الأردن: مشروع ميزانية بـ «نكهة سياسية» يؤدي لاستقالة موظف كبير والرزاز في مواجهة «الشبح الأخطر»… «الاستعصاء البيرقراطي»

بسام البدارين
حجم الخط
0

عمان- «القدس العربي»: واجه رئيس الوزراء الأردني الدكتور عمر الرزاز خلال اليومين الماضيين نمطاً من صياغات «الاستعصاء البيروقراطي» الذي طالما حذر منه وتوقعه منذ تولي مسؤولياته في شهر أيار/مايو الماضي. هنا برز المشهد التالي: يقرر موظف كبير برتبة مدير عام معني بإعداد الموازنة المالية الامتناع عن حضور اجتماعين دعي إليهما في مقر رئاسة الوزراء، ثم يستقيل الرجل من موقعه بعدما أصر الرزاز على مراجعة مشروع الموازنة المالية وفقاً للتعهدات العلنية التي أدلى بها للناس.
الرزاز كان قد تعهد أمام البرلمان بـ «مشروع ميزانية مختلف» شارحاً أن المشروع الذي سيتقدم به للعام 2019 لن يشبه الإطار التقليدي، حيث ستراعي الميزانية الأولويات الوطنية وتخفض النفقات، وتلك الأولويات سترتبط بما يسمى مشروع «النهضة الوطني». ولأول مرة تماماً يتحدث رئيس حكومة عن الميزانية المالية بصفتها «كائناً حياً وسياسياً» وليست مجرد أرقام لا يمكن إعادة إنتاجها.
بالنسبة للمستوى البيروقراطي المحلي.. فهذه لغة جديدة تماماً يقول الرزاز إنها «ممكنة وفعالة وينبغي أن تتسيد» والإطار البيروقراطي، ويقول إنها «غير واقعية» لا بل «شعبوية» على الأرجح. وسأل الرزاز مبكراً نائبه المخضرم الدكتور رجائي المعشر عن أي أسباب يعرفها أو لا يعرفها تجعل ما يريده عن «تعديل» في شكل وصيغة بناء ميزانية عامة تقدم للبرلمان مستحيلاً أو صعباً. وكانت إجابة المعشر بالنفي، وبالتالي تقرر..«على بركة الله»، وصدرت توجيهات باستدعاء الطاقم المعني وتدشين اجتماعات فنية للتنفيذ لأن حكومة الرزاز تريد الالتزام بما تقوله للناس.
المدير العام المعني ببناء الميزانية المالية، الدكتور محمد الهزايمة، دعي إلى اجتماعين ولم يحضر ثم أعلن استقالته، حسب بيان أصدره وزير المالية عز الدين كناكرية، مساء السبت. فكرة الهزايمة أن تصور الرزاز عن بناء ميزانية بأولويات جديدة «غير واقعية» وأن الفرصة للتعديل غير ممكنة قبل العام المقبل وبوقت مبكر، لأن السقف الزمني الدستوري لا يسعف طاقمه بإعادة الصياغة أولاً، ولأن المسألة ينبغي أن تبحث بتعمق ثانياً.
وحاول إقناع غرفة القرار الوزارية المعنية برأيه، وقرر «الانسحاب» في خطوة بيروقراطية لا يمكن الاعتراض عليها وباحترام. سلوك الهزايمة يبدو مقبولاً ومحترماً، لكنه ينتج الإشارة الأهم على بروز وجهتي نظر اليوم في الشبكة البيروقراطية الأردنية التي باتت تظهر. الأولى متعلقة بالطريقة التي يفكر فيها الرزاز على أساس.. «حان وقت التغيير» و«ينبغي أن نمضي إلى الأمام». والثانية متعلقة بالاستعصاء والمقاومة العكسية، حيث ينظر البيرقراطيون أصلاً للرزاز باعتباره «من خارج النادي» أو «يبالغ في مخاطبة الشارع فقط»، أو «يستعجل التغيير ويتعسف في التعليمات». قدم الرزاز قرينة لمن يقيم تجربته على تلك الأسس عندما أوفد وزير الثقافة محمد أبو رمان لزيارة الأمين العام «المفتري قانونياً» الدكتور يونس قنديل في المستشفى بعد حادثة اختطاف تبين أنها كيدية وغير صحيحة، في الوقت الذي لم يقرر فيه المستوى الأمني المتابع موقفه، وبعدما قرر أصلاً بيرقراطيٌّ عريق من وزن وزير الداخلية سمير مبيضين منع ندوة كان يخطط لها قنديل ومنظمته بعنوان «ميلاد الله».
في كل حال، تلك ليست قرينة بالقوة اللازمة للتحدث عن «خلافات» يبدو أنها تتسع وأكبر مما يتوقعه الجميع بين «الطريقة التي يفكر فيها الرزاز» وموظفي الصف الأول من كبار البيرقراطيين الذين- ووفقاً لتعبير دارج وقديم للوزير المخضرم عبد الإله الخطيب- «يشعرون بالقلق عندما يطلب منهم أشياء لا يفعلونها بالعادة».
السياسي الكبير عبد الهادي المجالي كان يقول لـ «القدس العربي» في لقاءات عدة إن لدى «التغيير والإصلاح» صنفين من المقاومين العكسيين؛ الأول يعرف ما الذي يريده ويفعله، والثاني «لا يعرف» كيفية ممارسة الإصلاح والتغيير بيرقراطياً. على نحو أو آخر يمكن القول إن الرزاز قد يكون اليوم في المرحلة التي يتحدث عنها المجالي، خصوصا أن الشبكة البيرقراطية تهضمه أصلاً بصعوبة، لأن إعادة إعداد وكتابة مشروع ميزانية مالية مع تعديلات يفترض أن يكون «طلباً ممكناً وبسيطاً» من رجل يعتبره الدستور صاحب القرار التنفيذي الأول. مثل هذا الطلب ينبغي ألا يثير الضجيج الذي حصل بعد استقالة الدكتور الهزايمة، وأن كان الأخير حاول الانسحاب بـ «هدوء».
لكن هذه المواجهة البيرقراطية توحي ضمنياً بأن الرزاز بدأ يواجه «الشبح» الأكثر لمخاوفه العملية والسياسية. وهو التصلب والاستعصاء، وأحياناً التمرد البيروقراطي، حتى وإن كان على أساس ركوب موجة تزعم الوطنية أو تدعي «الحفاظ على الدولة» أو تحاول الاستثمار في أي مساحة يمكن أن توفرها حالة مناكفة ومعارضة لحكومة مثل وزارة الرزاز.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية