ويمكن أن تؤدي إلى نقص حاد جداً في السوق التركية، لا سيما مع دخول فصل الشتاء واعتماد الأتراك على الغاز الإيراني في تغذية شبكات التدفئة.
إلى جانب ذلك، لا يبدو من السهل بحث تركيا عن بدائل للغاز والنفط والإيراني فالكمية المطلوبة كبيرة. فيما يمكن لروسيا وإيران سد جزء من الاحتياجات التركية من الغاز، لا يعرف كيف يمكن لأنقرة تأمين الـ27٪ من البترول الذي تستورده من إيران من مكان آخر دون الحاجة لمد خطوط نقل جديدة، وهو ما يحتاج لسنوات من التخطيط والتجهيز.
بالإضافة إلى ذلك، تعتبر أسعار النفط والغاز الإيراني من الأفضل لتركيا في المنطقة لقربها وقصر مسافة النقل بين البلدين، لا سيما وأن ذلك يأتي في الوقت الذي خسرت فيه العملة التركية قرابة 40٪ من قيمتها ما رفع فاتورة واردات الطاقة بشكل هائل على الحكومة التركية، كونها تستوردها بالعملات الأجنبية، وبالتالي فإن الاقتصاد التركي لم يعد يحتمل أي ارتفاع جديد في تكاليف فاتورة واردات الطاقة مع وصول نسبة التضخم في البلاد إلى قرابة 30٪.
وتعتبر فاتورة واردات الطاقة الأضخم في الواردات التركية التي ارتفعت قيمتها بشكل كبير، ما تسبب في اتساع الخلل في الميزان التجاري للبلاد، حيث وصلت فاتورة الطاقة عام 2017 إلى قرابة 37 مليار دولار من إجمالي الواردات الذي بلغ 233 مليار دولار.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية