غزة – «القدس العربي»: الترقب والحذر الشديدين هما سيدا الموقف في قطاع غزة، في ظل اتساع حجم الحملة العسكرية الإسرائيلية في الضفة الغربية، لإعادة ثلاثة شبان من المستوطنين خطفوا الخميس قبل الماضي، بالقرب من أحد المستوطنات القريبة من مدينة الخليل جنوب الضفة الغربية.
ولحالة الترقب والحذر هذه ما يبررها عند سكان قطاع غزة، فهم لم ينعموا منذ سبع سنوات مضت بطعم الراحة، فمن حصار إلى حرب إلى أخرى، أنهكت المجتمع الغزي بكل شرائحه السياسية والإجتماعية، فغزة كانت طوال الفترة الماضية أشبه بـ«كيس الملاكمة»، الذي يتلقى الكدمات والضربات وقت التدريب وأحيانا كثيرة بدون سبب.
فالسكان الذين لم يذوقوا طعما للراحة، لم يستثنوا من عقاب إسرائيل عقب عملية أسر المستوطنين في الخليل، فالمؤسسة العسكرية التي تدير وتشرف بشكل مباشر على العملية العسكرية في الضفة التي أسفرت في مرحلتها الأولى عن إفراغها من قادة ونشطاء حماس، بعد زجهم في السجون، شرعت بتضييق الحصار على غزة، بغلق المعبر التجاري الوحيد الذي تمر منه البضائع للسكان لعدة أيام متتالية، مع إتخاذ قرار بتوجيه ضربات جوية ليلية للعديد من الأهداف الأرضية، أوقعت إصابات بين المدنيين ومن بينهم أطفال، فأعادت للذاكرة مشاهد الحرب القريبة التي ذرفت فيها غزة الدموع والدماء ألما.
هذه النيران الإسرائيلية التحذيرية تجاه غزة زادت من التحذيرات لقادة حماس والمقاومة، بضرورة أخذ الحذر من إقدام إسرائيل على استهدافهم، رغم أنها لم تشر صراحة حتى اللحظة الى مشاركتهم أو علمهم بخطف المستوطنين الثلاثة، كما الحال مع قادة حماس الضفة، وهم ما يمكن اعتباره خطة تمويه من قادة تل أبيب يخفون وراءها نوايا أكثر من سيئة.
فالمحللون السياسيون والمتابعون للملف الإسرائيلي، والحديث في الصالونات السياسية في غزة، لا يستبعد التصعيد الإسرائيلي في المرحلة المقبلة، فحروب إسرائيل الأخيرة ضد القطاع «الرصاص المصبوب» نهاية 2008، و»عامود السحب» تشرين الثاني/نوفمبر 2012، كانت مباغتة، فأوقعت أكثر من ألفي شهيد، غالبيتهم من الأطفال والنساء والمسنين.
ما يعزز وجهة النظر هذه التهديدات التي تخرج عن قادة إسرائيل السياسيين والعسكريين ضد الحركة، بدءا من رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، الذي توعد حركة حماس بمواصلة «دفع ثمن باهظ»، وزير الجيش موشيه يعلون الذي كرر ذات الجملة في موقف آخر، وزاد عليها بأن إسرائيل «ستتمكن من الوصول إلى رؤساء حماس في أي وقت ومكان»، إضافة إلى تهديد رئيس الأركان الجنرال بني غانتس، الذي أعلن أن من بين أهداف العملية في الضفة علاوة عن إعادة المختطفين «توجيه ضربة قوية قدر الإمكان ضد حماس ومن ثم التقدم».
هذه التصريحات التي تشتد يوما بعد يوم يمكن أن يفهم منها أن بموازاة الحرب والهجوم على الضفة الغربية، واعتقال قادة حماس هناك، وتدمير بنى الحركة التحتية، وإغلاق مؤسساتها، من المحتمل أن تقوم أيضا باستهداف قادة حماس السياسيين والعسكريين في غزة، كونهم ليسوا بعيدين عن دائرة الإستهداف، خاصة وأن حكومة تل أبيب كثيرا ما أقدمت على مثل هذه العمليات وأخرها اغتيال قائد أركان حماس أحمد الجعبري في 2012.
وعلى وقع دق طبول الحرب هذه يترقب سكان غزة ما ستصير إليه الأمور خلال الأيام المقبلة، وينتظرون التصعيد في كل لحظة، وما يعزز وجهة النظر هذه إقدام الجيش الإسرائيلي على تعزيز قواته في محيط غزة ونشر المزيد من منظومة «القبة الحديدية» حول البلدات المحيطة بغلاف القطاع، وعلى مقربة من مدن تل أبيب والقدس.
فإقدام إسرائيل على نصب هذه البطاريات ينذر بقرب التصعيد، فهي دائما تنشر هذا النوع من البطاريات على الجبهات الساخنة التي تملك القدرة على ضربها بالصواريخ، وفي الحرب الأخيرة على غزة «عامود السحب» ضربت صواريخ المقاومة الفلسطينية مدن تل أبيب والقدس الغربية، وتمكنت هذه المنظومة من تدمير العديد من صواريخ المقاومة قبل وصولها إلى أهدافها.
ولجوء إسرائيل إلى الخيارات العسكرية تجاه غزة، يمكن أن يكون مخرجا للائتلاف الحكومي في تل أبيب الذي يعيش صراعا بين أقطاب الوسط واليمـــين المتــــطرف، الذي يدعو دوما للتصعيد، وقد طلب أقطــابه مرارا ضم مناطق الضفة الغربية، وشن حرب بلا هوادة ضد غزة.
وفي غزة سارعت حركة حماس أكبر الفصائل الفلسطينية تسليحا إلى تحذير إسرائيل من مغبة التمادي في حملتها في الضفة الغربية وشن هجمات على غزة، وقال القيادي في الحركة صلاح البردويل «أن التصعيد سيواجه بردود فعل» مقللا من تهديدات إسرائيل بتحطيم الحركة في الضفة الغربية.
الفصائل المسلحة في غزة فهمت من جانبها لغة التهديد الإسرائيلية، فخرجت في مؤتمر صحافي مشترك أكدت خلاله أن تهديدات قادة إسرائيل للفلسطينيين والمقاومة لن تخيفها بل سوف تدفعها للمزيد من الاستعداد والإصرار على المقاومة ومواجهة العدوان بكل قوة.
أشرف الهور