العراق اليتيم
عبود الجابريالعراق اليتيمثلاثة ملايين يتيم في العراق، هذا ما أحصته منظمة اليونسكو في آخر رصد لفعاليات الموت العراقي المعلن ـ ليس علي طريقة ماركيز ـ وكأن اليتــم جزء لا يتجزأ من تاريخنا، اليتم الذي لم تعرف منظمات الأرض الإنسانية، وغير الإنسانية سبيلا لإحصائه، فمنذ أول قدم سعت في مناكب الغربة بدأنا تدويـن أسمائنا أيتاما لا أرحام لهم سوي ذلك الحنين الذي يعرش علي جدران أيامنا الصدئة، وذلك الصمت الذي يريقه العراقيون علي ملامحهم وكأنهم يكتشــفون العراق من جديد، الوطن الذي تنتظر بزوغه مرة أخري لتتحدث عنه لا أن تسمع الآخرين يتناوبون الروايات دون أن تجد ما تقول في حضرة بليغ جلّ ثروتـــه عناوين الأخبار وما يعلق في ذاكرته من رماد الأحاديث. اليتم العراقي بأشكاله يضرب في عمق التاريخ العراقي منذ كربلاء التي اقتادت فيها جيوش يزيد بن معاوية السبي الهاشمي بأرامله وأيتامه ومنذ أن أيتم هولاكو مكتبات بغداد بأن ألقي بأمهات الكتب والمخطوطات في ماء دجلة، اليتم الذي ندركه كلما وصلنا بريد العراق يحمل نصائح أهلنا وأصدقائنا بأن لا نعود فالأوضاع آيلة إلي ما هو أسوأ من ذي قبل. فأن تترك بقية اهلك والغبار الذي أثارته خطاك، وكتابا لـم تكمل قراءته، وأن تري اختناق العبرات في عيون ذويك يتم أيضا، وأن تمرض أمك وتكتفي برفع يديك إلي سماء غريبة لتدعو لها يتم، وأن تري دبابة أمريكية جاثمة علي رصيف كنت تتقاسمه أنت وامرأتك ذات حب يتم فادح، وأن يسألك الغريب متي تعود إلي بلادك فيصاب لسانك بيتم الكلام، وان يعتاش المأجورون علي التنطع بمعرفة تفاصيل بلادك أكثر من أبيك ويعلكون ذلك الكلام علي فضائيات الكرة الأرضية يتم فاحش، وأن يقيس أصدقاؤك خطاهم بحجـم الموت المخبوء في الطريق فذلك هو اليتم، وان تكتب ولا تجد أثرا لصديق أو مقهي يقاسمانك ما اقترفت يداك فذلك هو يتم اليتم، وان تدرك أن أطفال بلادك قد كبروا من خلال خشونة أصواتهم التي تحملها إليك سماعة الهاتف، وأن تتذكر أنك كنت تهتف في آخر الستينات طفلا يلثغ ـ أمريكا ضـدّ العرب شيلوا سفارتها ـ بينما السفارة الآن أكثر أمنا من مساجد البلاد، فهل تستطيع اليونسكو، أو أية منظمة عالمية أخري أن تمسح علي رؤوسنا لعلها تحظي بأجر كافل اليتيم؟؟ وهل قامت تلك المنظمات بإحصاء من نشأوا أيتاما في العقود الثلاثة الأخيرة؟ بعد أن أضاع آباؤهم مسالك العودة إليهم في موت تربّع علي صدورنا منذ الشهقة الأولي لحياة كتب علينا أن نرتكبها في وطن لا آباء له، فالعراق يتيم أيضا، يتيم مثل كسرة خبز يتنازعها محفل من الجياع، يتيم يثكل أبناءه كلّ يوم ويدفنهم في مقابر الغرباء، بشوارعـه التي أنهكها منع التجوال والدم المتيبس علي الأرصفة، بخارطته التي توغل فيها المشارط عميقا، وبالصغار الذين تراودهم أنفسهم أن يعلنوا أبوتهم لـه كبيرا… فأني لكم أن تحصوا أيتام اليتيم…؟؟؟شاعر من العراقQMK0