قد يلوح السؤال اليوم وفي خضم الصراع السياسي المحتدم في تونس مبهما وغريبا بعض الشيء، وقد يراه البعض ربما بعيدا عن الواقع وغير منطقي بالمرة. لكن من باستطاعته أن يجزم بأن الأقلية اليهودية في ذلك البلد العربي لن تحلم أو تطمح أبدا في الوصول، إن لم يكن العام المقبل ففي العقود القليلة التي تليه إلى سدة الرئاسة، أو في أن يكون لها تأثير ونفوذ أكبر في اختيار شخص الرئيس، رغم أنها تعلم علم اليقين بأن هناك أكثر من عقبة قانونية ونفسية واجتماعية قد تحول دونها وتحقيق تلك الرغبة، ليس أقلها ما نص عليه الفصل الرابع والسبعون من الدستور التونسي الحالي، من أن الترشح للرئاسة حق لكل ناخبة أو ناخب تونسي الجنسية منذ الولادة على أن يكون دينه الإسلام؟
ألن يكون ذلك جائزا وممكنا رغم كل شيء وتعبد بعض الخطوات القليلة التي قطعها اليهود في تثبيت أقدامهم في المشهد السياسي، على ضعفها ورمزيتها، الطريق لطموحات أوسع مستقبلا، بالتربع على كرسي قرطاج؟
الواقع أننا إن نظرنا لذلك الدستور بالذات فسوف نجد أنه باستثناء الفصلين الاول والثاني، اللذين يشددان على أن تونس دولة «حرة مستقلة ذات سيادة، الاسلام دينها والعربية لغتها»، وعلى أنها دولة مدنية تقوم على المواطنة وإرادة الشعب وعلوية القانون، وأنه لا يجوز تعديلهما، فإن باقي الفصول تقبل الحذف والتعديل، بما لا يتعارض بالطبع مع طبيعة الدولة وحقوق التونسيين.
وإن تأملنا مقابل ذلك أيضا الأفق السياسي للخطوة الاخيرة، التي لم تكن بأي حال الأولى من نوعها في تونس وهي، تعيين يهودي في منصب وزير للسياحة، فسنرى أن الأمر يبقى بالأساس رهنا بالتوازنات السياسية الداخلية، قبل أي اعتبار آخر. وبهذا المعنى فإن وصول رجل الأعمال اليهودي رينيه الطرابلسي لذلك المنصب قد يكون مقدمة لما هو أعظم من ذلك، وبمثابة النافدة الصغيرة التي تفتح بوجه ابناء الطائفة، ليتطلعوا من خلالها لما هو أبعد من الوزارة ويحققوا في الوقت نفسه نوعا من التطبيع الاجتماعي والنفسي الفعلي بينهم وبين الأغلبية المسلمة، في بلد لا يعلم معظم سكانه عنهم أكثر مما ينقله الإعلام عن مواسم احتفالاتهم كل عام في جزيرة جربة، وما يتردد اثناءها من شعارات التسامح والانفتاح والتعايش مع الأديان والثقافات. وسيلقي كل ذلك بالتبعية عبئا اضافيا على رينيه، وسيجعله في مواجهة اختبارين دقيقين وهما، إثبات استحقاقه الشخصي وجدارته بالمنصب ثم مهارته في تسويق صورة جديدة عن طائفته تجعل أغلبية التونسيين تميز بشكل أفضل بين المواطن اليهودي والعدو الصهيوني، وتقدم لهم أنموذجا ناصعا لليهودي الوطني، الذي يستطيع الدفاع عن مصالح بلده، ويرفض التطبيع مع المحتل، ولا يتقاطع مع الصهيونية.
اليهود التونسيون مطالبون بأن يبذلوا جهدا إضافيا من خلال تجربة رينيه ليثبتوا أنهم وطنيون وليسوا صهاينة في أثواب يهود
ولعلنا نتذكر جيدا كيف أن قسما واسعا من التونسيين لم يرحب بالتعيين، وتساءل حالما علم بأن الطرابلسي كان هو المرشح لتولي حقيبة السياحة في التعديل الوزاري الجديد، الذي أقره البرلمان الاثنين الماضي، إن كان سيؤدي القسم على المصحف؟ أم انه سيحلف مثلا على التوراة؟ وكيف عبّر قسم آخر بشكل قطعي وصريح عن رفضه تعيين يهودي على رأس وزارة، تحت اي مبرر، وكيف شكك سياسيون ونواب في نوايا الجهة التي اقترحت تعيينه. لقد حصل ذلك في وقت كان فيه كل شيء يدل على أن السياسيين في تونس، وعلى اختلاف انتماءاتهم وتوجهاتهم، حسموا في أشياء كثيرة، ليس أقلها أنهم يعيشون في دولة مدنية يفترض أن لا تمييز فيها على أساس الجنس أو الدين.
ولكن كان من الواضح أن ترشيح رجل الاعمال اليهودي رينيه الطرابلسي للمنصب الوزاري مثل صدمة لمن كانوا يعدون من بين التقدميين والحداثيين، أكثر مما حصل من جانب من يصنفون إسلاميين ومحافظين. ففيما تمسكت حركة النهضة بموقفها المعروف، من انه لا مشكل لها أبدا مع تعيين يهودي على رأس وزارة السياحة، لأنها، أي الحركة، «من صناع الدستور الجديد، الذي يعطي لكل المواطنين التونسيين، بغض النظر عن دياناتهم، حق التواجد داخل الحكومة وتمثيل التونسيين وممارسة السلطة التنفيذية»، مثلما صرح بذلك الناطق الرسمي باسمها لإحدى المحطات الاذاعية المحلية، ظهرت مواقف اخرى ترفض تعيين الطرابلسي «ليس لأنه يهودي، فتلك أمور تخصه، بل لتضارب المصالح . فوزير السياحة المقترح يملك وكالات أسفار وهذا أمر يخصنا»، على حد تعبير النائب ياسين العياري على صفحته على فيسبوك. وذهب آخرون بالمقابل إلى حد اتهامه المباشر بأنه على علاقة مع إسرائيل، وأنه يزور تل أبيب باستمرار، وينظم رحلات سياحية من باريس إلى الكيان الصهيوني المحتل.
ومهما يكن الامر فان مثل تلك الانتقادات والاحتجاجات كانت تعكس، إلى حد كبير نوعا من القلق والتوجس الشعبي من التداعيات المحتملة لوجود رجل أعمال يهودي على رأس وزارة، تعد العمود الفقري لاقتصاد تونس. فهل إن اختياره للمنصب كان يعني بالضرورة تطلع المسؤولين التونسيين لجذب رؤوس الأموال الأجنبية لبلدهم، حتى إن كان المقابل السياسي لذلك هو الانفتاح التدريجي على إسرائيل وقطع أشواط اخرى للتطبيع معها؟
لقد سبق لرينيه وهو المسؤول عن موسم الزيارة اليهودية لكنيس الغريبة أن قال قبل نحو أربع سنوات من الآن، عندما تفجرت قضية وصول اسرائيليين إلى تونس في رحلة بحرية إن» السائح الاسرائيلي دائم الاقبال على تلك الرحلة، وإنها توفر اكثر من مئة وخمسين ألف دولار في كل جولة بحرية. فلماذا نخسر ذلك المدخول لأجل عشرين أو خمسة وعشرين سائحا لهم جوازات سفر اسرائيلية؟». وأضاف بأن «الانفتاح هو المستقبل في تونس، فنتنياهو وعباس يلتقيان ويتفاوضان فلماذا نكون ملوكا مكان الملوك؟». وإذا اردنا خدمة القضية الفلسطينية فلماذا لا نذهب اليهم ونتعاون معهم اقتصاديا، خاصة أن الفلسطينيين لهم دكاكين في القدس وقرب المسجد الاقصى وفي بيت لحم». ويبدو جليا أن مثل ذلك المنطق «البراغماتي» صار يكتسب المزيد من المؤيدين والأنصار، رغم ما يتردد عن رفض التطبيع تحت أي ظرف. ولعل التجربة الجديدة ستكون هنا بمثابة المرآة العاكسة لمدى التزام التونسيين الثابت بقضية فلسطين. كما أنها ستفيد في إخراج أبناء الطائفة اليهودية ولو بشكل نسبي من قوقعتهم، ومعرفة الكفة التي يرجحونها بين تونس واسرائيل. ومع انهم يفضلون السير إلى الان بخطى خجولة وغير مكشوفة للاعلام، فإن السؤال الملح هو إن كانت الكلمة النهائية ستؤول لعلاقاتهم وقدراتهم المالية الضخمة؟ أم أن المحدد الوحيد لتوجهات تونس وسياساتها سيبقى انتماؤها العربي والاسلامي الذي ثبته الدستور؟ المؤكد في كلا الحالتين هو انهم سيكونون مطالبين بأن يبذلوا جهدا اضافيا حتى يثبتوا من خلال تجربة رينيه أنهم يهود وطنيون وليسوا ابدا صهاينة في أثواب يهود. ومتى نجحوا في ذلك فإن الأبواب وليست الشبابيك ستفتح امامهم وعلى مصراعيها ليشاركوا بشكل أكبر وأوسع في صنع القرار السياسي للبلاد.
كاتب وصحافي من تونس
لنعيدها للمرة الالف السيد رونيه طرابلسي تونسي فى دولة تدعم كل يوم توجهها المدنى المثبت فى الدستور التونسي….يعنى السيد رونيه من حقه أن يكون حتى رئيس حكومة و ليس رئيس لأن هناك فصل فى الدستور هو فصل عنصري بامتياز يمنعه من ذالك لأن ديانته لست إسلامية….و هذا الفصل سيتغير طال الزمن او قصر لانه فصل تمييز عنصري لا اكثر و لا اقل ….و اذا كان سنطلب من السيد رونيه طرابلسي ….ان يثبت ولائه لتونس ووطنيته ويثبت انه لا يتبع الصهيونية العالمية ….فبنفس المنطق يجب على تابع الإسلام السياسي التونسي ان يثبت أيضا ولائه لتونس و يثبت انه ليس من اتباع الإخوانية العالمية و على اليسارى ان يثبت ولائه لتونس و يثبت انه ليس من اتباع البروليتارية العالمية و على القومجى العربانى ان يثبت ولائه لتونس و يثبت انه ليس من اتباع جزار دمشق مثلا ….و…..و….و….و ….و …آراء و مواقف و أعمال السيد رونية كلها تصب فى مصلحة تونس و قد اثبت وطنيته وولائه لتونس فهوى يعمل من أجلها ليل نهار و يجلب لها سنويا و منذ 20 سنة 300الف سائح و فى نفس الوقت بعض الخونة الارهابيين المجرمين يقتلون ضيوف تونس و يقتلون التونسيين أنفسهم من الابرياء إلى اليوم…….سيد رونيه ننتظر 9 مليون سائح فى السنة القادمة …تحيا تونس تحيا الجمهورية و لا ولاء إلا لها