كلما أفكر في السودان وما آلت إليه الأوضاع، أحاول عبثا أن أجد سببا يقنعني أن عمر حسن البشير يستحق أن يكون رئيسا للسودان، ولو لسنة واحدة ويعييني البحث. ومن يستطيع أن يسعفني بسبب مقنع واحد سأرفع له القبعة وأنحني له على الطريقة اليابانية وأقدم اعتذاري. القائد العسكري الذي جاء مخلصا للبلاد لينشر ثورة عظيمة تجعل السودان قاعدة للثورة والثوار ينتهي به الأمر بعد 29 سنة في الحكم إلى أن يقصف فقراء اليمن، ويفتح بلاده أمام إسرائيل، على طريقة جاره التشادي إدريس دبي.
وأكاد أجزم أن الذي ساومه على الانضمام لعاصفة الحزم هو الذي رفع السعر قليلا، وأقنعه بقطع العلاقات مع حليف الأمس إيران، والانتقال إلى معسكر نتنياهو.
نظام البشير على عكس كافة الانقلابات، أطاح عام 1989 بحكومة منتخبة شرعيا بعد أن برّ الفريق سوار الذهب بوعده بأن يبقى في السلطة بعد طرد جعفر النميري عام 1985 ولغاية قيام حكومة منتخبة. انقلابات سوريا والعراق واليمن وموريتانيا وغيرها كانت تطيح بحكومة انقلاب سابق، أما الثنائي البشير وحسن الترابي فعكسا الآية، وأطاحا بأول حكومة منتخبة ديمقراطية فاز فيها حزب الأمة ورئيسه الصادق المهدي عام 1986.ظن البشير أنه يعيش في عالم خاص به فأعلن تطبيق الشريعة، مستندا إلى علوم الترابي بدون مراعاة لخصوصية السودان ذي المساحة شبه القارية، والمتعدد الأعراق والأديان والثقافات والمنابع، ما دفع الجنوبيين، وهم ليسوا عربا ولا مسلمين، أن يستمروا في تمردهم لنيل حقوقهم في حكم ذاتي موسع بعيدا عن نظام قطع الأيدي وجلد لابسات البناطيل.
لم يكن الانفصال واردا لدى جيش تحرير السودان في البداية، وقد يكون الانفصاليون وراء مقتل جون قرنق في 30 يوليو/تموز 2005، فقد كان معارضا لفكرة الانفصال التام. ومع تصعيد الحرب في الجنوب بدأ البشير يستبعد كل معارضيه، ويتحول إلى طاغية ديماغوغي. كما بدأ يجمع حوله عناصر إسلامية متطرفة، باعتباره قائد الإسلام والمسلمين. لكن تهمة مساندة الإرهاب من الولايات المتحدة كانت جاهزة عام 1993. حاول بعدها أن يبيض صفحته من هذه التهمة فقام أولا بطرد كارلوس (الثعلب) وتسليمه إلى فرنسا في 14 أغسطس/آب 1994، لعل هذه الخطوة تشفع له لكنها لم تكن كافية. ثم قام بإبعاد أسامة بن لادن عام 1996 إلى أفغانستان، لكن هذا لم يمنع الولايات المتحدة من توجيه ضربة ضد مصنع الشفاء عام 1998 بتهمة دعم تنظيم “القاعدة” المسؤول عن تفجيري سفارتي الولايات المتحدة في نيروبي ودار السلام. نقطة التحول في حكم البشير جاءت بعد محاولة اغتيال الرئيس المصري حسني مبارك عام بتاريخ 26 يونيو/حزيران 1995 وهو في طريقه من مطار أديس أبابا إلى مقر مؤتمر منظمة الوحدة الإفريقية. وقد اتهمت حكومة البشير بإيواء تنظيم الجماعة الإسلامية التي تبنت عملية الاغتيال. أصدر مجلس الأمن العديد من القرارات ضد السودان، وفرض سلة واسعة من العقوبات تحت الفصل السابع، وأصبح البشير معزولا عربيا وإفريقيا وعالميا. فما كان منه إلا أن وسع جبهات النزاع في الجنوب، ومع الجارة إرتيريا، وفي منطقة حلايب على الحدود المصرية السودانية وتشاد وإثيوبيا. ومن جهة أخرى بدأ يرسل الإشارة تلو الأخرى على استعداده للتعاون في مكافحة الإرهاب في ما إذا أعيد تأهيله مرة أخرى، بما في ذلك إعلان القطيعة مع الترابي عام 1999 ووضعه في السجن عام 2004.
