أنطاكيا – «القدس العربي»: في عام 2016، بلغ تعداد عناصر الميليشيات الدرزية الموالية للنظام السوري، نحو عشرة آلاف مقاتل درزي بحسب الباحث الفرنسي فابريس بالونش، مدير الابحاث بجامعة ليون، وهذه الميليشيات مخصصة لحماية المناطق الدرزية من هجمات فصائل المعارضة، وقد بدأ تشكيل هذه الميليشيات عام 2014 بعد اتفاق الزعماء الروحيين للطائفة مع النظام على معالجة قضية رفض المجندين الدروز للخدمة العسكرية خارج محافظتهم، بابقائهم داخل السويداء وضمهم لميليشيات درزية موالية للنظام، ابرزها الدفاع الوطني ، الدفاع الذاتي، الحزب السوري القومي الاجتماعي (نسور الزوبعة)، القوات التابعة للشيخ يوسف جربوع.
وبرز اسم الشيخ البلعوس، كأول مؤسسي الميليشيات الدرزية الموالية للنظام، وبلغ عددها نهاية عام 2014 نحو 800 مقاتل بحسب عناصر سابقين في تلك الميليشيات تحدثت اليهم «القدس العربي»، قبل ان يتم اغتيال البلعوس على يد النظام حسب اغلب المؤشرات.
ومن الواضح ان رفض الدروز للخدمة في جيش النظام في السنوات الاولى، كان بسبب عدم رغبتهم في القتال خارج محافظاتهم، وتوريط ابناءهم في معركة لا تعنيهم كدروز، وهو ما اغضب النظام لكنه دفعه لقبول ذلك على مضض والاستفادة من هذا التوجه مؤقتا بصيغة تشكيل ميليشيات درزية تابعة للنظام هي الحل المؤقت الذي تم تنفيذه بالتوافق مع النظام، حتى صدر قبل اسابيع قرار المرجعية الروحية للطائفة الدرزية بالانضمام لجيش النظام سواء داخل المحافظة أو خارجها.
ويوضح الناشط الدرزي وائل الصفدي لـ«القدس العربي اسباب تفضيل الدروز للمشاركة في الميليشيات دون القوات النظامية، وتفضيلهم الخدمة في الجيش داخل محافظاتهم دون باقي المحافظات، ويقول: لقد استقطبت الميليشيات الرديفة عدداً كبيراً من الشباب لانها اعطتهم هامشاً واسعاً غير موجود في الجيش النظامي من حيث طبيعة الاجازات على سبيل المثال، كما منحتهم الضوء الاخضر عند الدخول الى المناطق المحررة للسلب والنهب، ويضيف الصفدي في حديثه عن دوافع تفضيل ابناء القرى الدرزية للخدمة داخل محافظاتهم قائلاً (هناك اكثر من سبب، فأولاً هناك عامل القرب الجغرافي ورفض الشباب للخدمة في مناطق بعيدة عن المحافظة ما يزيد من معاناتهم المادية والنفسية، إضافة إلى رفض شباب السويداء التورط في الصراع الدائر في سوريا وعدم الرغبة بالتورط بالدم السوري، اذ يرى عدد كبير منهم ان الحرب ليست حربهم بقدر ما هي حرب مصالح بين قوى اقليمية ودولية، اما السبب الثالث فيتمثل في رؤية الشباب انه من الأولى لهم ان يدافعوا عن محافظتهم في ظل حالة الفراغ العسكري من قبل النظام، ما يجعلها أكثر هشاشة من الناحية الأمنية.
الجدير بالذكر ان ما يحدث الآن فيما يتعلق بالخدمة العسكرية لا يعد سابقة لدى ابناء المحافظة التي شهدت العديد من حالات التمرد عن الخدمة الالزامية في مراحل سابقة ضد السلطات العثمانية ( حقبة ابراهيم باشا).
ويقسم الصفدي، المراحل التي تطورت فيها قضية الالتحاق بالجيش الى ثلاث مراحل:
– المرحلة الأولى: تمتد من عام 2012 وحتى عام 2015 حيث شهدت هذه المرحلة بداية تململ الشباب من الالتحاق بالخدمة وعزوف عدد كبير منهم عن الالتحاق.
ـ المرحلة الثانية كانت مع بداية عام 2015 حيث شهدت تعاظم عدد الممتنعين عن الخدمة ووجود حاضنة اجتماعية واسعة تساند هذا التوجه خاصة مع تزايد قوة فصيل رجال الكرامة ودعمه للشباب الممتنعين عن الخدمة والتعهد بحمايتهم في حال ايقافهم من قبل السلطات.
ـ المرحلة الثالثة مع الهجمات الاخيرة في تموز، حيث قاتلت كافة الفصائل بما فيها رجال الكرامة جنبا الى جنب مع قوات الجيش فضلا عن اصدار العفو العام في 9 تشرين اول 2018 التي فتح الباب واسعا امام شباب السويداء للالتحاق بالجيش، والان هناك اقبال كبير من قبل شباب السويداء للالتحاق بالجيش خاصة بعد تراجع الحاضنة الاجتماعية المؤيدة لعدم التحاق الشباب بالجيش، في ظل تغير موازبن القوى على الارض لصالح النظام الذي استطاع اعادة السيطرة على ما يزيد عن 70% من الجغرافيا السورية).
ويبدو ان مخاوف الطائفة الدرزية من محيطها المعارض، ظل العامل الابرز الذي دفعها للاحجام عن المشاركة بدور فاعل في الثورة السورية، خاصة ان تاريخ الصدام مع العشائر في حوران ظل ماثلاً في اذهان الكثيرين من قادة الطائفة، ويشير فابريس بالونش مدير الابحاث في جامعة ليون، في تقرير موثق نشره قبل سنوات في معهد واشنطن، يشير لهذه المخاوف التي كرست اصطفاف الدروز مع الأسد، خصوصاً بعد هجمات الفصائل المعارضة ومن بينها جهاديو النصرة في درعا (الذين ينتمون للمكونات المحلية في قرى درعا) على مناطق درزية موالية للنظام، وقد برزت اولى الميليشيات الدرزية التي قادها الشيخ وحيد البلعوس (الذي اغتيل لاحقاً) برزت في التصدي لهجوم شنته فصائل معارضة مع جبهة النصرة في آب/ اغسطس من العام 2014، ولكن أشهر هذه الهجمات قادته الجبهة الجنوبية المرتبطة بالجيش الحر بمشاركة جبهة النصرة، عندما حاول هذا التكتل الفصائلي السيطرة على مطار الثعلة احد مواقع النظام السوري في السويداء، في حزيران من العام 2015، ولعبت حينها ميليشيات درزية دوراً كبيراً الى جانب قوات النظام في افشال سيطرة الجيش الحر على هذا المطار الاستراتيجي في السويداء، على الرغم من وقوف ميليشيات الشيخ البلعوس في تلك المعركة على الحياد، اذ تم اغتياله بعد اشهر قليلة بعد تزايد انتقاداته للنظام السوري وشيوع رغبته بمنح ابناء طائفته قدراً من الاستقلالية، ورفضه قتال الدروز خارج محافظتهم.
وفي ذلك التقرير الذي نشر في معهد واشنطن، يوضح الباحث الفرنسي والاستاذ المساعد في جامعة ليون، فابريس بالونش، التخادم بين الاسد والمناطق الدرزية في حماية العاصمة دمشق ومحيطها، ويقول: «اضطلعت ضواحي دمشق الدرزية بدور رئيسي في الدفاع عن المدينة كونها تحيط بالبلدات الخاضعة «لسيطرة» المتمردين على غرار بلدة داريا، وتشكل حاجزاً فاصلاً يقطع الاتصال بين المناطق السنية في الغوطة الشرقية والغوطة الغربية. وعلى نحو مماثل، تشكل القرى الدرزية في جبل حرمون معقلاً للموالين للنظام عند الأطراف الجنوبية الشرقية للعاصمة وتسمح للجيش السوري بالبقاء على اتصال مع مرتفعات الجولان. كما تمنع ارتباط المتمردين في محافظة درعا مع أولئك في القلمون شمالي شرقي دمشق».
وقد تسببت هجمات المتطرفين الجهاديين في حدوث ردود افعال غاضبة من الدروز تجاه المعارضة السورية رغم ان معظم مؤسسات الاخيرة تعارض بشدة التنظيمات الجهادية، وقد سجلت انتهاكات وهجمات عدة من قبل عناصر من تحرير الشام (النصرة) على قرى الدروز الخاضعة لسيطرتهم في جبل السماق في إدلب، اضافة للهجوم الدموي الذي شنه تنطيم الدولة الاسلامية على قرى الدروز قبل اربعة اشهر واختطافه لعشرات النساء المدنيات، وعلى الرغم من ان هذه الممارسات المتطرفة لم تزعزع رفض الفصائل السنية المعارضة للنظام السوري وواصلت مقاطعتها الانضمام لمؤسساته طوعاً، الا انها بالمقابل دفعت بالقرى الدرزية لتصطف اكثر مع الاسد، رغم الفارق في حجم الضغط العسكري والدمار الذي اصاب المناطق المعارضة السنية لسبع سنوات، مقارنة مع انعدام اي هجمات عسكرية من النظام على القرى والمدن الدرزية، وصولاً للمشهد الذي رفع فيه الاسد على الاكتاف بعد اطلاقه لسراح المختطفين الدروز المدنيين من قبضة تنظيم الدولة، بعد هجومه الدامي على القرى الدرزية نهاية تموز/ يوليو من هذا العام .