الهوية الدينية والعلمانية جناحان لمجتمع سليم؟
الهوية الدينية والعلمانية جناحان لمجتمع سليم؟بثت قناة الجزيرة في برنامج الاتجاه المعاكس ليوم الثلاثاء 20 فيفري حوارا بين احد اساتذة جامعة الازهر بمصر ودكتورة عربية من لوس انجلس الامريكية امتد الي موضوع العلمانية الذي وتر خطاب المتحاورين وحملهما علي التقاذف بالتهم والغلو في الاحكام واستباحة الحقيقة سواء حول الاسلام او حول العلمانية، ولعل الضرر الذي الحقه الشيخ بصورة الاسلام والذي الحقته السيدة بصورة العلمانية افدح من ذاك الذي لحق الاسلام والعلمانية جراء خطابهما المتحامل رغم ان المناظرة كانت غير متكافئة بين طرف محنك وماسك بأطراف الموضوع وطليق اللسان واخر اقل خبرة واحاطة وقدرة علي الاداء، بما جعل المناظرة تنتهي في غير صالح العلمانية، بل تؤول الي تشويه حقيقتها. ولا ادري ان كان ذلك مقصودا في سياق خدمة المشاريع الاصولية، وتقزيم خصومها ام هي الصدفة لا اكثر ولا اقل.لقد قدم الشيخ العلمانية علي انها تعني الالحاد، وهذه قذيفة اعتادوا رميها في وجه انصار العلمانية بهدف تكفيرهم وعزلهم داخل محيطهم الاسلامي، قذيفة التكفير يرمي بها التفكير من اجل اسكاته واخراسه، واختصار مجادلته. ولم تكن السيدة تملك القدرة علي الرد بأن العلمانية لا تعني الالحاد وبأن هذا خلط مار، وان كل من ليس اسلاميا علي طريقة شيوخ التكفير تلاحقه تهمة العلمانية، سواء اكان فردا او نظاما حاكما. وعليه فجميع الانظمة التي وجدت او يمكن ان توجد في البلاد العربية سواء اكانت قومية او بعثية او ليبرالية او يسارية او غيرها، انظمة علمانية بمعني الحادية حسب الخلط المذكور، طالما الدولة التي تحكمها ليست دولة دينية علي مقاييس هذه الطائفة او تلك.لا يغيب عن العالم والمنصف ان جوهر العلمانية هو فصل الدين عن الدولة وبالتالي الشأن العقيدي المحكوم بالمطلق عن الشأن السياسي المحكوم بالنسبي، خدمة للدولة وللدين معا، وتحاشيا للضيم الذي يلحق الدولة من هذا او يلحق الدين من تلك.فصل تم بناء علي كون المعتقد مسألة ضمير، وشأنا شخصيا يحسمه الانسان بينه وبين نفسه، ويستوجب حماية الدولة الديمقراطية له، وقد بينت تجارب الحكم ان عدم الفصل بين الدين والدولة اقترن دائما بعدم الفصل بين الحزب والدولة، والحزب والنقابة، وعدم الفصل بين السلط، ومن ثمة اقترن بالاستبداد، وجر الخراب المستطير.ولذا غدت حرية المعتقد وحرية نقد الدين (ولا يعني ذلك الاساءة الي مشاعر اهل الديانات وبث الكراهية الدينية) حجر الزاوية في صرح الحريات، ذلك هو معني العلمانية، وعليه المسلم لا يمنعه من ان يكون علمانيا ينبذ الاكراه والتعصب ويؤمن بالتسامح والتنوع وبحق الاخر في اختيار معتقده ورفض الوصاية علي ضميره. والدولة العلمانية، بهذا المنظور، حارسة علي صيانة تلك الحرية من الانتهاك، مانعة لتقسيم المجتمع وتصنيفه علي اساس ديني وطائفي.اما الدولة الدينية والطائفية فطريقها محفوفة بالدماء والدموع، وحال العراق الان شاهد علي ذلك لان التعصب الذي هو وقودها يعمي البصائر ويحول اناسها الي حطب سريع الاشتعال.د. الطاهر الهماميكاتب وجامعي من تونس6