تعكس الموازنة العامة بشكل عام السياسة المالية التي تتبعها الحكومة وتوجهاتها الاقتصادية. وفي العراق، حيث تم اصطناع الديمقراطية قبل بناء الدولة، بعد 2003، وحيث الحدود بين الدولة والسلطة لا تزال غير واضحة، وحيث صراع الهويات يحكم كل شيء، فإن الموازنة العامة توظف من أجل مكاسب سياسية مباشرة، ولا تعبر عن إستراتيجية عمل مالية واقتصادية قصيرة أو متوسطة أو طويلة الأمد. لاسيما مع وجود دولة ذات بنية اقتصادية ريعية، حيث يقتصر دور الحكومة على أساليب وسياسات تدوير الريع النفطي داخل المجتمع.
يوجب القانون أن تعد وزارة المالية الموازنة العامة للدولة وتقدمها إلى مجلس الوزراء في شهر أيلول/ سبتمبر من كل عام لإقرارها، ومن ثم تقديمها إلى مجلس النواب للمصادقة عليها بتاريخ 10 تشرين الأول/ أكتوبر (قانون رقم 94 لسنة 2004). واستنادا إلى ذلك فقد قامت وزارة المالية ومجلس الوزراء السابق بإنجاز الموازنة الاتحادية للعام 2019 مع تأخير في المواعيد أصبح جزءا من التقاليد العراقية! وبعد التصويت على الحكومة الجديدة برئاسة عادل عبد المهدي بتاريخ 24 تشرين الأول/اكتوبر، قامت الحكومة الجديدة بتقديم مشروع قانون الموازنة إلى مجلس النواب بتاريخ 28 تشرين الاول/ اكتوبر.
وقد بلغت قيمة الموازنة أكثر قليلا من 107 مليارات دولار (128 ترليون و443.5 مليار دينار عراقي)، وبلغت قيمة العجز في الموازنة ما يقارب 19 مليار دولار (ما يقارب 22 تريليون و874 مليار دينار عراقي) يفترض أن تتم تغطيته عبر الاقتراض بالدرجة الأساس! ومن خلال إمكانية ارتفاع أسعار النفط (تم احتساب الإيرادات المخمنة على أساس معدل سعر 56 دولارا للبرميل الواحد)، وعلى إمكانية ارتفاع معدلات التصدير (تم احتساب معدل تصدير قدره 3 ملايين و880 ألف برميل يوميا). حيث تشكل الإيرادات النفطية نسبة 88.7٪ من مجموع الإيرادات العامة، أما الإيرادات غير النفطية فهي تغطي نسبة قليلة من مجموع الإيرادات، وأهم عناصرها الضرائب وحصة الموازنة من أرباح القطاع العام.
إن المشكلتين البنيويتين الأهم في مشروع الموازنة، هما مشكلة الموازنة التشغيلية، ومشكلة استسهال اللجوء إلى الاقتراض! وهما مشكلتان مزمنتان على الأقل خلال السنوات الاخيرة. فتحليل أرقام الموازنة يكشف أن ما نسبته 74.6٪ من مجموع الإنفاق العام يذهب إلى الموازنة التشغيلية! كما يكشف مشروع الموازنة عن الإفراط في الاقتراض الخارجي، وأن فوائد الاقتراض الخارجي والداخلي لعام 2019 فقط، وصلت إلى ما يقرب من 10٪ من قيمة الموازنة ككل!
المشكلتان البنيويتان الأهم في مشروع الموازنة هما مشكلة الموازنة التشغيلية ومشكلة استسهال اللجوء إلى الاقتراض! وهما مشكلتان مزمنتان على الأقل خلال السنوات الأخيرة.
وليس ثمة حلول لمعالجة تضخم الإنفاق العام الذي يتطلب استراتيجية لإعادة هيكلة الاقتصاد العراقي طويلة المدى لا يمكن أن تؤتي ثمارها بشكل عاجل لاسيما فيما يتعلق بالتضخم غير المسبوق في أعداد العاملين في الدولة. فتبعا لبيانات الموازنة العامة ارتفع عدد الموظفين العاملين الذين يحصلون على رواتبهم من التمويل المركزي من مليون وأربعة وسبعين ألف عام 2004، إلى مليونين وتسعمئة وواحد وثلاثين ألف وتسعمئة وواحد وستين عام 2019. أي بزيادة مقدارها ثلاثة أضعاف تقريبا. ولكن هذا الرقم لا يشمل جميع من يتلقون رواتب من الدولة! فهناك ما يزيد عن مليوني متقاعد (لم يكن هذا الرقم يزيد عن 600 ألف في العام 2003!). تضاف إليهم مئات الآلاف من عوائل الشهداء والسجناء السياسيين ممن يتقاضون رواتب، فضلا عن المتعاقدين والمشمولين بالرعاية الاجتماعية، ليصل الرقم إلى حدود 8 ملايين مواطن عراقي يتلقون رواتب من الدولة. واستنادا إلى أرقام الجهاز المركزي للإحصاء/ وزارة التخطيط لعدد سكان العراق في العام 2018، فنحن نتحدث هنا عن نسبة تصل إلى 40٪ من البالغين فوق 18 سنة يتلقون رواتبهم من الدولة (عدد السكان 38.124 مليون نسمة، عدد من تقل أعمارهم عن 15 سنة 15.428)! ومن ثم نحن هنا بصدد أرقام لا يمكن معها التفكير بسياسات اقتصادية حقيقية في مجال إعادة الهيكلة، أو التفكير بإمكانية قيام تنمية حقيقية.
على أن التدقيق في أرقام الموازنة سيكشف أيضا عن مؤشر خطير آخر يتعلق بطبيعة الدولة الطائفية التي يتم تكريسها في العراق يوما بعد يوم؛ فالأرقام المتعلقة بالموازنات الاستثمارية في المحافظات تكشف عن إغفال تام لطبيعة المشكلات التي تواجه المناطق ذات الغالبية السنية التي تعرضت لكوارث نتيجة الحرب التي استمرت أكثر من أربع سنوات! كما تكشف عن تفاوت غير منطقي، وغير مسوغ في هذه الموازنات! مثال على ذلك فإن مبلغ الموازنة الاستثمارية لمحافظة نينوى، ثاني أكبر محافظة عراقية بعدد سكان يبلغ قرابة أربعة ملايين نسمة، والتي تعرضت إلى دمار شديد للبنية التحتية في الحرب على «تنظيم الدولة» لا يزيد عن مئة وستة ملايين دولار فقط، في مقابل موازنة استثمارية لمحافظة البصرة (ثالث أكبر محافظة بعدد السكان يبلغ 2.972 مليون نسمة) بلغت 790.59 مليون دولار!
كما تكشف الأرقام عن تفاوت غير مسوغ، وغير مفهوم، في عدد الموظفين المعينين على ملاك المحافظة، وهو ما يعكس بشكل صارخ السياسات التمييزية ذات الطبيعة الطائفية التي اعتمدتها الحكومات العراقية المتتالية في هذا الشأن! فعدد القوى العاملة في المحافظات خارج إطار التوظيف المركزي المرتبط بالوزارات والجهات غير المرتبطة بوزارة يبلغ في محافظة الموصل 1323 موظفا عموميا فقط (أي ما نسبته 0.003٪ إلى عدد سكان المحافظة) في حين يبلغ عدد العاملين في محافظة البصرة مثلا 75048 موظفا عموميا (أي ما نسبته 2.5٪ من مجموع عدد السكان)! ومراجعة لأرقام الموظفين في محافظات الأنبار وصلاح الدين، ستثبت هذه الحقيقة بشكل فاضح! إذا يبلغ عدد الموظفين في الأولى 1381 (يبلغ عدد سكانها 1.796 ألف نسمة) وفي الثانية 1072 (يبلغ عدد سكانها 1.615 ألف نسمة) في مقابل 23724 في محافظة المثنى أصغر محافظة عراقية (يبلغ عدد سكانها 824 ألف نسمة فقط)!
في ظل هكذا وقائع، وأرقام، يبدو من العبث الحديث عن سياسات ذات طبيعة اقتصادية قادرة على معالجة الاختلالات التي كرستها السياسات الارتجالية خلال السنوات التي مضت، ولابد من سياسات إعادة هيكلة حقيقية، وقاسية، سياسيا واقتصاديا، لإخراج العراق من دائرة الفشل التي أحكمت حلقاتها!
كاتب عراقي
أظن عنوان (العراق: الموازنة العامة والسياسات الارتجالية) وما ورد أسفل العنوان، تلخص إشكالية دولة الحداثة الديمقراطية والديكتاتورية (الملكية والجمهورية) بشكل عام، وليس العراق بعد 2003 فقط،
ولإصلاح مشاكل دولة الحداثة لطرد شبح الإفلاس عنها في كل المجالات،
نحن نطرح أهمية مراجعة كل نصوص القوانين، ( مائة دولار أمريكي للصفحة) لرفع تعارض النصوص من خلال الأتمتة الآلية،
الذي استغل موضوع تعارض نصوص القانون أمثال دلوعة أمه (دونالد ترامب) للتهرّب من دفع الضرائب طوال 18 عام، كما أعترف بذلك في مناظراته مع هيلاري كلينتون عند التنافس على منصب كرسي الرئاسة في أمريكا عام 2016.
وبالنسبة لسؤال كيف تجعل الضريبة والرسوم والجمارك تكفي (لتغطية احتياجات ميزانية أي دولة)؟!
نحتاج إلى إصدار سند تعويض بالساعة، عن تأخير اتمام أي موعد، مع أي مسؤول تم تحديد موعد مسبقا، ولم يلتزم به المسؤول.
حيث يجب حساب راتب كل موظف، مرتبط بكمية انتاجه في الساعة الواحدة.
لأن أي نظام ربوي، اساسه الوقت لحساب الفائدة،
فبدون تحديد أي وقت لا يمكن تحديد قيمة الفائدة بشكل صحيح، وبالتالي لن تكون هناك أرقام صحيحة في أي ميزانية، أو لن يتم اصدار أي ميزانية في موعدها.
بدون الإلتزام بالوقت بشكل صارم، لن يمكن تقليل تكاليف حساب أي مشروع،
لكي تستطيع أي شركة (قطاع خاص/عام) في أي دولة، أن تنافس في أجواء العولمة والإقتصاد الإليكتروني.
ولذلك من وجهة نظري ثلاثية اللغة، والترجمة، والوقت، يجب أن تضاف إلى أي مناهج تعليم وتأهيل أي وظيفة من الآن في أي مهنة من المهن، من عام 2018 وطالع، لحوكمة الحكومة الإليكترونية،
إن كان بواسطة الإنسان (أفضل لزيادة دخل الجميع) أو الآلة (لترشيد المصاريف وتحسين مستوى الخدمة، التي تقدمها الدولة مقابل الضريبة أو الرسوم والجمارك).