نيويورك ـ الأمم المتحدة ـ «القدس العربي» إعتمد مجلس الأمن الدولي بالإجماع يوم أمس الأول القرار 2165 والمتعلق بتقديم مساعدات للشعب السوري المحاصر والمشرد داخل سوريا بدون إذن السلطات السورية من أربعة معابر، إثنين من تركيا (باب الهوى وباب السلام) وواحد من العراق (اليعربية) وواحد من الأردن (الرمثا). وقد إستغرقت المشاورات غير الرسمية بين أعضاء مجلس الأمن خمسة أسابيع حتى تمكنوا من الوصول إلى التوافق في الآراء لاعتماد القرار المذكور بالإجماع بما في ذلك روسيا والصين، الدولتان اللتان إستخدمتا الفيتو أربع مرات خلال الأزمة السورية لإجهاض أية محاولة لفرض عقوبات على النظام السوري أو لوقف أية ممارسة دولية يمكن أن تفسر على أنها إنتهاك لسيادة الدولة السورية.
ينص القرار المذكور على أمرين أساسيين: أولا إيصال المساعدات لجميع المتضررين من الشعب السوري دون تمييز وعبر الطرق المباشرة دون قيد أو شرط مما يعني دخول المعابر الأربعة دون موافقة النظام السوري وثانيا إيجاد آلية تحت إشراف الأمين العام تقوم بمراقبة تحميل جميع شحنات الإغاثة الإنسانية للتأكد من خلو تلك الشحنات من أية مواد تتعارض مع الطبيعة الإنسانية لها وذلك كنوع من الطمأنة للنظام السوري.
وحسب مصادر الأمم المتحدة فقد وصل عدد السوريين المحتاجين للمساعدات الإنسانية نحو 10.8 مليون شخص نصفهم موجود في أماكن من الصعب الوصول إليها من قبل المنظمات الإنسانية. وهناك على الأقل ثلاثة ملايين من بينهم لم تصلهم أية مساعدات إنسانية منذ ثلاثة أشهر وأصبح من الضرورة إيجاد آليات للوصول إليهم دون إذن من أحد لإنقاذ حيواتهم من موت محقق.
وقد تحدث الممثل الدائم لسوريا، بشار الجعفري، داخل المجلس بعد إعتماد القرار مبديا إستاءه من تجاهل أعضاء المجلس لطبيعة الصراع الدائر في بلده قائلا «إن المطلوب أولا وقبل كل شيء لتحسين الوضع الإنساني في سوريا هو وقف الإرهاب ودعم مسار المصالحات الوطنية». كما انتقد الجعفري تلك الدول التي تسمى الإرهابيين بغير أسمائهم مثل المعارضة المسلحة أو الجهاديين أو المناضلين. وقال «لقد أثبت الشعب السوري أنه عصي على الضغوط وعلى الانكسار وأنه ما من أحد مهما بلغت قوته يمكنه السطو المسلح على صوته وحقوقه».
ما من شك أن هذا القرار عند ترجمته على الأرض يعني نوعا من التدخل في «سيادة» الدولة كما ينص على ذلك ميثاق الأمم المتحدة. فكيف يمكن تبرير مثل هذا القرار الذي أقر بمبدأ التدخل في الشأن الداخلي لدولة ذات سيادة؟
يمكن تحليل القرار والظروف التي إعتمد فيها بالإجماع وموافقة حلفاء النظام عليه لعدة أسباب:
أولا: فشل الدولة السورية في حماية أراضيها وخروج مناطق شاسعة من الأراضي السورية من تحت سيطرة الدولة تقدر في بعض الأحيان بنحو 70٪ وقيام أكثر من سلطة أمر واقع في هذه المناطق.
وهذه ليست المرة الأولى التي تجيز فيها الأمم المتحدة مثل هذا «التدخل الإنساني» من أجل مساعدة المدنيين. لقد بدأ التدخل في شمال العراق عند إعتماد القرار 688 (1991) في نيسان/ أبريل عام 1991 لمساعدة ملايين الأكراد الذين فروا من أمام الجيش العراقي باتجاه إيران وتركيا ثم تبعه عدة قرارات مثيلة في الصومال والبوسنة وكوسوفو والكونغو وغيرها؛
ثانيا: أعطي النظام السوري آلية تطمينية من خلال مراقبة الشحنات التي سترسل إلى الداخل السوري للتأكد من خلوها من أية مواد ممنوعة.
ثالثا: إن وثيقة «مسؤولية الحماية» التي إعتمدت من قبل الجمعية العامة عام 2005 ووافقت عليها جميع الدول بما في ذلك سوريا تعطي المجتمع الدولي ممثلا في مجلس الأمن صلاحية حماية المدنيين في حالة عجز النظام القائم توفير تلك الحماية سواء كان الخطر المحدق بالمدنيين قادما من الخارج أو من الداخل على أيدي النظام أو أية جماعات مسلحة.
إن وجود أكثر من 40 ٪ من الشعب السوري بحاجة ماسة للمساعدات الإنسانية قد خلقت الظروف المواتية أمام جميع أعضاء المجلس لاعتماد القرار بعد فشل تنفيذ القرار السابق له 2139 الذي إعتمد في نهاية شباط/ فبراير الماضي وترك إدخال المساعدات الإنسانية رهن موافقة النظام السوري. وكانت النتيجة أن تفاقم الوضع الإنساني أكثر. فهل يبقى المجتمع الدولي صامتا أمام مأساة تعتبر الأبشع منذ بداية القرن 21 على رأي الأمين العام للأمم المتحدة؟
مسؤولية النظام الدولي إذن محصورة الآن في تأمين وصول المساعدات الإنسانية للمتضررين والمحاصرين والمشردين دون محاولة لتسييس القرار أو إستغلاله لدعم طرف ضد آخر.
والأمل معقود الآن، كما عبر أكثر من متحدث، على تعاون كافة الأطراف لإنقاذ أرواح الملايين قبل موسم الشتاء القادم. ولعل هذا الإجماع الذي تجسد في الوصول إلى هذا القرار ينتقل الآن إلى المجال السياسي فينتج قرارا جديدا لحل الأزمة السورية من كافة جوانبها وإعطاء فرصة للممثل الخاص للأمين العام الجديد ستيفان دي مستورا للتقدم نحو تنفيذ ذلك القرار ووقف نزيف الدم والتشرد والتمزق للشعب والوطن السوريين.
عبد الحميد صيام
كان الله في عون الشعب السوري والمعونات قد تقلل من الجريمه. الشعب السوري بحجه لوطن ليعيش بين أحضانه. نأمل ان يتم اتخاذ قرار في الاتجاه السياسي.