من الصعب إذن حصر إنجازات البشير في مقال قصير، لكن يكفي أن نذكر أنه خسر الجنوب بثرواته النفطية، بسبب اتفاقية السلام الشاملة التي وقعها في 9 يناير/كانون الثاني 2005. في الماضي كان يحارب داخل السودان مع جزء يريد أن ينسلخ عن الوطن. أما بعد استقلال الجنوب بتاريخ 9 يوليو 2011 فقد أصبح يجابه دولة معترفا بها، ولها تحالفات متينة مع إسرائيل والولايات المتحدة ودول الجوار. وأشعلت سياساته حرب دارفور التي ذهب ضحيتها ما يزيد عن 300000 قتيل، وأكثر من مليوني مشرد، عدا عن مئات ألوف اللاجئين في تشاد. كما انتقل الصراع إلى جنوب كردفان والنيل الأزرق ومنطقة أبيي على الحدود مع جنوب السودان. والأدهى من ذلك أنه ملاحق من قبل المحكمة الجنائية الدولية، بعد صدور قرار إدانته بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في دارفور عن طريق ميليشيات الجنجويد التي أعدها ودربها وأطلق يدها لتحرق وتقتل وتنهب وتغتصب. وقد أصدرت المحكمة بتاريخ 4 مارس/آذار 2009 مذكرة اعتقال بحق البشير وهي أول مرة في التاريخ تدين هذه المحكمة رئيس دولة ما زال على رأس الحكم فيها.
يبدو أن البشير بعد كل تلك التنازلات يئس من إمكانية إعادة تأهيله، وقرر أن يستخدم البوابة الذهبية/ إسرائيل التي توصل طارقها إلى قلب واشنطن، أسوة ببعض دول الخليج وإفريقيا. فلم يعد محظورا في السودان أن يتكلم الناس عن التطبيع مع إسرائيل.. فجاره الغربي الرئيس التشادي إدريس دبي، قام بنفسه بزيارة إسرائيل بعد 46 عاما من قطع العلاقات الدبلوماسية بين الجانبين. وجنوب السودان، الدولة التي ولدت مشوهة بعملية قيصرية من رحم السودان عام 2011 أقامت علاقات تطبيعية فورية، وكانت أول زيارة لسيلفا كير لإسرائيل ليشكرهم على مساهمتهم في انفصال الجنوب، ومن جهة الشرق تقيم دولتا إرتيريا وإثيوبيا علاقات حسنة مع تل أبيب. أضف إلى ذلك الجارة الكبرى مصر أول دولة عربية ترفع علم إسرائيل في عاصمتها، لكن البشير ظل يهز عصاه ويتوعد إسرائيل، بل أقام في فترة سابقة علاقات مميزة مع إيران وحماس والجهاد. واعتبر بلده قاعدة للممانعة والتصدي والصمود في وجه الإمبريالية والصهيونية، فقامت إسرائيل باختراق أمني خطير في السودان ودمرت مصنع اليرموك للذخائر في أكتوبر 2012.
وبعدما أوقعوه في الفخ وثبتوا عليه جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، بدأ يتحول وينصاع أكثر وصولا إلى يوم قريب ربما، لن يكون مفاجئا عندما نرى طائرة نتنياهو تحط في أم درمان، ويذهب البشير لاستقباله لكن بدون عصاه، كي لا يثير الريبة في نفس الضيف الذي لا يأتمن أحدا.
لقد أثار الكلام الذي أذاعته هيئة الإذاعة الإسرائيلية، يوم الاثنين 26 نوفمبر/تشرين الثاني، بشأن عزم رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو زيارة السودان، وأن ثمة طواقم تعمل على بناء علاقات مع الخرطوم، المزيد من الاجتهادت حول تطور لافت في العلاقات بين إسرائيل ودول عربية أخرى. مؤشرات التطبيع بين السودان وإسرائيل، رغم النفي الرسمي، كثيرة من بينها تصريح مبارك الفاضل، وزير الاستثمار ونائب رئيس الوزراء السابق، والذي دعا إلى مراجعة موقف السودان من اسرائيل وصمت الحكومة عن هذا الموقف، وهو ما فتح الباب أمام تكهنات المراقبين عن مغزى السكوت عن تصريح مفاجئ لمسؤول كبير. لم يكتفِ الفاضل بالتزلف والتملق لدولة الاحتلال والدعوة للتطبيع معها، وإنما راح يتهم الفلسطينيين بأنهم باعوا أراضيهم، وأن القضية الفلسطينية كانت السبب في التأخير الشديد للعالم العربي، وكأن الفلسطينيين هم المسؤولون عن انفصال جنوب السودان.
المفكر والأكاديمي في جامعة الخرطوم مصطفى نواري، دعا في حديث لعرب 21 إلى “عدم التعاطي بحساسية سياسية غير موضوعية بشأن العلاقة مع إسرائيل”، ويتساءل قائلا: جميع الدول المحيطة بالسودان أنشأت علاقات مع إسرائيل، وقبل ذلك مصر، فهل يترك السودان كجزيرة معزولة أمام أقوى دولة في المنطقة؟
الخرطوم قطعت علاقاتها مع طهران بدون سبب معلن وفي الوقت نفسه، يصرح وزير الخارجية إبراهيم غندور بأن “السودان يمكن أن يدرس مسألة التطبيع مع إسرائيل”، وتوضع هذه “المسألة” على جدول أعمال لجنة العلاقات الخارجية لمؤتمر الحوار الوطني السوداني، لتؤيد غالبية أعضائها إقامة علاقات مشروطة معها.
إذن الموضوع جاد وقطع مراحل بعيدة ونحن على أبواب سودان ينضم لمجموعة المطبعين، الذين حولوا الخلاف مع إيران إلى تناقض رئيسي يصغر معه العداء لإسرائيل. وبهذا يكون السودان بقيادة البشير انتقل من النقيض إلى النقيض. وهذا ليس جديدا على أنظمة الطغيان التي لا تأبه بمشاعر شعوبها ورغباتهم وخياراتهم. فالطغاة عادة لا يتعلمون من أخطاء غيرهم فيقعون في الأخطاء نفسها، ويرتكبون الجرائم وينتهي بهم الحال إلى المصير نفسه: مقصلة أو سحل أو اغتيال أو طرد أو جرجرة في الشوارع. وعندما تدق ساعة الحقيقة ويتمرد الشعب على قيوده يجد الطاغية نفسه وحيدا أو طريدا أو شريدا، بدون أصدقاء أو مريدين أو مطبلين. وعندها سيسقط الطاغية وحيدا، بدون أن يذرف أحد عليه دمعة أو يرثيه بقصيدة أو يتأسف على رحيله.
* محاضر في مركز دراسات الشرق الأوسط بجامعة رتغرز بنيوجرسي
هكذا بررت الحكومة السودانية قطع علاقاتها الدبلوماسية مع إيران :
” أكد وزير الخارجية السوداني إبراهيم غندور للجزيرة أن السودان قطع علاقاته الدبلوماسية مع إيران على خلفية التدخلات الإيرانية في المنطقة على أسس طائفية واعتداءاتها على سفارة وقنصلية السعودية في طهران.
وكانت وكالة الأنباء السعودية قد أوردت في وقت سابق أن مدير عام مكتب الرئيس السوداني أبلغ ولي ولي العهد السعودي هاتفيا أن الخرطوم قررت طرد السفير الإيراني ومعه كامل البعثة الدبلوماسية، إضافة إلى استدعاء السفير السوداني من إيران، مؤكدا إدانة السودان لتدخلات طهران في المنطقة وإهمالها حماية السفارة والقنصلية السعوديتين في إيران.
وأعرب المسؤول السوداني عن وقوف السودان مع السعودية في مواجهة الإرهاب وتنفيذ الإجراءات الرادعة له ” إهـــــ .
خيبتنا الأُخرى وليست الأخيرة لأننا بانتظار خيبات كثيرة
إياك تجني سكرا كن حنظل …فالشيئ يرجع بالمذاق لاصله
ايران.اسرائيل وجهان لعمله واحده وحكامنا عباره عن جسور لتنفيذ اي مخطط يدمر ويخرب وينال منا.فالثوره الشعبيه من المحيط حتي الخليج هي الحل.فثروات السودان وحدها كفيله بجعل العالميين العربي والاسلامي في رخاء تحسدنا عليه اسرائيل ومالف لفها ولكن طالما قصور حكامنا غرف مظلمه لتمرير مطامع اسرائيليه واميريكيه او ايرانيه فلا سبيل لمخرج الان.. لعن الله كل ما فسد وافسد وترك القارب تجره رياح الاعداء.
التزاحم في الانبطاح لم يعد مخجلا
ستزول الأقنعة المزيفة وسنشاهد قلة ألحياء على وجوه من باعوا الأوطان ، وبعدها يتحتم على الشعوب المقهورة أن تاخذ مواقعها دون تردد في أداء الواجب الوطني دون الإلتفات للخلف وهو بالتأكيد قادم .