الجدار الأمريكي العظيم!
الياس خوريالجدار الأمريكي العظيم!ليلة 10 نيسان (ابريل)، وضع جنود من الفرقة الأمريكية المجوقلة 82 الكتل الاسمنتية الأولي من اجل بناء جدار من حول منطقة الأعظمية في بغداد بطول خمسة كيلومترات وارتفاع ثلاثة امتار ونصف، وقد اطلقوا عليه اسم الجدار العظيم. يهدف الجدار الي عزل منطقة الأعظمية السنية الواقعة في قطاع الرصافة الشيعي، من اجل منع الاشتباكات الشيعية السنية!؟ كما انهم بنوا سورا آخر في محيط منطقة الدورة. وتشمل خطة عزل الاحياء مناطق العامرية والعامل والعدل، ومدينة الصدر.اي ان الخطة الأمنية لمدينة بغداد سوف تنتهي بتحويل المدينة معازل عنصرية وطائفية، وبذا يكون الاحتلال الامريكي قد حقق هدفه، وهو فرض الديمقراطية علي بلاد الرافدين! اذ لا تكون الديمقراطية الا بتمزيق البلاد ونحرها، بحيث يعود العراق الي العصر الحجري مثلما كان يصرح القادة الامريكيون خلال الغزو.آخر الانباء تقول ان نوري المالكي صرّح في القاهرة بأنه سوف يأمر بايقاف بناء الجدار، لأنه يذكر بجدران أخري. عسي ان يكون الاعتراض علي هذا العمل الأخرق قد حقق نتيجة ملموسة، غير ان ايقاف بناء الجدار لا يغير من واقع ان الغزو الامريكي حوّل بلاد الرافدين الي مناطق مسورة بالحقد.من جهة اخري، نجح احد مهندسي الغزو الامريكي للعراق، السيد بول وولفويتز، في شرشحة البنك الدولي، وتحويله مرتعا للفساد الشخصي والمحاباة، من خلال حكاية صديقته ذات الأب الليبي والأم الايرانية، والتي سبق لها وان لعبت دورا استطلاعيا في العراق.كما تم توظيف السيد كنعان مكية في ارشفة ذاكرة العراق، بحيث ذهبت الوثائق التي صادرها الاحتلال الي احد تلامذة الاستشراق، كي تصير ذاكرة العراق الحديثة برهانا جديدا علي ان المشكلة تكمن في الانسان العربي، وبذا يرتاح برنارد لويس ويسعد فؤاد عجمي، ويصير فشل الغزو نتيجة لمشكلة تكوينية في الانسان العربي والعراقي، وترتاح ضمائر مجرمي الحرب في البنتاغون.يستطيع مراقب ان يقول ان العرب يستأهلون ما يحل بهم. فلو لم يلعب قادتهم السياسيون اللعبة لما وصل بهم الأمر الي هذا الانحطاط الطائفي المخيف. ان استخدام هذا التحليل يعفينا من اي تحليل، لأنه يجعل من الكلام مناحة دائمة، ومن التفكير شعورا متواصلا بالذنب. والواقع ان الانسان الفرد يكاد ان يصاب بالجنون امام الهول الدموي، وهذا ما عشناه خلال الحرب الاهلية اللبنانية الطويلة، اذ بدا لنا ان لا حدود للتفكك، ولا ضابط للجنون. وغاب عن ادراكنا ان استغلال التناقضات الداخلية وايقاظ الغرائز في اي بلد مسألة ممكنة حين تتفكك آلة الدولة. واليوم يعيش اللبنانيون الخوف من تكرار مأساتهم في ظل هذا الانهيار العربي، لأنهم يعرفون ان التفكك ممكن في اي مكان فقد مجتمعه الأهلي مناعته ونسيجه.العراق اليوم في هذه الدوامة، الجدار ليس سوي تقليد احمق للجدار العنصري الذي يبنيه الاسرائيليون، بل يقال، والله اعلم، ان الجدار يأتي نتيجة نصائح اسرائيلية بضرورة استخدام الامريكيين للخبرة الاسرائيلية، من اجل تمزيق العراق، وتركه ارضا للفوضي والخراب، وساحة مستباحة للصراعات الأقليمية التي تمتد من تركيا الي ايران، مرورا بسورية والسعودية و…اسرائيل، وبذا يستطيع بعض اشباه المثقفين ليس الرقص علي وقع القصف الامريكي، مثلما فعلوا خلال الغزو، بل والرقص وسط برك الدم وعلي اشلاء بلاد ممزقة.ويبدو ان الخطة الأمنية الامريكية المالكية، (نسبة الي رئيس وزراء الاعدامات: نوري المالكي)، تتألف من شقين:الشق الأول، يتشكل من المعازل المطوقة بالجدران الحقيقية والافتراضية، بحيث يسهل علي الميليشيات الطائفية التي تتغطي بلباس البوليس العراقي صيد المواطنين علي بوابات العبور. هكذا يكون الجدار مقدمة للتطهير العرقي، وقد تلعب الخبرة الامريكية الجديدة مع الجدار دورا تجريبيا في المشروع الاسرائيلي للتطهير العرقي في فلسطين.الشق الثاني، الوصول الي تقسيم بغداد شرقية وغربية، علي غرار بيروت، فتكون بغداد الشرقية شيعية وبغداد الغربية سنية. والتقسيم الي شرقية وغربية في بيروت اقتضي مذابح مرعبة في الكرنتينا والنبعة ومخيمي جسر الباشا وتل الزعتر. ومن لم يفقد ذاكرته بعد من اللبنانيين والعرب، لا يستطيع ان ينسي هول مذبحة مخيم تل الزعتر، التي ذهب ضحيتها حوالي ثلاثة آلاف قتيل. كما ان من لم يفقد عقله السياسي يعرف ان تلك المذبحة المروعة لم تكن ممكنة لولا التواطؤ الذي مارسه النظام السوري، في ظل حضور ضباط اسرائيليين في منطقة الدكوانة المشرفة علي المخيم، كان ابرزهم بن اليعازر، (فؤاد) بطل مذبحة الجنود المصريين في سيناء.ان لعبة تقسيم مدينة السلام، مثلما كانت تدعي بغداد، تعني الهول بعينه، وتعني ان الجرح العراقي سوف يكون جرح العرب الي مرحلة طويلة مقبلة. بناء جدار الأعظمية، وخطر تقسيم بغداد، وهذا الموت الكثير في بلاد الرافدين، ليست سوي نتيجة تضافر ثلاثة عوامل:1 ـ الديكتاتورية، التي حطمت المجتمع المدني العراقي ومؤسساته النقابية والثقافية والسياسية.2 ـ الحصار الاجرامي الطويل الذي استطاعت من خلاله الولايات المتحدة استكمال تحطيم المجتمع العراقي.3 ـ الاحتلال العسكري الذي قام بحل الجيش العراقي، وتقويض مؤسسات الدولة، بحيث تمكنت الميليشيات الطائفية من السيطرة ايضا علي اجهزة البوليس والجيش، بحيث صارت هذه الأجهزة اذرعا للميليشيات.تضافر هذه العوامل، مع اصرار ادارة جورج دبليو بوش علي الحمق والحقد، يهدد بنكبة عراقية بدأت عمليا عبر الهجرة المكثفة الداخلية والخارجية، بحيث صارت الدياسبورا العراقية احدي حقائق زمننا.0