برنامج صدمة اقتصادية يعيد طوابير الخبز والوقود في السودان

صلاح الدين مصطفى
حجم الخط
0

الخرطوم-“القدس العربي”:  تزداد الضائقة الاقتصادية في السودان يوما بعد يوم، ويجد المواطنون صعوبة كبيرة في الحصول على السلع والخدمات الأساسية، وعادت طوابير الخبز والوقود ومراكز صرف النقود، بعد تبني رئيس الوزراء، ورئيس المالية، معتز موسى لما وصفه بسياسة الصدمة!

وأوضح موسى في أول ظهور له، أن أمامه 400 يوم حتى انتخابات 2020 ليحقق أهداف برنامجه والمتمثلة في تحقيق الاستقرار الاقتصادي في السودان عبر برنامج صدمة قصير الأجل، يستهدف إصلاحا اقتصاديا وهيكليا شاملا، لمعالجة التضخم وسعر صرف العملة الحرة وإزالة التشوهات التي لحقت بالقطاع الاقتصادي.

ونفى أن تكون الصدمة التي يقصدها هي البرنامج الاقتصادي المعروف والذي أطلقه في خمسينيات القرن الماضي المفكر الاقتصادي الأمريكي ميلتون فريدمان، أهم مؤسسي مدرسة الليبرالية الجديدة، موضحا أن المقصود من الصدمة السودانية، هو السيطرة التامة على التضخم وسعر الصرف قبل إحداث أي تغييرات هيكلية. وأعلن أن موجهات موازنة عام 2019 تستهدف معالجة ندرة النقود والإبقاء على الدعم الحكومي للسلع والخدمات.

وأعلن موسى أن مجلس الوزراء سيجيز هذا الأسبوع حزمة متكاملة لإدارة السيولة، وأشار في لقاء عقدته وزارة الحكم المحلي مع مسؤولين حكوميين وحكام الولايات، أن الموازنة المقبلة هي ميزانية برامج شاملة وتشمل كافة مستويات الحكم.

وشدّد على أن السياسات الاقتصادية تهدف إلى تعزيز الإيرادات الحكومية التي لا تكفي نصف الرواتب حاليا، مؤكدا أن حكومته اتخذت سياسة مالية محكمة قوية مبنية على أسس ليس فيها مجاملة أو إمكانية لأي تسرب أو استثناءات، مؤكدا انتهاء عهد الإعفاءات الجمركية التي بلغ حجمها 63 في المئة.

ولتنفيذ هذا البرنامج أصدرت الحكومة السودانية العديد من القرارات التي فاقمت الأزمة الاقتصادية وظهر ذلك في ارتفاع أسعار السلع وندرتها وعودة الطوابير أمام نوافذ السلع والخدمات المهمة، واستهدفت القرارات بشكل مباشر ثلاثة مصادر للنقد الأجنبي، هي تحرير غير كامل لسعر صرف العملات الحرة وحددت آلية صنّاع السوق للدولار مقابل الجنيه، أما المصدر الثاني للنقد فيأتي من منح سعر عادل لشراء الذهب من قطاع التعدين التقليدي والمصدر الثالث هو تحفيز المغتربين لتحويل مدخراتهم بأسعار مجزية.

ويقول المحلل الاقتصادي محمد الناير محمد النور، أن التحرير الجزئي لسعر الصرف عبر آلية صنّاع السوق وفّر مبلغ 230 مليون دولار في أقل من شهر، موضحا أن المبلغ كان في الإمكان أن يكون أكثر من مليار دولار في هذه الفترة، مشيرا إلى أن الحكومة اتخذت الإجراءات الخاصة بتعديل سعر الصرف ولم تتخذ الإجراءات الدائمة التي تؤمّن نجاح هذه السياسات بصورة كبيرة، مؤكدا أن البطء في دعم المصادر الثلاثة السابقة مؤشر على اتساع الفجوة بين السوق الرسمي والموازي وأن تأخر اتخاذ التدابير اللازمة يؤدي لآثار سلبية.

وطالب الناير بضرورة إزالة العقبات التي تعترض الصادرات غير البترولية والمتمثلة في الرسوم غير القانونية التي تفرض على هذه المنتجات في أكثر من عشرين نقطة بين مواقع الإنتاج وموانئ التصدير للخارج، وبالنسبة للذهب يرى أن يتم إنشاء بورصة بدلا من إصرار بنك السودان على شراء الذهب بنفسه بكلفة تصل إلى (4-5) مليار دولار، مع تحفيز المغتربين لكسب تحويلاتهم عبر الإعفاء الجمركي لسياراتهم للاستعمال الخاص وتوفير وحدات سكنية لهم بأسعار مناسبة وأقساط مريحة.

واستعرض الناير العديد من التحديات التي تواجه موازنة 2019 وعلى رأسها وجود كادر بشري مؤهل ومدرب في الإعداد والتنفيذ، وأن تكون الموازنة شاملة للمركز والولايات والمحليات، موضحا أن إعلان الحكومة الانتقال للمعاملات الإلكترونية في كل المعاملات النقدية ابتداء من العام المقبل يتطلب إعادة الثقة المفقودة بين المصارف وعملائها، وتجهيز البنية التحتية للازمة لإنجاح هذه الخطوة والتي وصفها بالمهمة، وطالب بإزالة العقبات من خلال ترتيبات إدارية تنهي ظاهرة الصفوف في المخابز ومحطات الوقود وأمام صرافات النقود. ووصف القرار القاضي بأن يتم توثيق المعاملات التجارية في قطاعي العقارات والسيارات عن طريق الشيك بدلا من العملات النقدية بأنه جيد، لكنه جاء في توقيت غير سليم.

وامتدح الكاتب الصحافي ورئيس التحرير السابق لجريدة “الصحافة” ابراهيم الصديق، الإجراءات الاقتصادية الجديدة وتفاءل بنجاحها، موضحا أهم ميزاتها والمتمثلة في أنها حزمة متماسكة، حيث تم إعلان سياسات الصادر والوارد، وشهادة بريق الخاصة بالذهب، وتوقع خلال أيام أن تعلن سياسات اقتصادية كلية، وأوضح الصديق، أن هذه الإجراءات تستند إلى الموارد السودانية، وحسن توظيفها والاستفادة منها، وكيفية الاستفادة من الإنتاج الزراعي والحيواني، والمعادن في باطن الأرض والبحر والفرص الاستثمارية، مشيرا إلى أن حركة رئيس الوزراء جاءت في مجال الإنتاج وتعزيز الإنتاجية، ودلل على فرص نجاح هذه الحزمة بوجود إرادة وعزم، مضيفا أن من أهم القرارات ضبط المؤسسات الحكومية والشركات، وبعضها ربما تضطره الظروف في أوقات سابقة لشراء العملات الصعبة من السوق السوداء، حيث تم تحويل كل حسابات هذه المؤسسات إلى بنك السودان.

لكن الكاتب الصحافي محمد وداعة، أوضح أن القرارت الأخيرة أحدثت ضررا بالغا بالاقتصاد والمواطن، وتمثل ذلك الضرر في حياة السودانيين التي تحولت إلى جحيم على حد تعبيره، منوها إلى ارتفاع سعر الدولار من 18جنيها إلى أكثر من 47 جنيها مع وجود أزمة طاحنة في السيولة عطّلت كل مناحي الإنتاج في البلاد وتحوّلت العملة من وسيلة للتبادل التجاري إلى سلعة تحمل عدة إسعار في وقت واحد.

وانتقد وداعة قرار التعامل الكترونيا في كل المعاملات المالية الخاصة بالدولة ابتداء من شهر كانون الثاني/يناير المقبل وذلك بسبب عدم وجود بنية تحتية كافية وأضاف: “السودان لا يعني ولاية الخرطوم فقط والتي تعاني في أطرافها من ضعف شبكة الإنترنيت وهناك أربع ولايات فقط تتمتع بالخدمات الجيدة في هذا المجال”.

وعن مدى قدرة الحكومة على توفير السلع والخدمات بعد اتخاذ القرارات الأخيرة، يقول أن الحكومة لا تملك المال، لذلك هي غير قادرة على توفير السلع والخدمات، مشيرا إلى أن الوضع الجديد أدى لوجود سوق سوداء موازية في العديد من السلع والخدمات المهمة بعد أن كانت محصورة في سلعة واحدة، مؤكدا وجود أسعار مختلفة للسلعة الواحدة حسب البيع بالنقد الحاضر أو الشيك المعتمد أو الشيك الآجل.

وبجانب القرارات الاقتصادية تقوم الحكومة بحملات أمنية تستهدف القضاء على الفساد، وشنت ما سمته بـ”الحرب على القطط السمان” الذي استهدف العديد من الذين كانوا في السلطة في مستوياتها المختلفة وأسفرت الحملة حتى الآن عن محاكمة ضابط أمن سابق وعقد تسوية مالية مع رجل أعمال.

وفي هذا السياق أعلن صلاح عبد الله قوش، المدير العام لجهاز الأمن والمخابرات الوطني في السودان عن رؤية واضحة للخروج من الأزمة الاقتصادية.

وأوضح قوش في احتفال مع ختام برنامج تدريبي في الجهاز وجود ترتيبات مهمة في كل المؤسسات الاقتصادية لإغلاق الباب أمام الفساد والتلاعب بموارد الدولة.

 ويشتكي المواطنون من ارتفاع كبير في أسعار السلع الأساسية والمواد الغذائية مثل الزيوت، والسكر واللحوم الحمراء والبيضاء، والأرز، والعدس والشاي، واللبن البودرة والخضراوات ومنتجات الألبان، وغاز الطبخ وتستمر الأسعار في التصاعد بشكل يومي.

وارتفعت أسعار الخبز لتبلغ جنيها للقطعة الواحدة مع خفض الوزن والجودة وعدم توفر الخبز، وتقول الحكومة إنها تدعم رغيف الخبز يوميا بشكل مباشر بمبلغ 25 مليون جنيه، الأمر الذي لا يستوعبه الكثير من المواطنين لإرتفاع سعره وصعوبة الحصول على الاحتياج اليومي من هذه السلعة المهمة.

 وبلغ التضخم في البلاد 68 في المئة لشهر أيلول/سبتمبر، وهو واحد من أعلى المعدلات في العالم. ويعاني السودان من أزمة اقتصادية طاحنة ظهرت بعد انفصال دولة الجنوب التي تحتوي على ثلاثة أرباع آبار النفط، مما أدى لضغوط كبيرة على حكومة البشير، خاصة بعد أن رفعت الدعم عن المحروقات عام 2013 الأمر الذي أدى لثورة شعبية تم قمعها بالقوة.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية