مبادرة السلام العربية أقوى مما كانت دائما

حجم الخط
2

أحيانا، وفي أكثر اللحظات ظلاما لا يكون المهم ايمان وتمسك الناس الشجعان الواسعي الآفاق بفكرة السلام فقط بل محاولتهم ايضا أن يتخيلوا كيف سيبدو هذا السلام.
إن هذا الامر صحيح ولا سيما في الشرق الاوسط. فهنا يريد شعبان – الفلسطينيون والاسرائيليون – تحقيق حلمهما بانشاء دولتين للشعبين. ويستطيع حل الدولتين فقط أن يحقق هذا الحلم وأن يلبي مطامحهما القومية. وقد كان هذا الحل جوهر الرؤيا التي عرضتها الجمعية العمومية للامم المتحدة بخطة التقسيم في 1947، التي فشل المجتمع الدولي في تحقيقها آنذاك ولم تنجح مسيرات سلمية كثيرة في تحقيقها منذ ذلك الحين.
والنتيجة هي مأساة انسانية على الفلسطينيين الذين يعيشون تحت عبء الاحتلال الاسرائيلي المضطهد وعلى الاسرائيليين المسجونين في وضع تزداد فيه عزلتهم الدولية حدة على مر الوقت. إن المهلة في جهود وزير الخارجية الامريكي
كيري، وخيبة الأمل الكبيرة بسبب الفشل الاخير للدبلوماسية الامريكية هما فرصة أنسب من ذي قبل لتخيل السلام الذي يطمح اليه كل الناس الذين يرجون الخير.
إن مبادرة السلام العربية التي اقترحها أول مرة عبد الله ملك السعودية، خادم الحرمين، وتبنتها الجامعة العربية في 2002، ما زالت اطارا للسلام – فهي صيغة لحل عادل شامل للصراع بين اسرائيل والفلسطينيين ومع العالم العربي صدورا عن اقتناع عميق بأنه لا يوجد أي حل عسكري قادر على أن يمنح دول المنطقة السلام والأمن اللذين تطمح اليهما.
تقول مبادرة السلام العربية إن كل الدول العربية ستنشيء علاقات طبيعية باسرائيل منذ أن تنسحب من المناطق التي احتلت في حزيران 1967 وتوافق على انشاء دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها شرقي القدس. ويُحتاج الى الاتفاق بالتفاوض وبحسب المباديء الدولية على الحدود الدقيقة وعلى حل عادل لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين.
وفي لبنان يمكن أن تُنقل المناطق التي احتلتها اسرائيل الى الامم المتحدة الى أن تنشأ حكومة لبنانية قابلة للبقاء تحصل عليها؛ وكذلك الامر في سوريا ايضا، فان هضبة الجولان المحتلة يمكن أن تُسلم الى الامم المتحدة لتديرها الى أن تحصل عليها حكومة جديدة. ولا يوجد أي شيء مستحيل مع وجود قدر من الارادة الخيرة وبدعم من الولايات المتحدة والجامعة العربية. وأنا آمل حقا أن يكون الاسرائيليون إنتبهوا للنهج الذي تبناه وفد الجامعة العربية الى واشنطن في نيسان من السنة الماضية وبين أن مبادرة السلام العربية ليست ساكنة وليست إملاءً تبسيطيا بل يمكن أن تتم ملاءمتها بحيث تشمل كل موافقة طوعية تُحرز باتصالات بين الاسرائيليين والفلسطينيين.
ويؤسفني مثل آخرين في المنطقة حقيقة أنه لم ترد أية حكومة اسرائيلية الى الآن على مبادرة السلام العربية برغم أن العالم العربي جدد دعمه لها في كل مؤتمر قمة للجامعة العربية في الـ 12 سنة الأخيرة وفي كل لقاء قمة لمنظمة التعاون الاسلامي ومجلس تعاون دول الخليج. بل زار وفد عربي اسرائيل ليسلمها الى الشعب في اسرائيل مباشرة. ووجدت في عدة فرص في العالم العربي اصوات زعمت أن المبادرة لم تنجح ولهذا ينبغي ابطالها واهمالها لكننا متمسكون بها ومصرون على التمسك بها وهي ما زالت على الطاولة أقوى مما كانت دائما.
تعالوا نحلم لحظة كيف سيبدو هذا البلد الذي جرب الحروب بعد اتفاق بين الشعبين. واسمحوا لي أن أحلم ايضا.
تخيلوا أن استطيع أن أركب طائرة في الرياض وأطير مباشرة الى القدس، وأركب حافلة أو سيارة أجرة وأسافر الى قبة الصخرة أو الى المسجد الأقصى لأصلي صلاة الجمعة ولأزور بعد ذلك حائط البراق وكنيسة القيامة. ثم استطيع في الغد أن أزور قبر ابراهيم في مغارة الماكفيلا في الخليل ألا وهي حبرون، وقبور الأنبياء الآخرين عليهم السلام، وأستطيع أن أسافر من هناك وأزور كنيسة المهد في بيت لحم ثم أتابع فأزور ايضا متحف «يد واسم» كما زرت متحف الكارثة في واشنطن حينما كنت سفيرا هناك.
ويا لها من لذة ألا أدعو الفلسطينيين فقط بل الاسرائيليين الذين سألقاهم ايضا ليأتوا لزيارتي في الرياض حيث يستطيعون التجول في بيت آبائي في الدرعية، التي تشبه معاناتها التي نالتها من قهر ابراهيم باشا معاناة القدس على يد نبوخذ نصر والرومان.
حاولوا فقط أن تتخيلوا التطورات في مجالات التجارة والطب والعلم والثقافة بين الشعبين.
أخشى أن يكون البديل استمرار الصراع في حين يدفعنا الواقع على الارض – ولا سيما مشروع الاستيطان المستمر للاراضي الفلسطينية المحتلة – أكثر فأكثر الى يوم لا يكون فيه السؤال كيف نتوصل الى حل الدولتين بل هل يبقى الصراع وسفك الدماء هما المعيار، فهل هذا ما تريده اسرائيل حقا؟ إن سيطرة مستوطنين على اراض بالقوة وإن الشوارع المخصصة «للاسرائيليين فقط» في مناطق الضفة الفلسطينية تمنع امكانية نشوء دولة فلسطينية متصلة الأجزاء قابلة للبقاء. وتستعمل حكومة اسرائيل في واقع الامر بموازاة دفع ضريبة كلامية لحل الدولتين، تستعمل في واقع الامر سياسة تنشيء واقع دولة واحدة لا «حل» دولة واحدة، ومع عدم وجود مساواة في الحقوق السياسية والاقتصادية والانسانية في تلك الدولة يصعب ألا نرى ذلك سوى داعية الى كارثة.
آمل أن يسهم مؤتمر اسرائيل للسلام في جهد تخيل رؤيا السلام التي ستصبح ممكنة منذ أن تصبح مبادرة السلام العربية حجر زاويتها.
وأتمنى اليوم الذي يمكنني فيه أن أشارك في مؤتمر كهذا وأن يمكن اولئك الاسرائيليين الذين يشاركون فيه أن يطيروا الى الرياض ويشاركوا في مؤتمرات تنحصر عنايتها في مسألة كيف نستطيع جميعا أن نعمل معا لحل المشكلات الملحة الكثيرة الاخرى التي تتحدى منطقتنا.

هآرتس 8/7/2014

تركي الفيصل

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول شهاب تونس:

    ألا تستطيع السعودية و مصر و تركيا والجزائر شن حرب على غرار 73 و فرض مبادرة السلام العربية و تحرير الأقصى و القدس الشرقية ولما لا إستبدال قطاع غزة بالجزء الغربي من محافظة القدس و هذا أمر نستطيع تحقيقه و حتى العالم الغربي سيؤيده عند فرض الأمر الواقع ولكن شعوب إمعة أصابها الوهن ومتابعة كأس العالم ويطبلون لحكام عملاء أمثال أردوغان و غيرهم من أصحاب هيفاء وهبى و لكن ربنا لا تآخذنا بما فعل السفهاء منا. بعض علماء الدين الحاليين سمعتهم يتندرون على الحجاج بن يوسف والله إنه أشرف منكم و لا تجوز حتى المقارنة.

  2. يقول yusuf:

    الى متى ستبقوا تستجدون السلام من قتلة الانبياء

    مناحيم بيغن قالها صادقا مره : نحن اليهود كالرمل الناعم لا ناتي (لا يتم التفاهم معنا) الا بالدعس

    فاعتبروا يا أولي الألباب

إشترك في قائمتنا البريدية