عن المؤتمر القومي الإسلامي
ssمحمد عبد الحكم ديابssspp انتهت قبل أيام أعمال الدورة السادسة للمؤتمر القومي الإسلامي بمدينة الدوحة عاصمة قطر، وكانت المرة الأولي التي أحضر فيها هذا المؤتمر، وإن كنت قد ترددت عند معرفتي بوجود نية لدعوتي، إلا أن الرأي قد استقر، في النهاية، علي تلبية الدعوة، لأهمية التعرف علي ما يدور داخل المؤتمر، وخلف كواليسه، والاقتراب من المناقشات والحوارات التي تجري فيه بين ممثلي تيارين، تطورت بينهما العلاقة، في السنوات الأخيرة، بشكل ملحوظ، ومن أجل تأكيد أو تبديد قلق يساور تيارات غير قومية وغير إسلامية، من هذا التطور، بعد أن كان أحد المنتمين لفصيل من فصائل اليسار المصري قد وصف هذا التطور بأنه توجه لظهور فاشية جديدة، وهو ما يفرض علي قوي اليسار تأييد حسني مبارك ودعم نظامه لصد هذا الخطر الفاشي المُدّعَي!!.pppوعلينا أن نضع تحفظنا من البداية، وهو أن المؤتمر ليس مؤتمرا جامعا للتيارات القومية والإسلامية، إنما يمثل قوي وتيارات وفصائل تلتزم بالعمل السلمي والديمقراطي في الدعوة إلي التغيير الداخلي، وإن كانت تؤمن بالمقاومة المشروعة، بكافة أنواعها، بما فيها الكفاح المسلح، ضد الغزاة والمحتلين والمستوطنين، وفي حدود علمي، لم يكن بين المشاركين من يمثل تيارات مهادنة وممالئة للاحتلال والغزو والاستيطان، في فلسطين والعراق ولبنان أو غيرها، أو تلك التي تستقوي بأطراف أجنبية ضد النظم التي تعارضها، ولا تلك المصهينة أو التي تشجع التطبيع مع الدولة الصهيونية، أو تلك التكفيرية والمتطرفة، التي تتخذ من العنف سبيلا للتغيير السياسي الداخلي، وتوظفه لإخضاع المواطنين إلي أيديولوجية واحدة، أو لفرض قيام دول طائفية أو عرقية أو مذهبية أو عشائرية، بديلا للدولة العربية القطرية. ومعني هذا أن المشاركين يجمعهم السعي لتأكيد دور الدولة المدنية في تحديد العلاقة الداخلية بين الحاكم والمحكوم، وترسيخ نهج التحرير والمقاومة في التصدي للهجمة العنصرية الاستعمارية علي الوطن العربي والعالم الإسلامي، وقد لمست ذلك في القضايا التي تضمنها تقرير حال الأمة ، الذي وصل إلي المشاركين قبل الانعقاد، بمدة كافية، وبني علي محاور سبعة هي تحديدا: مقاربة استهلالية عن حقائق الانتقال من الصراع العربي الإسرائيلي إلي الإسلامي الغربي ، و الواقع الفلسطيني واحتمالات المستقبل ، ومحور عن أوضاع العراق يحمل عنوان مقاومة الاحتلال في واقعها ومرتجاها ، وآخر عن لبنان، حمل اسم من التعايش إلي العيش المشترك في ظل الحرب مع إسرائيل ، ومحور السودان ركز علي تداعيات الأزمة في دارفور ، بجانب محور تناول إشكاليات الوضع في المغرب العربي، مسألة الصحراء المغربية والثغرين المغتصبين ، ومحور أخير عن أوضاع العرب والمسلمين في المغتربات .وقد راعي تشكيل اللجان التركيز علي الساحات الساخنة، فلسطين والعراق ولبنان والسودان والمغرب العربي، بالإضافة إلي لجنة لمعالجة قضايا الحريات والديمقراطية وأخري لتطوير العلاقة بين التيارين القومي والإسلامي ، وغاب عن اللجان ما ورد في تقرير حال الأمة عن أوضاع العرب والمسلمين في المغتربات، مع أهمية ذلك في الظروف الراهنة، التي زادت فيها حدة التطرف العنصري واليميني الغربي ضد العرب والمسلمين، وتميزت المناقشات داخل اللجان أو في الجلسات العامة بالسلاسة وغياب الحدة في تناول الموضوعات، باستثناءات محدودة، أبرزها ما جري عند عرض استقالة المنسق العام السابق عصام العريان.. احتد البعض طالبا الكشف عن الأسباب الحقيقية وراء الاستقالة، تحت تصور وجود أسباب معلنة غير أسباب أخري محجوبة تقف وراء هذه الاستقالة أو الإقالة، حسب وصف البعض. وحسم الأمر بعد أن تلا رئيس المؤتمر، محمد المسفر، نص الاستقالة، وبعد اتصال هاتفي من المنسق العام المستقيل يطلب فيه قبولها. بسبب ظروف حالت دون قيامه بمهامه الموكولة إليه، ومن المعروف أن العريان خضع لعمليات اعتقال متكررة ومُنع من السفر لحضور المؤتمر. ومرت عملية اختيار المنسق العام البديل بيسر، إلي حد كبير، رغم عملية شد تقليدية جرت بين اتجاهين، أحدهما يقول بالتوافق والتراضي علي مرشح واحد، يعلن كمنسق عام بالإجماع، والثاني يري الاختيار بين أكثر من مرشح، لترسيخ التقاليد الديمقراطية، وكان القيادي الإسلامي الأردني عبد اللطيف عربيات قد تقدم للترشيح لموقع المنسق العام الشاغر، لكن الزعيم الإسلامي التونسي راشد الغنوشي، والشخصية العراقية البارزة خير الدين حسيب، رشحا الباحث والكاتب الفلسطيني منير شفيق، وعلي إثر ذلك سحب عربيات ترشيحه، ليشغل شفيق الموقع بالتزكية. وعلي الرغم من أهمية القضايا التي عرضت في الجلسات الرسمية وداخل اللجان إلا أن هناك قضايا لا تقل أهمية دارت علي الهامش، خارج اللجان وبعيدا عن الجلسات العامة، بين ممثلي جماعات وقوي وتنظيمات وأحزاب مشاركة، ومن أمثلتها ما دار بشأن العلاقات العربية الإيرانية، وبالخصوص فيما يتعلق بالعراق، ووصلت الفجوة درجة عالية بين طرحين، أحدهما ينظر إلي إيران كقوة إمبريالية ذات أطماع، ويطالب بالتصدي لها بنفس مستوي مقاومة المشروع الصهيو أنكلو ـ أمريكي، والآخر يضعه في مستوي الخلاف السياسي، الذي يمكن تسويته بالتفاوض والحوار، وليس الحرب أو العنف، وبعد جدل ساخن تغلبت النظرة الثانية، وانعكس ذلك علي البيان الختامي وقرارات وتوصيات المؤتمر النهائية.وكانت هناك إشكالية لها علاقة بالساحة العراقية أيضا، تدور حول العلاقة بالتيار الصدري، والموقف من مقتدي الصدر، فقد أشارت شخصية قومية عربية عراقية، خارج القاعات، إلي أهمية تفهم المؤتمرين لهذه الإشكالية، لأن الصدر، وفقا لهذا الرأي، تبرأ من فرق الموت وأدان عمليات الإعدام الجماعية، والقتل علي الهوية، ورفض الاحتلال، ودائم الإلحاح علي خروج قواته، وتحديد جدول زمني لها، علي الرغم من اشتراكه في العملية السياسية . ولم يكن لهذه النظرة تأثير كبير علي البيان الختامي، ولا قرارات أو توصيات اللجان، وكانت هناك لقاءات وحوارات كان خالد مشعل (حماس)، ورمضان عبد الله شلح (الجهاد الإسلامي)، وماهر الطاهر (الجبهة الشعبية)، وفضل شرورو (القيادة العامة)، كان كل منهم طرفا فيها. بجانب أن الأمانة العامة، للمؤتمر القومي العربي، عقدت جلسة خاصة للبحث في إجراءات دور الانعقاد القادم للمؤتمر، ودراسة الدعوات المقدمة من بعض الدول العربية، واختيار إحداها مكانا للانعقاد.وكل من حضر المؤتمر، أو تابع جلساته في قناة الجزيرة ، شعر بأن حضور الأب عطا الله حنا، مطران الكنيسة الشرقية الأرثوذكسية بالقدس، وعضو المؤتمر القومي العربي، الذي استمر ممنوعا من الخروج لعدة سنوات، بقرار من سلطات الاستيطان الصهيونية بأن حضوره أضفي علي أعمال المؤتمر حيوية كبيرة، وكان لكلمته التي ألقيت في الجلسة الختامية أثر بالغ، بما تضمنت من حض علي التآخي، ووقوف المسلمين والمسيحيين صفا واحدا في الدفاع عن القدس، والقضايا القومية والمصيرية، التي تواجه الأمة، معلنا رفضه التطاول علي الإسلام، واتهامه بدعم الإرهاب في محاولة للإساءة للإسلام، وقال إن من يسيء للإسلام لا يحق له أن يتكلم باسم المسيحية، ومن يدافع عن الإسلام يدافع عن هذه الأمة، وجاء ذلك في معرض إعلانه تجديد العهدة العمرية ، التي وقعت بين الخليفة، الفاروق عمر بن الخطاب والبطريرك صفرونيوس مطران القدس، إبان الفتح الإسلامي، وأهدي في ختام الكلمة وسام القبر المقدس للشيخ يوسف القرضاوي، رئيس لجنة القدس، ورئيس اللجنة التحضيرية للمؤتمر، وتميزت الدورة السادسة للمؤتمر القومي الإسلامي بحضور رموز من كافة المذاهب الإسلامية.. سنة وشيعة، وغيرها. وطوائف مسيحية، أرثوذكسية وكاثوليكية، وأعراق عربية وكردية وأمازيغ، من بين المفكرين والساسة ورجال الدين المشاركين.أما البيان الختامي فقد جاء منسجما مع التوجه العام للمؤتمر.. فهو دعا للتصدي للمشروع الصهيو أنكلو ـ أمريكي، والثبات في مواقع الصمود والتصدي، والتمسك بسلاح الوحدة، استنادا إلي الانتصارات التي حققتها المقاومة العراقية، والانتفاضة الفلسطينية وتمكنها من طرد الاحتلال، والمقاومة في لبنان وقدرتها علي إذلال الجيش الصهيوني، وتناول البيان الانقسام في لبنان باعتباره انقساما سياسيا، يمكن معالجته وفق الآليات الدستورية، وثوابت الوفاق الوطني، المؤكدة لسيادة لبنان التامة وعروبته واستقلاله، ورفض القرارات والتدخلات الدولية والإقليمية، التي تمس سيادته وحقه المشروع في المقاومة المسلحة لطرد الاحتلال، والدعوة إلي علاقات طيبة بين لبنان وسورية، واحترام سيادة كل منهما، ودعوة الدول العربية والإسلامية إلي القيام بدورها، في معالجة الوضع المتوتر في لبنان، واعتبر المؤتمر أن دعم القضية الفلسطينية واجب قومي عربي وديني، إسلامي مسيحي، واحترام خيارات الشعب الفلسطيني، ومواصلة الحوار بين الفصائل الفلسطينية، وطنية وإسلامية، للوصول إلي تفاهمات مطلوبة، حول الجدوي من إنتخابات نيابية مبكرة، وتشكيل حكومة الوحدة الوطنية، علي قاعدة الالتزام بوثيقة الاتفاق الوطني. وأكد البيان رفضه للاحتلال الأنكلو ـ أمريكي للعراق، وكل ما نتج عنه من عملية سياسية، ورفض التدخلات الدولية والإقليمية، ومحاولات التقسيم القسري، وطالب بسحب الاعتراف الدولي من الحكومة العراقية الحالية، المشَكّلة في ظل الاحتلال، مع الدعوة إلي توحيد المعارضة العراقية وصياغة برنامج وطني مقاوم، تتبناه القوي السياسية الوطنية، مشددا علي تحريم الدم العراقي، وإدانة العمليات الإرهابية، الموجهة إلي الشعب، بجانب توصيات تتعلق بدارفور، ومشاكل المغرب العربي، وأخري عن سبل تقوية أواصر العلاقة بين القوميين والإسلاميين، وعن قضايا الديمقراطية والحريات.لم يشهد المؤتمر سلبيات حادة، رغم اختلاف منطلقات التيارين المشاركين، اللهم إلا عدم وجود الوقت الكافي لعرض تقرير حال الأمة ، فلم يتل علي المؤتمر، ولم تتم مناقشته تبعا لذلك، أو ذلك المظهر الملفت، لعدد الحراس والموافقين لقادة حماس والجهاد الإسلامي، داخل الفندق أو علي أبواب القاعات. وتبقي الانطباعة الأخيرة، التي خرج بها أغلب المشاركين، عن الدور المتنامي الذي بدأت تلعبه دولة قطر، علي صعيد عقد الاجتماعات والمؤتمرات، وإقامة المهرجانات الفنية والمسابقات الرياضية، الإقليمية والدولية، بشكل متميز وبكفاءة عالية. ہ كاتب من مصر يقيم في لندن9