حماس امام تحدي الاصلاح والتحرير

حجم الخط
0

حماس امام تحدي الاصلاح والتحرير

اديب ديمتري حماس امام تحدي الاصلاح والتحريرالزلزال او تسونامي في نظر الامريكيين بفوز حماس فاجأ الجميع كما اذهلهم، حتي بدت قضية فلسطين في الاعلام العالمي، الغربي قبل العربي لحظة الاعلان، كأنها قضية العالم المركزية وليست قضية العرب وحدهم. الا انني استميح القارئ قبل الحديث عن الحدث، وارجوه ان يشاركني ويساعدني في التخلص من كابوس مفزع يطبق علي مخيلتي وصدري لا يفارق، ولا املك له دفعا او تأجيلا: صورة الصغير الذي لم يتجاوز الخامسة من العمر والذي انقذ في سفاجة بعد غرق العبارة السلام 98 وظل يغالب البحر والموج تلاثين ساعة بليلها ونهارها.. وما يربو علي الألف (1400) مثله آباء وأمهات وأبناء يواجهون نفس المصير، انقذ منهم من انقذ، وغاص من غاص ليساكن القاع وأسماك القرش.. يا للهول.. من يستطيع ان يعايش هذه اللحظات حتي بمخيلته وفكره؟اما اهاليهم.. من كان في انتظار الابن او الاب او الام أو العائل، علي الشاطئ ولا يصدق.. وبعد ان أفاق انخرط في الصياح والصراخ والاحتجاج، فرمته قوات النظام بالعصي وقنابل الغاز!صاحب العبارة الغارقة، وقبلها كانت عبارتان غارقتان فضلا عن 15 عبارة اخري، الملياردير ممدوح اسماعيل عضو في مجلس الشوري معين من قبل الرئيس حتي يتمتع بالحصانة، وهو الصديق الصدوق لرموز في النظام ان لم يكن شريكا، وأمين الحزب الوطني الديمقراطي عن حي مصر الجديدة، مقر الرئاسة ومسكنها.ولكن السعد يلازم النظام ابدا، وطوق النجاة بيد نفس القدر العاتي! فقد جاء كأس افريقيا لبطولة كرة القدم، وفوز الفريق المصري ببطولة افريقيا في نفس الايام الحزينة، ليطلق النظام فرحة هستيرية تحت غطاء وطني واغان وطنية، واحضان المشتاقين، ليغطي علي الجريمة والمجرمين. ودون ادني اعتبار لمشاعر ما يربو علي ألف اسرة فقدت ابنا او زوجا او زوجة او عائلا، ودون ادني اعتبار لعوايدنا في مثل هذه المناسبات.من حق مصر بالطبع ان تفرح بالفوز وبابطالها وما حققوه، وللرياضة مكانتها وشأنها في حياة الشعوب، كأي نشاط آخر. ولكن هؤلاء الذين اصطنعوا هذه الهستيريا الاحتفالية لا علاقة لهم بالنصر فهو من فعل الابطال الذين حققوه. اما هم فقد صنعوا قبلها صفر المونديال.ومن يرقب النظام في وسط هذه الاحداث والمهرجانات والكرنفالات يدرك انه لا يحس بشيء ولا يري ولا يسمع، يلتحف بجلد تور، بالتاء العامية لانها ابلغ.وهذا يصل بنا الي حماس والفوز العظيم الذي حققته، فلم يكن حديثنا خارج الموضوع. فالمراقبون يجمعون في الداخل والخارج علي انه من اول العوامل المباشرة، في هذا الفوز المؤزر هو الفساد المطبق الذي اصاب السلطة في الاراضي المحتلة، من اعلاها الي ادناها. وهو ليس مجرد الفساد بمعناه الخلقي الشائع، الفردي او الجماعي، من فقدان الامانة او الصدق او الطمع او الحسد، بل هو فساد سياسي في الاساس بنيوي، ومن ثم اقتصادي واجتماعي وخلقي، من قبيل الفساد الذي شهدناه، ونشهده في كافة نظمنا العربية وفي المقدمة منها مصر المحروسة.وفساد السلطة في الاراضي المحتلة، وبعض قيادات ورموز حزبها، هو فساد لنظام اوسلو والاساس السياسي الخاطئ الذي قامت عليه وجوهرة الغاء الميثاق الوطني والتخلي عن الثوابت الوطنية. والتنازلات المجانية.وهو الامتداد الطبيعي للاصل السائد في اتفاقات كامب ديفيد ومعاهدة السلام المصرية ـ الاسرائيلية في شقها الفلسطيني والتي تقوم علي الحكم الذاتي للسكان دون الارض.وبدلا من ان يتمسك السادات بالتطبيق الكامل لقرارات الشرعية الدولية بعد نصر عظيم والتي تقضي بالجلاء عن الارض كل الارض، وعدم جواز احتلال ارض بالقوة، اكتفي بعودة ارضه منقوصة السيادة، وفي نفس الوقت فرط في كامل سيادته وارادته الوطنية، في مقابل ثلاثين من فضة يمنحها له الكفيل الامريكي، مساعدة لحكمه.اول الذين فوجئوا وفزعوا من نتائج الانتخابات كان مبارك ونظامه شهدناه لحظة اذاعتها في اعلانه ثم مسارعته بعدها الي الضغط علي القادة الجدد ليتخلوا عن برنامجهم ومشروعهم الوطني الجديد. كشف عنه رئيس مخابراته عمر سليمان في تصريحه عقب مقابلة الرئيس عباس لمبارك، ونسبة للرئيس الفلسطيني قال ان عباس اشترط علي حماس لتشكيلها الوزارة الاعتراف بأوسلو وكافة الاتفاقات المعقودة بين الفلسطينيين واسرائيل كما عبر عن هذه الضغوط احمد نظيف رئيس وزرائه في مقابلة مع مجلة نيوزويك الامريكية انه يتعين علي اي حكومة فلسطينية ترأسها حركة المقاومة الاسلامية حماس ان تحترم اتفاقات اوسلو مع اسرائيل التي تشكلت بموجبها السلطة الفلسطينية.. وان تدعم خارطة الطريق للسلام التي ابرمت سنة 2003 وتدعمها الولايات المتحدة .وعلقت صحيفة الفينانشيال تايمز اللندنية من جانبها علي نتائج الانتخابات الفلسطينية، بأن اصدقاء امريكا وحلفاءها من امثال مبارك، سيحاولون اقناع واشنطن بالتخلي عن تغزلها بالديمقراطية واللعب بها، لانه سيوقعها في يد الاسلاميين هؤلاء الاوتوفراط لم يتركوا لاعدائهم شيئا سوي الجوامع ليتجمعوا فيها وهو ما زود الاسلاميين بالاتباع.. وما ينبغي ان نتذكره هو ان تأييد الاستقرار علي حساب الحرية سيطيح بالهدفين معا Financial Times (28 ـ 29/1).وكان اول تعليق لوزيرة الخارجية الاسرائيلية الجديدة بعد اعلان نتائج الانتخابات، وبعد ان عبرت عن انزعاجها، ان كشفت كلماتها عن قلق وجودي عميق.. مصير اسرائيل. لسنا بصدد الحديث عن اسباب فوز حماس ودلالاته فقد اشبعه المعلقون والمحللون منذ ظهور النتائج، يكفي ان نقول ان الاغلبية الساحقة التي صوتت لها فيها اصوليون وعلمانيون، وان بعض المدن المعروفة بانها قلاع العلمانية صوتت لها ايضا. الجميع صوتوا علي خيار محدد: المقاومة والصمود، ورفض طريق اوسلو وتوابعه في خريطة الطريق واتفاقيات شرم الشيخ ووثيقة جنيف وغيرها، والبحث عن طريق آخر لا تشوبه التنازلات المجانية. اما برنامج حماس الانتخابي فقد لخصه خالد مشعل رئيس مكتبها السياسي في لاءات ثلاثة: لا اعتراف بشرعية الكيان الصهيوني علي ارضنا ـ لا تنازل عن اي حق من حقوقنا ـ لا تراجع عن خيار المقاومة باعتباره الطريق الاستراتيجي لتحرير فلسطين واستعادة الحقوق.اما جذر حماس التاريخي فهو معروف، الاخوان المسلمون في مصر وفي الاردن بخاصة، وميثاقها كما اعلن الشيخ احمد ياسين في عام 1987 اصولي سلفي، ونجاحاتها تعود بشكل عام الي الموجة الاسلامية السائدة. ومع ذلك فهل يجوز وصف فوزها الكاسح، كما ورد علي لسان كاتب عربي مذعور، وهو وصف شائع في العديد من الكتابات الغربية والصهيونية بخاصة، انه فوز من قبيل وصول هتلر الي سدة الحكم عن طريق الانتخابات؟ماذا نعني الموجة الاسلامية؟ الاسلام السياسي في عصرنا تسيطر عليه الاصولية السلفية، بكل تفريعاتها وصورها، ومع ذلك فقد عرفت شعوبنا العربية والاسلامية في تاريخها موجتين يمكن ان يحملا هذا الاسم: اولاهما في القرن التاسع عشر غلب عليها اسم حركة التنوير العربية، بمشاركة عدد من المتنورين المسيحيين فيها بل ومن اليهود، عبر عنها طابور من المتنورين ابتداء من الطهطاوي الذي ترجم الدستور الفرنسي وتغني بالديمقراطية والتقدم في الغرب، وخير الدين التونسي والبستاني مرورا بالافغاني وتلميذه محمد عبده والكواكبي. هذه الحركة تأثرت بالتراث الرشدي والمعتزلي والقرآني الاسلامي في صدر الاسلام. واستطاعت بنجاح التوفيق بين تراث الاسلام الزاهر والحداثة والتقدم الغربي، بين الوطنية الوليدة والديمقراطية، واثمرت ثورات وطنية ديمقراطية في ثورة 19 المصرية، وثورات الاستقلال في الشام والعراق وغيرها. وليبراليتها تنتمي لليبرالية آدم سمث وجون ستيوارت مل، ليبرالية الرأسمالية الوطنية الصاعدة والبناءة وليست الليبرالية الجديدة ليبرالية جمال مبارك وصاحب العبارة، الطفيلة النهاية!اما الموجة الاسلامية التي تلتها، فقد بدأت ضعيفة بعد سقوط الخلافة في تركيا، وفي معركة الشيخ علي عبد الرازق وكتابه الاسلام واصول الحكم وتصدي له رشيد رضا وغيره من المحافظين، ثم تبلورت وتحددت في الثلاثينات ابان الازمة العالمية الطاحنة وفي المستعمرات التي سحقتها، وكذلك في ازمة الليبرالية المصرية حينذاك والتي عقدت آمالا كبيرة علي ثورة 19 ودستورها سنة 23 وانتخاباتها الاولي سنة 24 ولم تلبث ان كشفت عن عجزها في مواجهة الانكليز والسراي، وعاد اليأس من الظهور والبحث عن الحاكم القوي في الدين او في غيره، وجسدها الشيخ حسن البنا في جمعيته التي اسسها سنة 28 جمعية الاخوان المسلمين الاصولية السلفية.. ثم عاد زخم هذه الاصولية لتصل القمة بعد الهزائم والانعكاسات التي اصابت الانظمة والحركات القومية واليسارية، ابتداء من هزيمة 67. وبلغت الذروة في انتصار الثورة الخمينية وبعدها بن لادن والاصولية الوهابية.ولكن علينا ان نراقب بدقة الحراك الاجتماعي والحركات الاجتماعية، حتي المحافظ منها، في تطورها تحت الضغوط الخارجية والداخلية، فالمجتمع لا يحمد علي شيء. بن لادن اصبح بطلا وبلغ التعاطف معه في العالم الاسلامي والعربي القمة. ومع الايام وبعد غزو افغانستان والعراق. نكشف للكثيرين ان فعلته في 11/9 كانت هدية من السماء لبوش لينفذ خططه المعدة سلفا، ويعــــلن حملته علي الارهاب التي تحقق له هيمنته الامبريالية علي العالم. والزرقــــاوي من خلال جز الرؤوس والسيــــارات المفخخة والقتل الاعمي دفع السنة الي صناديق الانتخابات للتخلص من هم مقيم، بينما تكتسب المقاومة الوطنية المسلحة ومطلبها في جلاء المحتل تأييدا متزايدا، وبعد تجارب الثورة الخميــــنية ونموذجها في الدولة الثيوقراطية الدينية، وبعد افغانستان والسودان ودعاوي تطبيق الشريعة الاسلامية، تراجع وهم الدولة الاسلامية.كما ان هناك بلدانا عربية بدا واضحا انها تتفكك بالضرورة وتزول شعبا ودولة لو اصرت قواها الاصولية علي فرض نموذجها من الدولة الدينية. حزب الله في لبنان الذي نشأ علي نموذج الدولة الخمينية الاسلامية، ادرك انه لو استمر علي اخطائه الجسيمة في استبعاد القوي الوطنية الاخري، كما ادرك استحالة الدولة الاسلامية في لبنان التي سيتحول الي كانتونات وامارات طائفية متقاتلة، وفي مصر دعاوي الدولة الاسلامية وتطبيق الشريعة كفيلة بتفكيك السبيكة الوطنية التي تشكلت عبر الوف السنين. حماس تعاملت مع نفس الواقع، وهي تواجه اعتي استعمار في التاريخ، الاستعمار الصهيوني. فلو تمسكت بشعاراتها الاخوانية الاصولية، واصرت علي شعار الدولة الاسلامية في فلسطين، وعلي التفرد والاقصائية الاصولية السلفية، لانعزلت وقضي عليها في الحال، ولذا كانت ولا زالت في مقدمة الداعين للوحدة الوطنية ووحدة المقاومة المسلحة. وبعد فوزها دعت الي حكومة وحدة وطنية او ائتلاف وطني كما دافعت عن الديمقراطية والتعددية التي جاءت بها. وفي رد لخالد مشعل علي سؤال وجه له ان حماس جاءت في السلطة بالانتخابات بعد اكتسابنا الشرعية بالمقاومة. عندما توقف حماس الديمقراطية وتداول السلطة سينفض عنا شعبنا. سنلتزم ممارسة الديمقراطية سواء كنا في السلطة او خارجها، بل سنحمي خيار السلطة وفي هذا خروج صريح من عباءة الاصولية السلفية، ورفضهم للحزبية والاحزاب والديمقراطية، وتمسكهم بالشوري علي نهج الاسلاف وأهل الحل والعقد.ولكن لماذا لا تكون تصريحات مشعل هذه من باب الادعاءات التي عودتنا عليها الجماعات الاصولية؟! كيف نتعامي عن التأثيرات العميقة للعولمة الرأسمالية وثمراتها في الثورة الاعلامية والاتصالات والمعلوماتية واثر الانترنت والتلفزيون والمحمول. فرغم جرائم هذه الرأسمالية المعولمة فقد خلقت بديلها. من دعاوي حقوق الانسان والمجتمع المدني والديمقراطية. واصبح مطلب الديمقراطية علي كل لسان. وكيف لا ننتبه لآثار هذا المناخ العالمي السائد، والذي صعد في امريكا اللاتينية تيارا غير مسبوق حمل الي السلطة ست دول يسارية ديمقراطية شعبوية!!انتصار حماس يحمل في طياته الأمل، وقد يمثل بداية تحول في حركة الاسلام السياسي، وعودة الي الجذور الوطنية الديمقراطية التنويرية، تدفع بالجماهير الاسلامية، التي تقف اليوم بالفعل في مقدمة الصفوف في التصدي للهجمة الاستعمارية الامبريالية، الي الاسهام الفعال في بناء اوطانها الديمقراطية المتحررة والحديثة المتقدمة، لولا اعاقات ومعوقات قادتها وامرائها الجامدين المتعصبين. حماس وشعبها الفلسطيني الذي انتخبها امام تحد كبير في مواجهة خطة التجويع والحصار المعلنة.. فما العمل؟بالقطع حماس لن تتنازل عن برنامجها الذي انتخبت عليه او عن الثوابت الوطنية.وفتح بتاريخها الوطني لم تسقط، وانما الذي سقط هو فتح الفاسدة، فلا يتصور ولا يعقل مشاركتها في افشال حماس او توريطها كما يقال، لأنه يصيب المشروع الوطني كله بالدمار.في مواجهة هذا المخطط الاجرامي لا بد من الحشد. حشد قوي الشعب الفلسطيني بكامله في الداخل والشتات، وهو الأمر المستحيل دون احياء وتفعيل منظمة التحرير الفلسطينية، بكل مؤسساتها. والاعداد السريع لعقد المجلس الوطني، الذي يعلن من جانبه الي العالم كله برنامجه في التحرير في المرحلة الجديدة. فكسب الرأي العام العالمي حاسم في هذه المعركة، وهو مهيأ لها تماما ومنذ زمان مع تواصل جرائم شارون: دولتان علي ارض فلسطين، دولة فلسطينية كاملة السيادة علي كل الارض التي احتلت 67، مع هدنة طويلة ليعيش الشعبان ويتعايشان في سلام وعلي ان تعلن حماس وقف كل العمليات ضد المدنيين، داخل الخط الاخضر، وبخاصة العمليات الاستشهادية، التي تضفي عليها وصمة الارهاب.تبقي قضية هامة هي شعار حماس الاستراتيجي التحرير من النهر الي البحر وعيب هذا الشعار في الصياغة، فهو يحمل بصمات شعار الصهيونية التاريخي من النيل الي الفرات صدي له ورد فعل وشعار حماس هذا، مع اسقاط الشعار القديم القاء اليهود في البحر الذي لم يعد يقول به احد، او حتي يفكر فيه، لأنه شعار قبيح، فضلا عن انه يتعارض مع تراثات شعوبنا العريقة في التعايش بين جميع الاعراق والاجناس والاديان التي نبتت او نزلت علي ارضنا. شعار حماس في ضوء هذا الفهم يعني في الحقيقة فلسطين ديمقراطية لشعبين كشعار استراتيجي. يحسن تصحيح الخطأ في الصياغة والعودة الي شعار المنظمة الاول، ورفع رايته عاليا خاصة في هذه المرحلة.كاتب من مصر يقيم في باريس8

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية