لو كان مرسي لكان أسهل

حجم الخط
0

مر عام على بداية دورة العبث والعنف الدائرة في مصر في ثوبها الجديد، باعتبار أنها ليست الجولة الأولى، ولا يبدو أنها ستكون الأخيرة، ولكن ما الذي تغير؟ هل توقف انقطاع الكهرباء بعد ان أُبعد مرسي عن الكرسي؟ هل انخفضت أسعار المحروقات بعد ان توقفت عمليات التهريب المتكرر الحديث عنها إلى حماس وقطاع غزة عبر الأنفاق؟ هل أصبحت شوارع الوطن أكثر أمنا، وأصبح الوطن أكثر انسانية والمواطن أكثر شعورا بالفخر حقا؟ هل أصبح الإعلام والخطاب الدائر حولنا أقل عبثا؟ هل أصبحت لدينا قيادات تشغل مناصبها وتقوم بأدوارها باقتناع كامل لا يقوم على السخرية وإثارة التساؤلات من أحاديثهم الساخرة؟ هل تخلينا عن مشروع النهضة وانجازات المئة يوم حقا، أم استبدلناها بالدواء المعجزة وحديث الكفتة المؤجل لمرحلة أخرى؟ هل أصبحنا أفضل حقا رغم كل الدم والعنف والعبث وما بعده؟ وهل يمكن أن نكون أسعد رغم كل الألم الساكن في القلوب والبيوت والشوارع، أم ان الألم انتقائي كأشياء كثيرة في الوطن، لا يعمم ولا يخص أحد غير المعني به بشكل مباشر؟
بالطبع لو كان مرسي لازال على مقعد الرئاسة لكان من السهل ان تستمر التفسيرات التي ربطت بينه وبين كل المشكلات التي شهدتها مصر، بما فيها تلك الممتدة من فترات سابقة له، وأن تضاف إليها قائمة أخرى طويلة من الجرائم التي يجب أن يحاسب عليها لتقصيره، أو لمجرد وجوده في السلطة في تلك الفترة، وهي التفسيرات التي سيطرت على المشهد خلال حكمه بصورة واضحة تميز المرحلة.. فهو المسؤول عمن مات في رفح، وهو الأضعف من المشاركة في جنازة، وهو وحده المسؤول عن الإساءة لكرامة الوطن عبر ضعف تمثيله الخارجي وما يقوله من أمور تستوجب السخرية منه، وهو المسؤول عن ارتفاع الأسعار وطوابير الوقود وانقطاع الكهرباء. وبعض تلك الانتقادات حقيقية ولا يمكن التجاوز عنها، وكتبت عنها في وقتها. ولكن يضاف إليها وفقا للخطاب الدائر، أنه المسؤول عما قيل حوله وحول حكمه من حقائق وأكاذيب، وكأنه الساعي إلى إفشال نفسه وإسقاط حكمه.
لا يتم التركيز كثيرا على مرحلة الانتخابات الرئاسية الأخيرة، ولا الخوف من النزول إلى شوارع عادية، أو البعد عن الاختلاط بالناس في جولات وزيارات عامة غير معلبة، كتلك التي ظهر فيها المشير السيسي. ولا يركز أحد على المحادثة داخل مصر عبر السكايب، ما دام يمكن تذكير الناس بمرسي وعيوبه، والتركيز على أهمية القائد وضرورة حمايته، والتضحيات التي قدمها لتقدمه للمشهد. فهناك دائما مخرج يجعل ما يصدر عن نفس الشخص مختلف كليا من مرحلة لأخرى، رغم تكرار الحدث، لأن التقييم مرتبط بالأشخاص والموقف منهم. أقول هذا رغم كل ما كتبته من تساؤلات وانتقادات خلال حكم مرسي، انتقادات جاءت بعد ترحيب وتأييد له في جولة الإعادة في الانتخابات الرئاسية رغبة في الخروج من نظام مبارك وتأسيس نظام خارج الخطاب الذي تبناه حكم مبارك ورجاله، والقائل بأن الديمقراطية لا تناسب الشعب المصري، مع تأسيس واقع جديد من نتاج الأحداث وتطورات الثورة ومطالب الجماهير. تصورنا أن الحاكم الجديد يمكن أن يتعلم من خبرة الثورة وهتافات الجماهير، ولكنها تصورات لم تصمد كثيرا أمام أخطاء أخرى تراكمت وأضرت بالثورة وأفقدت مصر الكثير من الدماء والوقت والجهد.
يمثل مرسي جزءا من مرحلة مسؤولة عن تطورات سلبية حدثت في تلك المرحلة من عمر الثورة المصرية، مرحلة لا يمكن تجاهلها أو التجاوز عنها وعن مسؤوليته والجماعة التي يمثلها، عنها، ولا يمكن تجاهل تأثير تلك الفترة على الثورة عموما، ولكنها ستظل مرحلة من مراحل تطورنا فيها في مصر من واقع مواطن يموت في عبّارة موت لا يهتم به رئيس الدولة أيام مبارك، لمواطن يسحل في الطريق أو يقتل ويتم العمل على استقطاب غيره ضده على أساس ديني، كما حدث في أحداث ماسبيرو، خلال حكم المجلس العسكري، لمواطن يسحل أو يعذب على أيدي بعض الأفراد وفقا لدوائر السلطة، أو يخطف ويتحدث رئيس الدولة عن ضرورة حماية الخاطف والمخطوف، كما حدث أيام مرسي، لمواطن يقتل في شوارع الوطن لا يهتم به أحد لأنه أصبح وفقا للسيناريو المقدم جزءا من صورة أكبر لأعداء الوطن والانسانية، كما نشهد في مرحلة ما بعد مرسي. وبدلا من تأسيس الوطن والمواطنة على أسس المساواة الانسانية والكرامة والحق والحريات بعده كما كان يدور الحديث خلال حكمه، دخلنا في مرحلة تقوم على التقسيم بصورة أكبر بين مواطن شريف و»مواطن» مشكوك في جدارة مواطنته، لأنه مصنف ضمن الأعداء، لا يسري عليه ما يسري على غيره، ولا يحق له التمتع بما يفترض ان يتمتع به الانسان، بما في ذلك الحق في المحاكمة العادلة أو الاتهام العادل، وفقا لقواعد القوانين وإجراءات المحاسبة، وليس المحاكمات المميزة بكل الاسماء الكبرى التي ترتبط بها والإقامة في المستشفيات الخاصة التي لا يستطيع المواطن دخولها وليس العلاج فيها، كما يحدث منذ أيام الثورة، ويظهر حاليا واضحا من خلال المقارنة بين من يحاكم وهو مع الثورة ومن يحاكم وهو من قامت الثورة ضده، بل والمقارنة بين من قامت الثورة ضده أو ضدهم وعموم الشعب المصري الذي يعاني ويحاسب دوما.
وبدورها تظل كلمات نجيب محفوظ في خلفية الأحداث، فالنسيان آفة الحارة حقا، ولكن المشكلة انه نسيان انتقائي أحيانا، وموجه أحيانا أخرى. فالانسان أحيانا يختار ان ينسى، وأحيانا يتذكر أكثر وهو يحاول النسيان على طريقة محمود درويش، ولكن أحيانا أخرى يختار له ما ينساه ويتذكره ويعاد تشكيل ما يقدم له من معلومات من خلال وسائل التعليم والإعلام المختلفة بكل صورها المتنوعة ومؤسساتها الرسمية وغير الرسمية. فيتم التجاوز عن سلبيات مرحلة أو شخص والتركيز على سلبيات مرحلة أو شخص آخر،
فيصبح الشخص المستهدف كمحور للتركيز، هو أصل الشرور وما فعله هو أصل المشكلات، أو العكس بالطبع. فيتجاوز البعض عن أخطاء عقود وعن كوارث مرحلة كاملة كمرحلة مبارك بكل ما فيها من فساد وإفساد، بل يتم التجاوز عن سلبيات مراحل أخرى سابقة، كمرحلة ناصر لضرورة الربط بينها وبين المرحلة القائمة التي تؤسس جزءا من شرعيتها على الماضي. ويتم التركيز على مرحلة مرسي فقط، وكأن مصر قبلها كانت واحة الديمقراطية والحرية والرفاه، حيث الرعاية الصحية والظروف المعيشية التي تنافس افضل الدول الغربية المتقدمة، وحيث التعليم في أحسن صوره، والحقوق والقوانين يتم حمايتها وتفعيلها من دون معاناة، والمواطن تتم حمايته في البحر والبر فلا توجد قوارب موت ولا قطارات تحــــترق بمن فيها من ركاب.. كل هذا لم يحدث بالطبع في مصر ولازال بعيدا عن الواقع على الأقل، في ما يخص عموم الشعب المصري المستهدف الحقيقي بفكرة الثورة والإصلاح والتغيير، ولكنه يمكن أن يحدث لاعتبارات وحسابات أخرى تخص السلطة ودوائرها أو صورتها أمام العالم.
نعم، ساعد مرسي على التطورات التي تشهدها مصر، بالفعل أحيانا وبعدم الفعل أحيانا أخرى، ولكنه يظل جزءا من مشهد متطور من أحداث الثورة ومستمر في التفاعل على الأرض، في محاولة لكسب مساحات أكبر للأصوات التي ترى أن الثورة في نسختها الأولى ومطالبها الأصلية، التي ظهرت في يناير/كانون الثاني 2011 مجرد شر ينبغي القضاء عليه وتطويره لصور قريبة من نظام مبارك الأكثر قربا للأصوات التي تقود تلك الحملة التي شاركت في جهود محاربة الثورة بشكل علني أو ضمني، ولمصالح شخصية مباشرة أو غير مباشرة، وما الأحاديث المتعاطفة مع مبارك التي تركز على حالته النفسية وأحساسه بالحزن على حال الشعب المصري، الا جزء من تلك الحالة التي يتم فيها التعاطف مع المتهم في المسلسل العربي وتنتهي الحلقات عندما يعتذر الجميع للمتهم ويصبح الغفران لسان الحال مع كلمة النهاية الدرامية التي لا تعيد حقوقا ولا تعوض سنوات حرمان ولا تشتري مستقبلا أفضل ولا وطنا أحسن ولا واقعا أكثر عدلا.

كاتبة مصرية

عبير ياسين

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية