وأين بقية الإرهابيين والقتلة؟

منذ ما يزيد عن الشهر يستقبل أحمد أويحيى، مدير مكتب الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، ضيوفا في مجموعات وفرادى ويعقد معهم اجتماعات عمل.
تسمى اللقاءات في خطاب السلطة الجزائرية واللغة الإعلامية المحلية، «مشاورات سياسية خاصة بتعديل الدستور بتكليف من رئيس الجمهورية». أما الضيوف فيُصنَّفون قادة أحزاب وقادة رأي وشخصيات وطنية يـُفترض أن لها حضورا وتأثيرا في تخصصها. والهدف من اللقاءات الاستماع إلى اقتراحاتهم وأرائهم لإثراء الدستور الجديد الذي سيخرج للعلن قبل نهاية هذه السنة.
في العشرين من حزيران/يونيو الماضي، أي الأسبوع الثالث من «المشاورات السياسية»، أي في منتصف الطريق تقريبا، عقد أويحيى مؤتمراً صحافيا تباهى فيه بأرقام ونوعية «من لبَّوا دعوة الرئيس بوتفليقة وحضروا المشاورات السياسية». ثم مضى منتقداً بحدة، كعادته، كل من أبدى رأيا معارضا لـ»المشاورات السياسية» أو انتقدها أو رفض حضورها. علماً أن طيفا واسعا من المعارضة ومكونات النسيج السياسي الجزائري رفضت دعوة المشاركة في الاجتماعات أو تقديم اقتراحات. ولولا حضور جبهة القوى الإشتراكية، في شذوذ غريب وغامض عن مواقفها التقليدية، لكانت تلك «المشاورات» كمن يتحدث لنفسه في مرآة.
ببساطة، لأن الأغلبية المطلقة من المشاركين يشكلون التوليفة التقليدية التي أحاطت بنظام الحكم ودافعت عنه واستفادت منه في العشرين سنة الأخيرة. في المقابل، ارتكز النظام عليها وتمكن بفضلها من إطالة عمره إلى حد الوهن والشلل.
وعلاوة على أن بعض المشاركين بصفتهم «شخصيات وطنية»، مكانهم الطبيعي هو السجن لو كان في البلد عدل وإنصاف، مثل واحد تزعم الجيش الإسلامي للإنقاذ، وحضر بصفته شخصية وطنية، يحق للمرء أن يتساءل: ماذا يمكن أن تقدّم سيدة ترأس الاتحاد العام للنساء الجزائريات منذ أكثر من عقد ونصف؟ وماذا يقدم رجل يرأس الاتحاد العام للعمال الزائريين منذ ثماني عشرة سنة، وقاده بجدارة نحو الإفلاس؟ وكيف يجوز الفصل بين عبد القادر بن صالح رئيس مجلس الأمة (الغرفة الثانية في البرلمان، والرجل الثاني في الدولة) وبن صالح رئيس التجمع الوطني الديمقراطي. في ماذا يختلف بن صالح رئيس المجلس عن بن صالح رئيس التجمع الديمقراطي؟ وماذا سيقدّم رجل انشق عن «حركة مجتمع السلم» (إسلامية) وأسس حزبا لا يملأ عدد أعضائه مجتمعين صالة سينما؟
تلكم عينة هناك أسوأ منها. وهذه لمحة عن طريقة إدارة «المشاورات السياسية» ونماذج عن الشخصيات التي يـُعوَّل عليها في صياغة الدستور الجزائري، ويفرض وجودها طرح أسئلة عن مقاييس اختيار «الشخصية الوطنية» وتعريفها.
بالمقاييس المتبعة والتي أفرزت ذلك المحفل الذي يتابع الجزائريون فصوله كل مساء في نشرات أخبار التلفزيون الحكومي، الشخصية الوطنية هي التي يرضى عنها نظام الحكم وترضى بأن تكون مقرَّبة إليه وتعرف كيف تستفيد منه. وهي التي يشاهدها الناس في شاشات التلفزيون الحكومي بكثرة لأنها مرضي عنها. وهي التي تقود حزباً مجهريا أو جمعية أو تنظيما تطلقه السلطة فتدعمه وترعاه ماليا وسياسياً وإعلامياً. وهي التي «ألحت» على الرئيس بوتفليقة كي يترشح من البداية، ثم واصلت «إلحاحها» في كل مرة إلى أن ينهي حياته رئيسا. وهي التي قبله «ألحت» على الرئيس اليمين زروال كي يترشح، وقبله محمد بوضياف، وقبله الشاذلي بن جديد. هي التي تلعب الدور نفسه وتكرر الخطاب نفسه عشرين أو ثلاثين سنة، مهما تغيّر اسم الرجل الذي يأتي به صنّاع القرار ويسوقونه كمنقذ ومخلـّص للناس والبلاد.
هل تستحق السلطة فعلا أن تستمع لاقتراحات رؤساء اتحادات العمال والنساء والفلاحين وأبناء المجاهدين، وقادة أحزاب موجودة على الورق فقط؟ قبل ذلك، ما هي الأفكار الجادة التي بإمكان هؤلاء أن يفيدوا بها وتكتّموا عنها إلى اليوم؟ وقبل كل شيء، بماذا تميَّز هؤلاء عن بقية الجزائريين حتى يـُستمع إلى أرائهم ويحتلون مساحات في التلفزيون تضاف إلى ما يحتلون في بقية أيام السنة، وإلى ما يقولون بمناسبة وبدونها؟
بهذا المنطق الأعوج، سيكون من حق الأخضر بلومي ورابح ماجر ورفاقهما أن يطالبوا بنصيبهم في «المشاورات السياسية» باعتبارهم شخصيات وطنية. هم على الأقل أفرحوا الجزائريين في ملاعب الكرة المحلية والإفريقية والعالمية طيلة سنين. وسيكون من حق الشاب خالد أن يطالب بصفة «شخصية وطنية»، لأنه أوصل اسم الجزائر وأغنيتها إلى المكسيك غربا واليابان شرقا. وسيكون من حق عبد المؤمن خليفة أن يطالب بالصفة ذاتها لأنه تحوّل إلى رجل أعمال عالمي مستفيداً من فساد منظومة الحكم الجزائرية وخرابها. وسيكون من حق شكيب خليل أن يطالب بذات الصفة لأنه أفلت من الشرطة والعدالة ودخل التاريخ على طريقته.
بهذا المنطق الأعوج، لماذا لا يـُدعى إلى الرئاسة للمشاركة في «مشاورات تعديل الدستور بتكليف من الرئيس بوتفليقة» حسن حطاب وعبد الحق العيادية ورفاقهما بصفتهم مؤسسي وقادة تنظيم إرهابي قتل آلاف الجزائريين وتسبب في تشريد ومعاناة الملايين خلال تسعينيات القرن الماضي؟ من حق العيايدة وحطاب وبقية الإرهابيين والقتلة أن يطالبوا بأن يـُعاملوا مثل مدني مزراق وأن تكون لهم مساهمتهم في الدستور الجزائري المنتظر.
هذه ليست سوريالية، بل دعوة منطقية تنسجم مع مسلسل الإفساد الذي تعشقه هذه السلطة وترفض تركه.

٭ كاتب صحافي جزائري

توفيق رباحي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية