البراق المغربي

تحقق أخيرا المشروع السككي الثوري الذي طال انتظاره في المغرب. قطار فائق السرعة يطوي في ساعتين وربع الساعة المسافة الفاصلة بين طنجة والدار البيضاء، بعد أن كان يتطلب قطعها أربع ساعات وخمس وأربعين دقيقة على السكة العادية.
قطار من طراز الذي ينقلني من ليون إلى باريس، سأتشرف بالركوب في متنه خلال رحلاتي المقبلة إلى المغرب.
«حلم تحول إلى حقيقة» صرح هذا المواطن عبر أثير الإذاعة هذا الصباح، «في وقت بات فيه احترام القطارات لمواعيدها أمرا ميؤوسا منه» يضيف آخر، بينما يترقب ثالث انقشاع غيوم منطقة مازالت ضبابية، تدعى كلفة التذاكر (التي سيعلن عنها بعيد انتهائي من كتابة هذا المقال).
يقول المثل: «في التأني السلامة وفي العجلة الندامة» والتأني هنا تمثله مدة المشروع التي دام مخاضها أكثر من عشر سنوات، أما السلامة، فصارت هذه المرة ملاذا للعجلة، العجلة المشروعة التي يجيزها التقدم التكنولوجي. فما أقدر العجلة، متى كانت مرجعا لمحاسن السرعة لا مساوئها، على إطلاق دعوة للمضي قدماً.
هذه الدعوة، تلقفها المغرب فصنع الحدث فنال قصب سبق إفريقيا في اختزال المسافات، وتخطي الحدود بأنواعها ليجعل من سجله في الحداثة نموذج مثابرة لا تكل ولا تمل في خدمة التوفيق بين الأصالة والمعاصرة.
لقد اخترع البراق المغربي العجلة. وإن لم يخترعها طبعا على سبيل من نداعبه عندما نستعمل هذا التعبير في معناه المجازي، فكأنه يجبرنا على استخدام العبارة في اتجاه لا يعتاده السماع اللغوي، وكيف لا فهو خرق العادة !
لقد اخترع البراق المغربي العجلة حقا في النقل السككي في إفريقيا وبذا خلق ثورة. ثورة نشأت في قلب زماننا المعولم، فجسدت هويتها المعولمة. والتداعيات واضحة: قطار فائق السرعة يصل رئتي المملكة الاقتصاديتين ببعضهما ليجسد ثلاثة أعمدة تشكل قوائم المثلث العولمي: التنقل، التواصل والتبادل، والمقبل في الطريق…
المقبل، اسمه مراكش وأكادير، اللتان طالما قيل لي أيام طفولتي في المغرب «إنهما تقعان خارج المدار السككي إلى الأبد»: فمراكش تصلها حافلة المكتب الوطني للسكك الحديدية أصلا، ولن يضاف إلى المسار الطرقي مسار سككي بأي حال من الأحوال، أما أكادير (وقد كانت مدينتي آنذاك) «فأسقطها من المعادلة تماما فـ «تضاريس الجغرافيا» لا تسمح بإقامة خط للسكك الحديد تربطها بباقي مدن المملكة البتة. غيّر البراق صورة الرحلة في المغرب كما غيّر صورتها في الخارج.وجاء لينقض المثل الشائع فجرد «الندامة» عن العجلة ليجعل منها منارا للتنمية.

باحث وأكاديمي فرنسي

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول أسامة حميد- المغرب:

    “مراكش وأكادير، اللتان طالما قيل لي أيام طفولتي في المغرب «إنهما تقعان خارج المدار السككي..”
    تصويب: السكة الحديدية تصل لمدينة مراكش منذ عشرات السنين.

  2. يقول Pierre-Louis Reymond:

    تصويب السكة تصل مراكش منذ عشرات السنين و يجب قراءة السكة الخاصة بالقطار فائق السرعة. شكرا لمن صوب هذا الخطأ الذي طرأ مني.

إشترك في قائمتنا البريدية