بن سلمان قد يزور عمان قريباً بعد «همسة» من أبو ظبي والأردن يقرر تجريب «التحليق» مجدداً في فضاء المحور السعودي

بسام البدارين
حجم الخط
0

عمان – «القدس العربي»: أحد ما وضعها وهمس بها في أذن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان.. «جولتك الجديدة في المنطقة ينبغي أن تشمل عمّان أيضاً».
على الأرجح تلك «نصيحة» ثمينة من أبو ظبي التي حظي ولي عهدها الشيخ محمد بن زايد مؤخراً بما لم يحظ به أي زعيم عربي تاريخياً، وهي تسمية إحدى أهم كتائب الجيش المعنية بالقوات الخاصة الأردنية باسمه. حسناً.. تلك المعطيات سياسياً تدلل على «فتح صفحة جديدة»، أو بمعنى آخر «محاولة» فتح صفحة جديدة.
هي أقرب سياسياً لصيغة «هيا بنا نعيد تشغيل العداد من الصفر»، فالسعودي الإماراتي «يتهم» الأردني بأنه لا يشارك في حفلة «تدمير اليمن»، ويجري اتصالات مع المحور القطري – التركي المخاصم.
والأردني يتهم السعوديَّ خلف الكواليس أولاً بمزاحمته في ملف القضية الفلسطينية وتحديداً «الولاية» على القدس، وثانياً بتجاهل مساعدته مالياً واقتصادياً، كما «يعاتب الإماراتي» اقتصادياً واستثمارياً، ومؤخراً يلمح إلى دوره في رعاية منظمة باسم «مؤمنون بلا حدود» حاولت العبث في الداخل الأردني.
التسريبات الواردة من العاصمة الأردنية صباح الثلاثاء تتحدث عن استقبال الأمير السعودي المثير للجدل، الأسبوع المقبل، ضيفاً من الوزن الثقيل على عمان للحفاظ على «تحالفات المحور». يحصل ذلك بعد استقبال بن زايد في عمان وتكريمه بما لم يحظ به غيره.
ثم بعد استقبال بن سلمان – إذا اكتمل مشواره وتوقف على المحطة الأردنية – يمكن القول بأن الفرصة متاحة لتوجيه الرسالة الأردنية الأهم التي تقول إن «عمان لا تخطط أصلاً لمغادرة المحور ولا ترغب حتى إن استطاعت».
تلك رسالة نوقشت بعمق خلف الستائر العليا في الأردن، وتقرر عدم التمسك بأي خلاف مع الطرفين الإماراتي والسعودي قائم أصلاً، والتعامل بإيجابية، خصوصاً أن الظروف المالية للخزينة «صعبة بصورة معقدة جداً».
ولكن القرار إياه اقترن بصيغة حذرة تمتنع عن إظهار الكثير من الحماسة والرهان مع أي محاولة للعودة في مستوى «التمحور»، خصوصاً أن موقف الأردن متقدم جداً جداً ليس في مجال الحرص على «استقرار المملكة العربية السعودية» فقط، إنما في عدم إظهار أي تعاطف رسمي من أي نوع مع الضحية في جريمة اغتيال الإعلامي السعودي جمال خاشقجي.
لاحظ برلماني أردني أمام «القدس العربي» أن «الحميمية» في استقبال بن زايد وتسريبات استقبال ابن سلمان – الذي قالت صحيفة «عمون» إن مقدمته في التشريفات وصلت فعلاً، لاحقاً- قد تزامنت مع رسالة بيروقراطية أردنية عبثية وقديمة من طراز «فرض ضرائب ورسوم على المنتجات التركية».
التقط وزير التجارة والصناعة الأردني، الشاب والجديد طارق الحموري، ما تغمز به القنوات الخلفية وأوصى بفرض الرسوم على البضائع التركية لكي يعلن ضمنياً للرياض ومحورها بأن الاتفاقية التجارية الحرة التي يناضل التركي من أجل بقائها على قيد الحياة مع الأردن «توفيت»، وقرار الحموري عملياً أصدر شهادة الوفاة.
لا يمكن لذلك أن يحصل بالصدفة.. يؤكد ناشط وفاعل سياسي من وزن مروان الفاعوري أمام «القدس العربي» وهو يعيد التذكير بضرورة تقييم وتشخيص المصالح الوطنية الأردنية بصورة دقيقة في مجمل الأحوال، خصوصاً وأن الأردن يستطيع-كما كان دوماً في الماضي-الاحتفاظ بعلاقاته مع المحور التقليدي السعودي المصري الإماراتي دون التفريط بعلاقات عميقة ومهمة مع الجار التركي المهم.
«التوازن» هنا يغيب لسبب غامض لا يفهمه حتى الوزراء في الحكومة الأردنية.
والوزير الجديد في بلاط الصناعة والتجارة الأردنية، الحموري، يلمح لمقربين منه إلى أن ملف «التجارة مع تركيا» برمته لا يمكن وصفه تحت بند ملفات «السياسي والبيروقراطي»، بمعنى تصنيفه ضمن السياقات العابرة للحكومة.
وتزيد مساحة الغموض لسبب بسيط جداً، حيث كل الدلالات داخل القرار الأردني وفي عمقه تؤكد بأن الإسناد الإماراتي للاقتصاد الأردني بـ «القطارة والقطعة» وأموال ومليارات بن سلمان الموعودة عشرات المرات تنطبق عليها معادلة «غاب ولم يحضر بعد».
يواجه الأردن صعوبات اقتصادية ومالية بالجملة.. هذا صحيح. ولكن صحيح أيضاً، سياسياً وإعلامياً، أن الرهان داخل مركز قرار الحكومة، على الأقل على عوائد ومكاسب البقاء في المحور السعودي وبدون توازن في العلاقات مع المحورين الإيراني والتركي في أضعف أحواله.. تلك معادلة لا أحد يفهمها عند أي محاولة -حتى ولو محلية – لتفكيك ألغاز التحالفات التي تتحرك في إطارها البوصلة الأردنية، تحديداً السياسة الخارجية. لكن إلى أن يفهم المراقب ما يجري، يمكن القول بأن الاستدراك في عودة المحور الإماراتي السعودي لاحتضان الأردن حصل ويحصل في الساعات القليلة المقبلة.
هي محاولة إماراتية سعودية جديدة لإعادة الاحتفاظ بالأردن الذي يواصل اتصالاته مع قطر والنظام السوري ويبقي على قنواته مع الرئيس اردوغان ويفتح قناة مع سوريا. طبعاً لا يمكن معرفة «ثمن» هذه المحاولة، وقد تفشل بسرعة مثل سابقاتها، لكن عمان لا تملك إلا البقاء في المحاولة وحالة «التحليق» على ارتفاعات منخفضة وفقاً للنظرية القديمة للمخضرم عبد الإله الخطيب.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية