عقلنة الأهداف والآليات في رد الفعل الإسلامي.. وجهة نظر أخري
د. محمد حسام حافظعقلنة الأهداف والآليات في رد الفعل الإسلامي.. وجهة نظر أخري لا أحد يستطيع منع الغضب العارم لدي الأمتين العربية والإسلامية من أن يأخذ مجراه. لقد أساءت تلك الرسوم الغبية والقبيحة إلي أهم شخصية في هذين العالمين. وأهميته الإنسانية لا تقل أبداً عن أهميته وقداسته الدينية. وإذا كانت الأهمية والقداسة الدينية تهم المسلمين فحسب فإن القداسة الإنسانية تخص البشر جميعاً وذلك لأمرين اثنين: فإما أن ينظر إلي النبي محمد عليه الصلاة والسلام من منظور المضمون الإنساني لرسالته بغض النظر عن الإيمان بدينيتها أو ماورائيتها التي نؤمن بها نحن المسلمون أو أن ينظر إليها من المنظور الإنساني القدسي الذي يعبر عنه تقديس عدد هائل من البشر له وإيمانهم به كنبي مرسل ورمز لهوية ولثقافة. وفي الحالين المذكورين لا مشاحة من تصنيف الرسوم البلهاء تحت عنوان انتهاك حق الغير بما يراه مقدساً وحتي الاعتداء علي ما يراه الغير شعوراً عاماً بالتقديس. ونحن هنا طبعاً لا نقول بأننا ننزل نبينا المصطفي عليه الصلاة والسلام منزلاً ألوهياً لا سمح الله وإنما نراه إنسانا رسولاً حمل رسالة خير إلي العالم أجمع، نعتقد نحن المؤمنين بها ديناً سماوياً ولنا الحق بأن يحترم الآخرون هذا الإيمان وأن يحترموا مظاهره ومستلزماته. إذن لا أختلف مع معظم المسلمين في تصنيف ما جري وأشاركهم الشعور بالمرارة التي خلفتها هذه الأفعال علي أمتنا التي تمر بأحد أخفض المراحل في حياتها. ولعلي أجد عشرات الأعذار لمن خرج في مظاهرات مفجراً غضبه في الشوارع وعلي شاشات التلفاز من هول ما شعر من تدنيس لأحد أهم مقومات شخصيته الأيديولوجية والروحية وربما الحضارية، ولكني أجد نفسي وقد أخذت موقفاً رافضاً للعنف غير المبرر والموجه إلي غير مستأهليه. فأنا لا أري في مهاجمة السفارات دليل صحة أو دليل غضب مبرر لنصرة القضية التي من أجلها يفترض أن العنف قد تفجر. أبدأ فأقول إن نبينا هو نبي الحكمة والموعظة الحسنة، فهو عليه الصلاة والسلام الذي كان يخاطب الناس علي قدر عقولهم، داعياً إياهم ليلاً ونهاراً سراً وجهراً إلي ما رآه من الحق. وهو الذي لم يقرب ـ حتي بعد الإذن بالقتال ـ حرمات من لم يؤذه أو يعرقل إيصال رسالته الإسلامية الخالدة. وآية القتال معروفة وأوضح من نور الشمس وهي دعوة لرد الظلم بالقوة، وليست دعوة مفتوحةً للانتصار للقوة علي الحكمة والموعظةِ الحسنة. يقول الله عز وجل في سورة الحج: أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَي نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (39) الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (40). ولعل أحد أهم مصائب الأمة في الوقت الراهن هو عدم تحديد الهدف أو تعميمه بشكل يؤدي الي فقدان أهمية التحرك بل وضياعه في خضم الأحداث المتلاحقة. وأدعو هنا الي ترشيد وعقلنة تحديد الأهداف واختيارها بدقة دون تعميم مفرط. فالغرب ليس جسماً واحداً متجانساًً ومعاملتنا اياه بهذا الأسلوب تعني أننا أمة عواطف وليس أمةَ عقل وحكمة. وتعني أيضاً أننا لم نتعلم دروس رسولنا الكريم صلي الله عليه وسلم كقائد سياسي واجتماعي. فهو لم يعامل حتي المشركين علي أنهم كتلة واحدةً وفي حين كان مشتبكاً مع احدي تلك القبائل في حرب مكشوفة (قريش مثلاً) حالف غيرها من القبائل المشركة ولم يقل بأنه وبسبب أن ملة الكفر واحدة يجب أن نعاملها كوحدة واحدة لا تتجزأ، بل قام عليه الصلاة والسلام بالاستعانة بهذه القبائل بسياسة بالغة الحكمة كانت بالنتيجة تؤدي إما الي النصر السياسي والعسكري أو التقارب التام بإسلام بعض تلك القبائل. كما أن رسولنا الكريم لم يعامل القبائل اليهودية في المدينة المنورة أيضاً كوحدة واحدة لا تتجزأ بل عاملها كوحدات مستقلة وعندما غدرت إحداها لم يلجأ الي إجلائها جميعاً عن المدينة المنورة أو محاربتها جميعاً بسبب نقض إحداها العهد الذي بينها وبينه بل كان في محاربته لكل منها سبب وجيه مستقل في ذاته وفي توقيته. وأنا هنا لا أريد أن أقول بأن الأصل في العلاقة بين العالمين الإسلامي وغير الإسلامي هو الحرب وبأننا يجب أن نستعمل السياسة بحيث لا نحاربهم جميعاً في ذات الوقت ولا نستعديهم جميعاً في وقت واحد، بل أقول بأن أساس العلاقة بين العالمين هو التعارف والتواصل السلمي. وفي هذا يقول الباري عز وجل في سورة الحجرات: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَي وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13). حتي أن النبي الكريم صلي الله عليه وسلم وقد أصيب وأدمي يوم أحد أبي أن يلعن المشركين. فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قيل يا رسول الله ادعُ علي المشركين، قال: إني لم أبعث لعاناً، و إنما بعثت رحمة . وأنا واثق أن في ذهن كل منا من الأمثلة الشيء الكثير عن الرسالة الحقيقية التي أتي بها الإسلام. اذن، أنا لا أدعو إلي عقلنة أو تسييس الحرب بين العالمين الإسلامي وغير الإسلامي فأنا أعتقد أن أصل العلاقة هو التعارف والتواصل بل سـقت الأمثلة من دروس سيرة نبينا محمد صلي الله عليه وسلم لأقول بأنه علمنا كيف نحدد الهدف ولا نحرف الطريق أو نستعمل من الوسائل ما قد يضر ولا يفيد. فمن أوضح الأخطاء التي يرتكبها المتحدثون العرب والمسلمون إلي الاعلام الغربي هو التعميم المخل. ويعني ذلك أمرين جوهريين؛ أولهما أن يجيب المتحدث عن سؤال محدد واضح بجواب انفعالي عام يحشر فيه العالم الاسلامي ككل واحد منزه عن الأخطاء كبرت أم صغرت وفي مساحة زمنية تطول أو تقصر ويضع العالم الغربي كله في زاوية أخري ويضيفي عليه أوصاف الهيمنة والشر وغيرها. أما الأمر الثاني فهو تجميع ما يدور في مخيلة رجل الانسان العربي من صور القهر والاضطهاد الذي مارسه الغرب الاستعماري ضد الشرق الضعيف طيلة قرون ويضعها أمام المشاهد أو المستمع الغربي لربما تحت تأثير الاعتقاد الساذج بأن هذا العمل سيوضح للجمهور الغربي ما أخفاه سياسيوه عنه وسيؤدي الي كسب تعاطفه. وربما من المفهوم أن يتم هذا الطرح في جلساتنا العائلية والفكرية ذات اللون الواحد في الوطن العربي أو في برامج اعلامية تبثها قنواتنا الأرضية والفضائية ليل نهار ولكن أن تتم محاكاة هذا اللون من العرض أمام الجمهور الغربي وعلي وسائل اعلامية غربية فهذا لا يعدو أن يكمل الصورة النمطية السلبية التي اسـتطاعت بناءها الآلة الاعلامية الغربية عبر عقود من الزمان. الصورة التي يظهر فيها العربي أو المسلم غاضباً حاقداً علي الغــــرب المتحضــر . العربي الذي لا يستطيع الحوار ـ وليس فقط غير المؤمن بها لعلةٍ موروثةٍ متأصلةٍ في جيناته. ومن جانب آخر، ستحفز هذه الطروحات الجانب الغريزي لدي المشاهد الغربي في شخصيته ـ وليس الفكري ـ وسيلجأ إلي رد الفعل التلقائي بالدفاع عن النفس سواء أكان متفقاً مع بعض ما يقوله المتحدث العربي (أو المسلم) أو غير متفق. ومن جملة الأخطاء التي نرتكبها في أوج الأزمة الحالية هو استعمال ما قد نراه أسلحةً أو أدوات صراع أو نقاش لكنه بالنتيجة لا يصب إلا في مصلحة مبغضينا وأعدائنا. فالتوجه الحالي لدي بعض المتحدثين من المسلمين أمام وسائل الاعلام الغربية في تحفيز مسألة الهولوكوست خلال ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضي، بصورةٍ سلبية كانت أم ايجابية، هو توجه تنقصه الحكمة أو هو غير نافع علي أقل تقدير. وأقصد بالشكل السلبي لتحفيز الموضوع هو أن يقال بأن الغرب لا يسمح بأن يشكك بمجازر النازيين ـ لا سيما ضد اليهود ـ ولا حتي أن يتم التداول أو التشكيك، في وسائل الإعلام، بأعداد ضحايا تلك المجازر، لذلك فإن حديثه عن حرية التعبير هو حديث فارغ وبأن ردنا علي الغرب إذن يجب أن يكون من خلال تناولنا لهذا المفهوم، غير القابل للتشكيك في الغرب، تهكماً أو تشكيكاً. أما الجانب الايجابي في التحفيز فهو القول بأنه إذا ما استمر حال عداء الغرب للمسلمين فلربما نشهد ـ أو سنشهد ـ مجزرةً للمسلمين في الغرب كالمجازر التي قام بها الأوروبيون ضد أقليات عدة من يهود وغجر وغيرهم. وقد يكون هناك عدم دقة في هاتين الإشارتين من الناحيتين التكتيكية والاستراتيجية للقضية الإسلامية. فالهدف غير محدد بشكل جيد في كلا الحالين والوسيلة بكل الأحوال غير مناسبة. نشارك الكثيرين رأيهم بأن هناك مؤشرات عديدة علي الاستخفاف بالمسلمين كدين وكثقافة وهناك انعكاس لهذا الاستخفاف علي الأقليات الدينية في الغرب، لا سـيما الاسلامية منها، من قبل المتطرفين في اليمين السياسي ـ وليس الديني ـ الأوروبي. وبعض هذا اليمين السياسي قريب جداً من الحركات الفاشية التقليدية ومن الحركات اليمينية الأطلسية المعروفة بعدائها للشرق والشرقيين عموماً. وقوة هذا اليمين في صعود مستمر وهو يحاول كسب المزيد من السيطرة علي النخب السياسية المتحكمة بالأمن الأوروبي وعلي حلفائها من سياسيين وأكاديميين وأرباب الصناعات العسكرية والأمنية وشبكات تقديم المعلومات وتجارة الأسلحة في أوروبا. وعلي الرغم من تصاعد قوة هذا التكتل فإنه لم يصل بعد مبلغاً كبيراً من القوة بحيث يقلب المعادلات والتوازنات القائمة حتي الآن علي الساحة السياسية الأوروبية والأطلسية. وهو أقل وزناً في الساحة الداخلية من التيارات السياسية الليبرالية التقليدية ـ غير الامبريالية ـ التي لا تسعي إلي حرب دينية أو ثقافية بل تنظر إليها بعين التخوف. لكن في استعمال البعض من المتحدثين العرب والمسلمين أمام الاعلام الغربي للمقولات التي يصفونها غربياً باللاسامية ـ رغم غباء هذا المصطلح فالعرب ساميون أصلاء ـ يسهم إلي حدٍ كبيرٍ في مد تلك الكتل السياسية بعناصر قوة ضد قوي الانفتاح الليبرالي وضد حقوق الاقليات وضد الحريات وهذا ما سيضر حتماً بالأقليات الاسلامية متزايدة الحضور السياسي في الغرب. وبعبارة أخري إن في استعمال هذه المقولات تقوية لعناصر معادية للقضايا العربية والاسلامية وللوجود العربي والإسلامي في الغرب من جهة واستعداءً لقوي مناصرة لقضايانا. إن للظهور والتحدث أمام وسائل الاعلام الغربية قواعد وأصولا وخطوطا حمراء قد لا تمت إلي العدالة أو الحرية بصلة قربي وقد لا نؤمن بمصداقيتها وعلي الأغلب لا نتفق مع كثير منها، إلا أنه من الأفضل مراعاتها حتي نصل إلي فكر وقلب المشاهد الغربي. فالاعلام في الغرب يعكس وجهة نظر أوروبية عامة لمفهوم اللاسامية ولا بد للمتعاملين مع الاعلام الغربي من فهمه فهماً عميقاً بصرف النظر عن صحته أو عدالته أو قناعتنا به. وعلي الرغم من أن الحركات الصهيوينة ـ لا سيما الأمريكية منها ـ قد استغلت ولا شك سياسات ألمانيا النازية أبشع استغلال لاستدرار عطف الرأي العام الغربي من أجل بناء الدولة العبرية ومدها بأسباب الحياة والقوة ضد أصحاب الحق من الفلسطينيين والعرب إلا أن اللاسامية بالنسبة للأوروبيين تعني شيئاً آخر تماماً. فما زالت أحداث الحرب العالمية الثانية العدسة الأهم في نظرة الأوروبيين لأنفسهم حتي هذه اللحظة، وما زال مفهوم الهولوكوست حجر الزاوية في تعريف أوروبا الجديدة لنفسها من خلال نوع من الاعتراف الجمعي بالخطيئة ومن خلال عدم المساس بصنم الهولوكوست في الضمير الأوربي. وحجتهم الأساسية تتلخص بأنه من الضروري الحفاظ علي هذا المفهوم ـ الصنم ـ بدون تغيير وحتي بدون اخضاع لقواعد البحث والدراسة العلمية لئلا يتكرر ما حدث ابان تلك الحقبة السوداء في تاريخ أوروبا. ويعتقد الأوروبيون أن الجانب اليهودي الصهيوني في مسألة الهولوكوست ليس الجانب الأكبر، ويرون أن الجانب الأهم هو فظاعة الاشتراك في الجريمة والسقوط الأخلاقي الكبير الذي وقعت فيه شعوب أوروبا بدرجات متفاوتة. وعلي الرغم من أن عدداً كبيراً من الشعوب الأوروبية لم تساند النازيين إلا أن ما يحرك الشعور بالذنب في مخيالها الجماعي هو سيادة احتقار اليهود في التاريخ والتراث الأوروبيين ـ شخصية شايلوك في مسرحية شكسبير تاجر البندقية الشهيرة ـ ويري بعضهم أن هذا هو الموقف الرسمي للفاتيكان أيضاً. ومن الضروري معرفة أن المنطق الثقافي العاطفي لهذا الموضوع في أوروبا يتجاوز تناقضاته المنطقية. ومن قبيل تلك التناقضات أن معظم من يعلي شأن مبدأ تحريم التشكيك في مجازر النازيين لم يكن له يد فيما حصل من قريب أو بعيد، وبأن من قام بقتل أقليات عرقية ودينية زمن النازيين ليسوا هم أنفسهم من قرر التعويض عن الذنب بالمساهمة في انشاء الدولة العبرية وهم ليسوا ممن قام بتصرفات امبريالية تعبر عن فكر يميني غربي متطرف يحتقر الآخر.وبالمقابل فإن كثيراً من العرب الذين يتصدون للموضوع في وسائل الاعلام الغربية يركزون علي البعد الصهيوني في استغلال مجازر الحرب العالمية الثانية وقد يستعملون عبارات غـــــير مدروسة تؤدي إلي اخافة واستعداء كتل وعناصر سياسية أوروبية تقف تقليدياً إلي جانب القضايا العربية والاسلامية. كما أن هناك جوانب أخري لا يمكن تجاوزها لدي تبيان خطورة الاستعمال غير المدروس لمسألة الهولوكست من قبل المتحدثين العرب والمسلمين أمام الاعلام الغربي، للتدليل علي ظلم الغرب واستعماله لمعايير مزدوجة. وفي هذا السياق يمكن قراءة البحوث التي نشطت في الفترة الأخيرة والتي تتمثل في الكشف عن وثائق مزعومة ونشر الدراسات التي تدعي وجود تعاون عربي وإسلامي مع النازيين وتستغل هذه المقولات لتغذية المخيال الجماعي الأوروبي بعوامل ربط الإسلام كدين وكثقافة بالعقائد الشوفينية التي لا تعترف بالآخر والتي لا بد من استئصالها. ومن ذلك ما يدعيه بعض الباحثين بأن النازيين كانوا يستعملون عواصم عربية كمركز لهم ضد دول الحلفاء. ويسوق هؤلاء موقف مفتي الديار الفلسطينية ورئيس اللجنة العربية العليا في فلسطين الحاج أمين الحسيني المناصر للألمان كمثال عن التقارب الإسلامي النازي. بل ان بعض المنظرين الأوروبيين اليساريين يذهبون أبعد من ذلك، فهم يحاولون زرع فكرة خبيثة تربط المقاومة العربية في فلسطين بالفكر النازي ويناضلون لايجاد الأدلة علي وجود علاقة، فكرية علي الأقل، ما بين الحركات الاشتراكية القومية العربية كالحركة البعثية والناصرية وبين الفكر الألماني النازي. ويحاول هؤلاء أيضاً الترويج لمقولة أن الفكر المعادي لليهود منتشر أصلاً في الشرق الأوسط ويسعون بذلك إلي تصوير العرب أمام الرأي العام الغربي كداعمين معنويين للنازية وكمتورطين من الناحية الأخلاقية بما حصل لليهود ابان الحكم النازي، ربما بأثر رجعي؟! وعلي الرغم من عدم صحة هذه المقولات وظلمها للعرب والمسلمين وسوء النية البالغ في طرحها وفي اختلاق وحبك الروايات التاريخية لتثبيت مراميها، إلا أنه لا يمكن تجاهلها ولا بد من أخذها في عين الاعتبار عند التحدث الي الجمهور الذي يتلقي أصلاً كمية هائلة من الأفكار المعلبة المسـيئة للاسلام وللعروبة. حيث يري بعض الكتاب أن تناول بعض المتحدثين العرب والمسلمين لموضوع الهولوكوست في وسائل الإعلام ـ لا سيما الغربية ـ يؤدي إلي إنجاح مساعي هذه التوجهات الرابطة بين الإسلام والعروبة من جهة والنازية اللاسامية من جهة أخري في الذهنية الغربية. وبشكل موجز إن موضوع مجازر النازيين ومكانها في وجدان كل شعب من الشعوب الأوروبية هو موضوع غاية في التعقيد أو علي الأقل أكثر تعقيداً مما في ذهن الكثير من المثقفين العرب، فهو يتعلق بنظرة الأوروبيين كشعوب لأنفسهم. وهو بعيد تماماً عن المقارنة ما بين وزن المسلمين السياسي أو الاجتماعي أو الديني في أوروبا بوزن اليهود. فصحيحٌ أن بعض التجمعات والعناصر السياسية المعادية للاسلام والمسلمين في الغرب هي ذاتها أكثر التجمعات انتصاراً لاسرائيل ولكن طرح قضايا حساسة غربياً بشكل سلبي أو ايجابي غير متوازن وغير مدروس في النقاش الفكري أو السياسي العلني في الغرب قد لا يخدم إلا هذه العناصر وتلك التجمعات.أما الرد الحقيقي علي ما يجري من احتقار وتدنيس للمسلمين ومعتقداتهم ومقدساتهم فهو اعتبار ما حصل شرارة التحول الاسلامي الكبير ولا أقصد بذلك اندلاع ثورة عنيفة من قبيل ثورات القرن الماضي التي عانينا منها ما عانينا. انما القصد بالتحول الاسلامي الكبير في مجتمعاتنا وفي جالياتنا العربية والاسلامية في الغرب هو الصحوة التنظيمية والتخطيطية. إن ما حصل من إساءة للمسلمين ومن ورد فعل إسلامي عام يمكن أن يوظف من قبل النخبة الإسلامية من علماء ومفكرين ومثقفين في التنوير لثقافة إسلامية جديدة. أساس هذه الثقافة هو الدعوة للجهاد الأكثر إلحاحا في هذه الحقبة من التاريخ. إنه جهاد البناء، بناء الأمة من جديد علمياً وثقافياً. إن ما حدث من انتفاضةٍ إسلاميةٍ عامة، وإن كانت في كثير من الأحيان قد أخطأت الهدف والوسيلة، يمكن أن يكون الرافعة الحقيقية للتغيير نحو الأفضل. ہ كاتب من سورية8