جريمة خاشقجي.. الروايات السعودية من الإنكار إلى الإقرار

حجم الخط
1

أنقرة : سلسلة طويلة من الروايات السعودية الرسمية المتضاربة، بدءًا من الإنكار وصولاً إلى الاعتراف والإقرار؛ في قضية مقتل الصحافي، جمال خاشقجي، داخل قنصلية المملكة في إسطنبول.
الرواية الأولى للحادثة، التي وقعت في الثاني من أكتوبر/تشرين أول الماضي، زعمت أن خاشقجي خرج من مبنى القنصلية بعد فترة قصيرة من دخوله، مؤكدةً عدم تحمّل الرياض أية مسؤولية عن اختفائه.
إلا أن تلك الرواية لم تصمد طويلًا، إذ تغيّرت بعد أيام إلى الاعتراف بمقتله نتيجة “شجار” مع مبعوث رسمي، وتسليم جثته إلى “متعاون محلي”.

وبعد مرور شهر ونصف على وقوع الحادثة، ونتيجة لضغوط دولية وأدلة أعلنت أنقرة امتلاكها على دفعات، أقرت الرياض، الخميس، بمقتل خاشقجي وتقطيع جثته إلى أجزاء داخل مبنى القنصلية.

إلا أن كلًا من تلك الروايات، وغيرها، الرسمية والمسرّبة للإعلام، اتسمت بالتناقض، ودحضت كل منها سابقاتها تمامًا، واضطرت المملكة في كل مرة إلى تغيير سرديتها لتتسق مع ما تعلن عنه أنقرة من تفاصيل جديدة للجريمة.

تلك الروايات، الرسمية والمسرّبة للإعلام، اتسمت بالتناقض، ودحضت كل منها سابقاتها تمامًا، واضطرت المملكة في كل مرة إلى تغيير سرديتها لتتسق مع ما تعلن عنه أنقرة من تفاصيل جديدة للجريمة

ولكن حتى اليوم، ما تزال هنالك إشارات استفهام حول مصير جثة خاشقجي، والجهة السياسية التي أصدرت أوامر قتله، و”المتعاون المحلي” الذي قالت الرياض في إحدى رواياتها إنه جرى تسليم الجثة إليه.

في أول تصريح بشأن الحادثة، بعد 3 أيام من وقوعها، قال ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، إن خاشقجي خرج من مبنى القنصلية بعد دقائق “أو ربما ساعة” من دخوله.

أما شقيق ولي العهد سفير الرياض لدى واشنطن، الأمير خالد بن سلمان، فقد رفض جميع المزاعم المتعلقة بإخفاء خاشقجي أو قتله بعد دخوله مبنى القنصلية.

اللافت في الأمر أن الرياض وتزامناً مع تأكيدها على خروج خاشقجي من القنصلية، أشارت إلى أن كاميرات المراقبة التابعة للقنصلية لم تكن تعمل في ذلك اليوم.

لاحقاً، فتح القنصل العام السعودي بإسطنبول محمد العتيبي، أبواب المقر لمراسلي وكالة “رويترز”، في محاولة لإثبات عدم وجود خاشقجي داخل المبنى.

إثر ذلك، أعلنت المصادر الأمنية التركية أن 15 مواطناً سعودياً تواجدوا في القنصلية قبيل دخول خاشقجي.

حتى اليوم، ما تزال هنالك إشارات استفهام حول مصير جثة خاشقجي، والجهة السياسية التي أصدرت أوامر قتله، و”المتعاون المحلي” الذي قالت الرياض في إحدى رواياتها إنه جرى تسليم الجثة إليه

وعقب إعلان الرياض استعدادها التعاون مع السلطات التركية للكشف عن ملابسات الحادثة، وصل فريق سعودي إلى إسطنبول بعد أسبوعين من الحادثة، ودخلوا مبنى القنصلية برفقة فريق تركي.

تزامن دخول فريق العمل المشترك إلى مبنى القنصلية مع مغادرة “العتيبي” البلاد، مستغلاً حصانته الدبلوماسية.

وفي اليوم نفسه، استقبل العاهل السعودي، الملك سلمان بن عبد العزيز، وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو، في الرياض.

ورغم إعلان وكالة الأنباء الرسمية أن الجانبين لم يتطرقا إلى حادثة خاشقجي، إلا أن بومبيو أكد لاحقًا عكس ذلك.

أما الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، فقد أعلن عبر حسابه على “تويتر” أنه أجرى اتصالاً هاتفياً مع محمد بن سلمان، الذي أكد له عدم علمه المسبق بما جرى.

وبعد إنكار استمر 18 يوماً، اضطرت المملكة أخيرًا إلى الاعتراف بأن خاشقجي قُتل إثر شجار داخل القنصلية ونتيجة جريمة مخطط لها مسبقًا، إلا أنها لم تكشف عن مصير جثته، معلنة توقيف 18 شخصًا على صلة بالجريمة.

الاعتراف تبعه إعفاء 5 مسؤولين في البلاد من مناصبهم، أبرزهم نائب رئيس الاستخبارات العامة أحمد عسيري، والمستشار في الديوان الملكي سعود القحطاني، بموجب مرسوم ملكي صدر منتصف الليل.

ونص المرسوم الملكي أيضاً على تشكيل “لجنة استخباراتية عليا” برئاسة ولي العهد، مهمتها الحيلولة دون تكرار حوادث كهذه.

أما وزير الخارجية عادل الجبير، فقد جدد التأكيد في اليوم التالي أن الأمير بن سلمان “لم يكن على علم بما حدث وهو غير مسؤول عنه”.

التصريحات السعودية المتتابعة لم تقدم إجابات شافية للمجتمع الدولي الذي واصل ضغوطه للحصول على تفاصيل أكثر، وضرورة دعم الرواية الرسمية بمعطيات وأدلة.
بدوره، طالب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، خلال كلمة له أمام كتلة حزبه البرلمانية، السعودية بتقديم إجابات لأسئلة من قبيل: لماذا جاء السعوديون الـ15 إلى إسطنبول في نفس اليوم الذي وقعت فيه الجريمة؟ ومن أصدر الأوامر؟ ولماذا لم يتم السماح بإجراء تفتيش وتحريات داخل مبنى القنصلية إلا بعد مرور أيام على الحادثة؟ وما هو مصير الجثة؟ ومن هو المتعاون المحلي؟

البارز في الخطاب، كان مطالبة أردوغان بمحاكمة الموقوفين الـ18 في السعودية أمام محاكم إسطنبول، نظراً لوقوع الحادثة على الأراضي التركية.

لاحقاً، أوفدت السعودية نائبها العام سعود المعجب، إلى تركيا، والذي التقى بدوره مع عرفان دمير، نائب عام إسطنبول المكلف بالتحقيق في حادثة خاشقجي.

إلا أن تحريات المعجب ومباحثاته مع دمير لم تسفر عن أي تقدم في التحقيقات، ولم تجب عن التساؤلات، الأمر الذي أشارت إليه النيابة العامة بإسطنبول في بيان أكدت فيه عدم تعاون الجهات السعودية؛ رغم إظهار الجانب التركي النية الحسنة.

وكشفت النيابة العامة التركية في البيان نفسه عن تفاصيل جديدة حول الجريمة، إذ أشارت أنه قُتل خنقاً عقب دخوله مبنى القنصلية مباشرة.

آخر روايات الرياض، أعلن عنها المتحدث باسم النائب العام السعودي، شعلان الشعلان، الخميس، وتضمنت اعترافات دحضت جميع الروايات السابقة.

وفي مؤتمر صحافي عقده في الرياض، أقر الشعلان بمقتل خاشقجي داخل مبنى القنصلية إثر حقنه بجرعة مخدرة أدت إلى وفاته، ومن ثم تقطيع الجثة ليتم إخراجها من المبنى وتسليمها إلى “متعاون محلي” دون ذكر اسمه.

وأضاف الشعلان أن نائب الاستخبارات العامة السابق، أحمد عسيري، أصدر أوامر بتشكيل فريق لإقناع خاشقجي بالعودة إلى المملكة.

وأوضح أن النيابة العامة أحالت 11 متهماً إلى المحكمة، فيما طالبت بإعدام 5 أشخاص منهم لتورطهم بالجريمة، إلا أنه لم يذكر أسماء أي من هؤلاء.

ونفى المتحدث أن يكون لولي العهد السعودي أي علم بالحادثة، مشيرًا أن المستشار السابق في الديوان الملكي، سعود القحطاني، من بين الخاضعين للتحقيق.

وبحسب رواية الرياض الأخيرة، فإن عسيري أمر رئيس “فريق التفاوض” بإقناع خاشقجي بالعودة إلى المملكة، واستخدام القوة في حال رفض ذلك، وبأنها رسمت صورة تقريبية لـ “المتعاون المحلي”، على أن يتم تسليمها إلى السلطات التركية قريباً.
ورغم كل ذلك، تبقى الأسئلة حول مصير الجثة، والجهة التي أصدرت أوامر القتل، والمتعاون المحلي، عالقة دون أجوبة شافية، وما تزال الصحافة الدولية تشكك، وتترقب صدور رواية جديدة تدحض الأخيرة.

(الأناضول)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول alaa:

    الآن وبعد مضي هذآ الوقت وظهور الحقيقة والفضيحة المجلجلة للعالم أجمع واجب علي كل حكومات العالم محاكمة القاتل ..

إشترك في قائمتنا البريدية