مكتبة الإسكندرية تعد لمؤتمرها الثالث حول المخطوطات الشارحة
مكتبة الإسكندرية تعد لمؤتمرها الثالث حول المخطوطات الشارحةالقاهرة ـ القدس العربي ـ من محمود قرني: ينعقد بمكتبة الإسكندرية في الفترة من السابع إلي التاسع من آذار (مارس) المقبل مؤتمر المخطوطات الشارحة الذي سيحاضر فيه علي مدار أربع عشرة جلسة حوالي واحد وخمسين باحثا وأستاذا من مختلف جامعات العالم. وسوف يشهد حفل الافتتاح تكريما علي جائزة سارتون في تاريخ العلوم، وسوف يتحدث في الحفل الدكتور إسماعيل سراج الدين مدير مكتبة الإسكندرية والدكتور يوسف زيدان مدير مركز المخطوطات والمكرم الدكتور عبد الحميد صبرة الذي سوف يتحدث عن مفهوم المخطوطات الشارحة. بالإضافة إلي ذلك سوف يتم افتتاح معرض المخطوطات الشارحة الذي سوف تتزامن فعالياته مع وقائع المؤتمر.وقد صرح الدكتور يوسف زيدان المشرف علي التنظيم والإعداد بأن المؤتمر يأتي امتدادا للمؤتمرات الدولية التي نظمها مركز المخطوطات بغية الكشف عن الجوانب المجهولة والمنسية والمهملة في التراث العربي، ويمثل خطوة جديدة بعد مؤتمر المخطوطات الألفية الذي انعقد في ايلول (سبتمبر) 2004 والمخطوطات الموقعة الذي انعقد في نيسان (إبريل) 2005. ويقول زيدان ان المؤتمرين كشفا عن جانبين مهمين من جوانب ثراثنا المخطوط الموزع علي أرجاء العالم أو بالأحري المنزوي في الخزانات الخطية في العالم.ويضيف زيدان: كما حرصنا في المؤتمرين السابقين علي إقامة معرض لهذه المخطوطان بغية استحضارها أمام أعين أهل الزمان في محاولة لعبور الهوة الفاصلة بين ثقافتنا المعاصرة وجذورها التراثية. ويري زيدان أن المؤتمر الجديد يطرح محاور غير نمطية للبحث التراثي، مداخل تنزع إلي الارتقاء بالتراث عبر عمليات مختلفة مثل الفهرسة، التحقيق والدرس المتخصص كذلك السعي إلي عمليات الاستكشاف والفهم والمثاقفة وهو – حسب زيدان – طموح المؤتمر.ويشير مدير مركز المخطوطات إلي أن مصطلح المخطوطات الشارحة سوف يكون هو موضوع النقاش الأساسي في أغلب الندوات ويضـــــيف هنا موضحا: يعتقد كثيرون أن الشرح بعامته، يقل أهمية ومرتبة عن المتن المشروح، فهو في اعتقادهــم، كتابة من الدرجة الثانية، كتابة هامشية، ومن هذه الزاوية، تكون الحواشي التي توضع علي الشروح، كتابة من الدرجة الثالثة، أو هي: هوامش الهوامش، ومن ثم بالمؤلف الذي وضع المتن هو الرائد، وهو الجدير بالاعتبار، أما الذي يضع علي المتن أعمالا فهو لا يستحق عــــندنا وصف المؤلف وإنما ندعوه الشارح وفي الدرجة الثالثة، أي الحاشية، نسميه في المصطلح التراثي المحشــــي فإن كتب كاتب علي الحاشية كتـــــابة رابعة علي هيئة تعليقات أو تعقيبات فهو المعقب، ولا ننسي هنا أن كــــــتابة التعليق أو التعقيب أو الاستدراك، تتلوها أحيانا كتابة خامسة من حيث المرتبة وتسلسل الأهمية، هي كتابة الطيارات التي تصادفنا علي هيئة أوراق صغيرة بين صفحة المخطوطات، وغالبا ما تكون مكتوبة بقلم دقيق وبأسلوب موجز، ولا تزيد في معظم الأحوال عن فقرة واحدة، وهو ما يسمح بوضعها بين أوراق المخطوطة، سواء منفصلة أو مجلدة مع المخطوطة إن أُعين تجليدها بعد تدوين هذه الطيارات المحتوية علي ملاحظات تفصيلية تخص موضعا بعينه من المخطوطات.ويضيف يوسف زيدان: إننا علي هذا النحو لدينا خمس مراتب للكتابة: المؤلف وهو المتن، الشارح الشرح ، التفسير، التحرير، المحشي، أو الحاشية أي شرح الشرح، المعقب أو المعلق الذي يستدرك، والمدون الملاحظات الطيارات ، ويقول زيدان انه ساد الاعتقاد أن المؤلف رائد والآخرين تابعون له، ومن هنا وإذا أردنا التقليل من شأن القرون الأخيرة من تاريخ الثقافة العربية الإسلامية وصفناها بأنها قرون الشرح والحواشي مقابل أزمنة التأليف والإبداع العلمي في القرون الأولي، ويتساءل هنا: هل ترانا وجدنا القرون الأخيرة مليئة بالشروح والحواشي فوصفناها بقرون التخلف؟وهنا يجيب زيدان: المسألة برمتها تحتاج لإعادة نظر، من زاوية لا تري في الشرح بالضرورة نصا هامشيا ثانويا، ولا تري بالضرورة أن كل كتابة تالية هي متأخرة من حيث المرتبة عن الكتابة الأسبق، وإلا، فلطالما صادفتنا شروح لا تقل أهمية عن متونها، من ذلك مثلا شروح العلامة نصير الدين الطوسي، علي المتون الرياضية والفلكية التي دونها علماء اليونان وعلماء الإسكندرية، وهي شروح جعلها الطوسي بعنوان التحريرات فترك لنا: تحرير المجطي لبطليموس، تحرير أصول الهندسة لإقليدس، تحرير كتاب الكرة والأسطوانية لأرشميدس ، تحرير كتاب الأكر لمنالاوس وتحرير كتاب الأشكال البسيطة والكرية لبني موسي بن شاكر، ومع مثل هذه الشروح أو التحريرات التي وضع منها الطوسي أربعة عشر تحريرا، لا يجوز النظر إلي نصير الدين الطوسي باعتباره كاتبا ثانويا، فقد كان الرجل يعيد بناء العلم القديم بكامله، ويسعي لتحريره من أخطاء يري أن سابقيه وقعوا فيها، وهنا يصير نصه الشارح في أهمية المتن المشروح، وربما يتجاوزه في بعض المواضع أهمية.ومن هنا يري يوسف زيدان أن الشروح التي دونها الأطباء العرب خلال ألف عام من تاريخ الحضارة العربية الإسلامية علي مؤلفات أبقراط وجالينوس يراها مرايا تعكس علي صفحتها طبيعية المعرفة الطبية في عصر هذا الشارح أو ذاك، الذي هو بالضرورة: قامة طبية عالية في زمنه. ومن خلال هذه الشروح يمكن التأريخ لتطور علم الطب في تراثنا العربي.ويستطرد زيدان هنا مؤكدا أن المخطوطة الشارحة بهذا المعني ليست نصا ثانويا لكاتب من الدرجة الثانية، هذا من حيث المضمون، ومن حيث الشكل أو ما سيسمي الوعاء فللمخطوطة الشارحة خصوصية وأهمية بحسب نوع الشرح، فهناك الشرح الممزوج، والشرح بطريقة قال، أقول ، الذي يمكن منه استخراج المتن في حالة ضياعه، والشرح محل المرام المؤلف الأول. ويضيف زيدان أنه من أشكال الشروح: التفاسير، وكتب الغريب غريب القرآن، غريب الحديث والشروح النمطية للأشعار كعمليات التثليث والتخميس والتسبيع للأبيات.. بالإضافة إلي عديد من أنماط المخطوطات الشارحة التي ستلقي بحوث المؤتمر عليها مزيدا من الضوء.أما عن المؤتمر فيقول زيدان انه سوف ينقسم إلي خمس محاولات أولها حول طبيعة العلاقة بين النصوص التراثية ومراتبها الموصوفة بألفاظ المتن والشرح والحاشية والتعليق، وثانيها بحث أثر المخطوطات الشارحة في الامتداد المعرفي عبر قرون الحضارة الإسلامية بإبقاء النص حيا عبر عمليات الشرح بمستوياته المختلفة وبأغراضه المتنوعة، ودلالة انتشار الأنماط المختلفة للنص الشارح، في فترة زمنية معينة وفي علوم تراثية بعينها كما هو الحال في انتشار شروح فصول أبقراط في القرنين السابع والثامن الهجريين. والمحور الثالث للمؤتمر يدور حول المخطوطات الشارحة باعتبارها وعاء معرفيا ذا قالب خاص من حيث الشكل قد ينساب فيه الشرح متحلقا حول النص المشروح.والمحور الرابع يدور حول دراسة الأشكال غير النمطية للمخطوطة الشارحة، وتنوع المداخل الشارحة للنص، أما المحور الخامس فيدور حول استعراض واستكشاف لبعض نماذج المخطوطات الشارحة بدءا من هذه التي تقع في مجلدات كبار او تلك التي وردت في مخطوطة بعينها علي هيئة طيارات لا نجدها في مخطوطة أخري من مخطوطات الكتاب ومقارنة المخطوطات الشارحة في الثقافة العربية بالنص الشاسع في ثقافات أخري قديمة ومعاصرة.0