الخطر الجديد على إسرائيل

حجم الخط
0

وُجدت ذات يوم جبهة شرقية، وقبل سنين كثيرة، عشرين أو ثلاثين، كانت اسرائيل معرضة لتهديد استراتيجي من الشرق. وقد قاد البعث العراقي العدو والبعث السوري العدو دولتين قوميتين حديثتين في ظاهر الامر لهما جيشان حديثان في ظاهر الامر – كثيرا الجنود والدبابات والصواريخ. وأوجد الخوف من حرب في الشرق أو في الشمال الشرقي على إسرائيل أن يكون لها جيش قوي وأن تحيا على تأهب دائم وأن تسيطر على مناطق مسيطرة في غور الاردن وهضبة الجولان. لكن الجبهة الشرقية تلاشت في العقود الاخيرة، فقد ضرب بوش الأب العراق أولا وبعد ذلك نقض بوش الابن عُرى العراق. وصديء الجيش السوري أولا وبعد ذلك انتقضت عُراه. وجاء الربيع العربي معه برياح التحرير والأمل فخُيل لكثيرين أخيار أن اسرائيل لم تعد محتاجة الى جيش كبير والى مناطق سيطرة والى حياة تأهب. وحل محل الخوف من الحرب التالية التي أثرت تأثيرا عميقا في منظومات حياتنا جميعا، حل محله شعور مستريح مفهوم بأن وضعنا لم يكن قط أفضل مما هو عليه الآن.
لكن أخذت تحدث في الاشهر الاخيرة تغييرات حادة في الشرق، فهناك انتعاش ما للنظام الموالي لايران في دمشق، وتأثير ايران المتزايد في بغداد وزيادة قوة حزب الله العسكرية وهو ما ينشيء محورا شيعيا متطرفا قويا جدا. وفي مقابل ذلك أظهر الظهور المفاجيء لداعش فوق خشبة المسرح قوى سنية متطرفة متوحشة لم نرَ لها شبيها في الماضي. لا توجد دولة قومية عربية في الشرق ولا جيش عربي قوي في الشرق لكن توجد فوضى عارمة. ويفضي الضعف الداخلي للقومية العربية والحماقة المستمرة للسياسة الامريكية الى انتقاض النظام الاقليمي النسبي، فحلت محل الجبهة الشرقية القديمة جبهة شرقية جديدة فيها عدم استقرار وعدم يقين.
لا تشبه الجبهة الشرقية الجديدة الجبهة القديمة ألبتة. ولن يوجد في العقد القريب هنا حرب يوم غفران جديدة. ولن تجتاز الجيوش العربية النظامية الحدود ولن تغرق الدبابات السورية هضبة الجولان. لكن التأليف بين سلاح مُحكم وجيوش اسلامية قد ينشيء زعزعات اقليمية تقترب من حدودنا. وعلامات السؤال أكثر من علامات القراءة مثل: ماذا سيكون مصير الاردن؟ وهل يتحول وسط العراق وجنوب سوريا الى مثل افغانستان؟ وهل يصبح قطاع غزة كالصومال؟ وماذا ستكون تأثيرات نشوء مناطق واسعة جدا لا توجد عليها سيطرة دولة لا لبس فيها وسيادة واضحة؟.
الواضح شيء واحد وهو أن الخطر الجديد الذي تتعرض له اسرائيل في العصر الجديد مضاعف. فهناك من جهة تحول ايران الى قوة كبيرة مهيمنة تستغل انهيار العروبة الحديثة لمصلحتها. وهناك من جهة اخرى ظهور لاعبات متطرفة ليست دولا لا يمكن صنع سلام معها، ومن الصعب جدا ردعها.
إن التغيير العميق في الشرق يتحدى اليسار الاسرائيلي، لأنه سيكون من الصعب في الظروف الاستراتيجية التي أخذت تنشأ الانسحاب من غور الاردن ولن يمكن الانسحاب من هضبة الجولان. ومن اعتقدوا أنه لم تعد حاجة الى جيش اسرائيلي قوي والى حذر استراتيجي ظهر وهمهم أسرع من المتوقع. لكن التغيير في الشرق يتحدى اليمين الاسرائيلي ايضا لأن اسرائيل المحتلة والاستيطانية لن تكون لها الشرعية الدولية المطلوبة لتدفع عن نفسها التهديدات الجديدة. وقد صارت المستوطنات تضر بالأمن القومي اليوم أكثر من أي وقت مضى.
إن العاصفة الاقليمية تجعل من الصعب احراز سلام اسرائيلي فلسطيني لكنها توجب التقدم في المسار الاسرائيلي الفلسطيني. ويُحتاج الى تصور سياسي جديد يواجه على نحو خلاق الواقع المركب مع السعي الى حلف حقيقي بين الدولة اليهودية الديمقراطية والدول العربية السنية المعتدلة. ولا يستطيع لا اليمين ولا اليسار ولا الحكومة ولا المجتمع المدني الاستمرار على تجاهل الآثار العميقة لما يحدث حولنا. فالشرق الذي يقع شرقينا هو في الحقيقة شرق جديد وهو يوجب علينا جميعا أن نفكر تفكيرا جديدا صافيا وأن نفكر خارج كل صندوق.

هآرتس 26/6/2014

آري شبيط

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية