لن تنتهي المعركة على حماس في الفترة القريبة دون مداورة سياسية مع المداورة البرية التي ينفذها الجيش الاسرائيلي. وحتى لو تم احراز وقف اطلاق نار في الايام القريبة فسيعبر عن عدم حسم عسكري حقيقي ويستعمل ساعة الضبط استعدادا للمواجهة التالية.
من الواضح أن لاسرائيل قوة عسكرية وقدرة على الثبات أكبر مما لحماس بما لا يقبل المقارنة. والجبهة الداخلية مستعدة لأن تدفع الثمن كي تُحل مشكلة الصواريخ للأمد البعيد، والقبة الحديدية تؤدي عملا ممتازا وتساعد في قدرة الجمهور على الصمود، وعملية تدمير أنفاق الهجوم ضرورية جدا – والمستويان السياسي والامني يتصرفان الى الآن بحذر يقتضيه القتال في ميدان معقد جدا.
لكن المشكلة الأهم هي أن حماس ليس لها ما تخسره لأن وضعها سيء جدا. فهي في أزمة شديدة مع مصر وليس لها حليف حقيقي ما عدا قطر وتركيا اللتين تبحثان عبثا عن صلة بالأحداث، ووضع حماس وقطاع غزة الاقتصادي في اسوأ أحواله، فهي غير قادرة على أن تدفع الرواتب الى رجالها وعمال الجمهور في القطاع – والشعور بالعزلة والحصار أعمق مما كان من قبل. وأشد من ذلك أن عملية المصالحة التي كانت من وجهة نظر حماس عملا استراتيجيا يرمي الى تحسين حالها والحصول على الشرعية فشلت الآن.
مشكلات حماس
دُفعت حماس في السنة الاخيرة الى وضع يائس من وجهة نظرها وهي مستعدة لأن تدفع ثمنا باهظا (ولا سيما من القتلى من أبناء شعبها) لتحرق أوراق اللعب الاستراتيجية مجددا.
وقد وجدت اسرائيل نفسها تُجر الى ازمة استعدت لها حماس استعدادا جيدا في السنوات الاخيرة من جهة عسكرية، وهي التي تستغل استغلالا قاسيا كل نقاط ضعف القطاع لاسقاط الحصار والعزلة الدولية ولتحرز انجازا مهما ايضا في الساحة الفلسطينية الداخلية.
لكن حماس تلاقي عدة مشكلات وهي أن رد اسرائيل قاسٍ جدا، والقبة الحديدية تمنع الى الآن انجازا حقيقيا برغم مقادير الصواريخ المطلقة ومداها المذهل. وهكذا أخذت حماس تُدفع الى وضع ليس لها فيه اجراء يكسر التعادل حقيقي ولم يبق لها سوى أن تعتمد على الاستمرار على قدرة اطلاق النظام الصاروخي تحت الارض وعلى بحث يائس عن انجاز تستطيع أن تعرضه على أنه استراتيجي: من تسلل الى بلدة مدنية وتنفيذ مذبحة في مدنيين الى اصابة شديدة لقواتنا واختطاف جندي أو جنود أو مدنيين الى اصابة قذيفة صاروخية تفضي الى مصابين كثيرين في اسرائيل. وأنا أرى أن حماس ستوافق على تليين موقفها كثيرا اذا أدركت فقط أن استمرار حكمها لقطاع غزة موجود على شفا خطر وجودي.
تملك حكومة اسرائيل خيار الاستمرار بل تعميق العملية البرية الى داخل المناطق المأهولة حيث يختبيء قادة حماس وحيث تُخبأ قواعد الاطلاق في داخل الارض.
ويستطيع ضغط عسكري فعال كهذا أن يقلل كثيرا بل أن يوقف تماما اطلاق القذائف الصاروخية (ويتعلق ذلك بالطبع بمساحة المنطقة المأهولة التي ستنقل الى سيطرة الجيش الاسرائيلي)، وأن ينشيء بالنسبة لدولة اسرائيل عددا من الخيارات لانهاء الازمة يمكن أن تراوح بين احتلال كامل وتطهير للقطاع وبين وقف العملية في الوقت الذي تبدأ حماس فيه الشعور بالضغط وتوافق على قبول الشروط التي تعرض عليها.
يمكن أن تتم هذه العملية في مرحلتين: مرحلة السيطرة الاولى على الارض التي يمكن أن تستمر بضعة اسابيع، ومرحلة تطهير الارض التي سيطرنا عليها من المخربين، من الانفاق والصواريخ ومختبرات التخريب وخطوط انتاج الوسائل القتالية – ويمكن أن تطول بضعة أشهر الى سنة أو سنتين بحسب مساحة الارض التي سيتم معالجتها.
يمكن أن نتفهم عدم حماسة الحكومة لتعميق العملية في مناطق مكتظة بالسكان من القطاع. فهذا تحد عسكري وانساني وسياسي من الطراز الاول، وسيكون له ايضا ثمن بشري مؤلم جدا. لكنني أعتقد مع ذلك أنه يمكن احراز انجازات حقيقية في هذه العملية لأنه حتى لو وجدت في رأيي جيوب مقاومة شديدة في بعض الاماكن فان قدرة الذراع العسكرية لحماس على الصمود في مواجهة مباشرة مع الجيش الاسرائيلي أقل كثيرا مما يميلون الى اعتقاده. والمشكلة هي أنه من غير هذه العملية سينشأ وضع راهن اشكالي جدا يعني سفك دم متبادلا دون قدرة على الحسم.
كلما مر الوقت سيحكم الجمهور في اسرائيل على انجازات الحكومة لا بحسب عدد بيوت نشطاء حماس والجهاد الاسلامي التي دُمرت، ولا بحسب عدد الانفاق الذي دُمر، ولا بحسب عدد قواعد اطلاق الصواريخ التي فُجرت، ولا بحسب النسبة بين المصابين من السكان الفلسطينيين والسكان الاسرائيليين.
خطر الوضع الراهن
يجب على اسرائيل أن تحرز انجازا مهما جدا قبل أن تبدأ تعقيدات مثل نشوء جبهات اخرى في يهودا والسامرة، ومظاهرات احتجاج من مواطني اسرائيل العرب أو حتى اشتعال الجبهة الشمالية.
ولا يقل عن ذلك خطرا أن التفويض الدولي النسبي الذي تحظى به دولة اسرائيل الى الآن قد يتلاشى سريعا.
يوجد في الوضع الذي نشأ عدد من الخيارات غير السهلة من جهة عسكرية: فاخراج القوات البرية من القطاع سيُرى انجازا لحماس ولن يُقرب انهاء الازمة؛ وإبقاء القوات في المنطقة غير المأهولة سيجعل هذه القوات عرضة للهجمات ولن يؤثر في الوضع؛ والاستمرار على توسيع العملية لمواجهة حصون حماس في المنطقة المأهولة ينشيء ضغطا كبيرا على حماس لكن يصاحبه مصابون كثيرون.
موقفي هو أنه يجب علينا من بين هذه الخيارات أن نوسع العملية البرية لأنه لا يجوز أن تنتهي العملية الى الوضع الراهن.
ولاحداث ضغط فعال على حماس في الجبهة كلها فهناك مكان لتوسيعها وتعميقها نحو جنوب القطاع خاصة الى منطقة خانيونس ورفح، فهي منطقة يمكن عزلها عسكريا بصورة أفضل كثيرا وفصلها عن شمال القطاع، والسيطرة على خانيونس وعلى رفح وتطهيرهما من البنية التحتية الارهابية. وستكون لهذا العلاج ايضا تأثيرات معنوية في حماس في شمال القطاع. ويجب في نفس الوقت زيادة الضغط من الارض ومن الجو على شمال القطاع لكن دون أن يُعمق في هذه المرحلة الدخول الى مناطق مكتظة بالسكان.
الاستراتيجية المناسبة في الوضع الحالي ذات رأسين: ففي الجانب العسكري يجب الاستمرار وزيادة الضغط كثيرا، ويجب في موازاة ذلك انشاء مسار سياسي مهم. وكلما أصبح الضغط العسكري على حماس أشد تأثيرا زادت القدرة على تنفيذ العملية السياسية. ومهما يكن الامر فان العملية السياسية المقترحة معقدة جدا وليس نجاحها مضمونا، لكن الطرف المبادر قد تنتظره مزايا حقيقية ايضا في حال فشل المبادرة ايضا.
يجب أن تكون مبادرة كسر التعادل موضوعة في الوقت المناسب أمام حماس بمنزلة حبة بطاطا ساخنة توجب عليها اتخاذ قرارات مهمة جدا. فاذا قبلت المبادرة التي سأفصلها بعد ذلك نكون قد كسبنا واذا رفضت فسيسوء وضعها أكثر.
يجب أن تقوم المبادرة السياسية على ثلاثة عوامل مهمة. الاول وهو أكثرها ضرورة – مصر، والعامل الثاني المراد جدا هو السلطة الفلسطينية ورئيسها أبو مازن، والعامل الثالث الحاسم هو الجامعة العربية والمجتمع الدولي بقيادة الولايات المتحدة. ويجب أن تشتمل المبادرة في الأساس على صفقة منطقها هو: «عمق التفضلات والحوافز للقطاع كعمق نزع السلاح»، وتقوم على العناصر التالية:
العنصر الامني:
1 ـ وقف اطلاق نار مطلق زمنا طويلا.
وقف متبادل لجميع انواع الهجمات (ويشمل ذلك الاغتيالات والتصفيات المركزة).
3 ـ التجريد التدريجي للقطاع من السلاح المائل المسار على اختلاف انواعه.
4 ـ وقف انتاج الوسائل القتالية و/ أو تهريبها.
5 ـ اغلاق انفاق الهجوم والتهريب.
6 ـ رقابة دولية على ما ذكر آنفا.
العنصر المدني:
1 ـ رفع الحصار الاقتصادي والبري والبحري عن القطاع بصورة كاملة (ويشمل فتح كل المعابر وإعمال ميناء غزة وهو ما سيُمكن من ادخال السلع والوقود وسائر الحاجات الفلسطينية تحت رقابة دولية).
2 ـ توسيع منطقة الصيد لتصبح 12 ميلا.
3 ـ حرية حركة للسكان الفلسطينيين في المناطق الحدودية من قطاع غزة دون مناطق فاصلة.
4 ـ تنفيذ خطة دولية لاعمار قطاع غزة تُنسق وتنفذ مع حكومة الوحدة الفلسطينية (مع الخضوع لقبول شروط الرباعية) وبقيادة أبو مازن.
ويجب أن تكون هذه العناصر أساس المبادرة السياسية التي تبادر اليها دولة اسرائيل وتضعها الجامعة العربية أو عدة دول عربية على الطاولة بدعم من الولايات المتحدة والمجتمع الدولي. وعلى حسب المبادرة كما قلنا آنفا وبمقتضى تجريد القطاع من القدرات العسكرية، ستُمكن اسرائيل ومصر من تسهيلات كثيرة للحصار وحياة سكان القطاع، ويتم البدء بخطة اعمار كبيرة للقطاع هي غاية مناسبة تتسق ايضا مع المصلحة الاسرائيلية البعيدة الأمد.
وهكذا توضع حماس على قرن المعضلة المعقدة جدا من وجهة نظرها وتضطر الى أن تُبين لماذا هي ليست مستعدة لقبول اقتراح سخي جدا يعد بتحسين ضخم لوضع القطاع في مقابل نزع اسلحتها والحظوة بشرعية دولية وبخطة إعمار عظيمة لقطاع غزة. ولمضاءلة الارتياب وعدم الثقة يجب أن يكون التنفيذ تدريجيا ومشروطا على نحو يتم تحديده مسبقا وتحت رقابة دولية.
اسرائيل ستكسب فقط
مع شيء من الرؤيا يمكن أن تصبح هذه المبادرة السياسية بعد ذلك أساسا مهما للتقدم الى تسوية اقليمية يُحل في اطارها بعد ذلك الصراع الاسرائيلي الفلسطيني.
أقول من معرفتي الشخصية إن المنطق الذي يقود على نحو عام قيادة حماس السياسية الشرهة المقطوعة عن الواقع لن يفضي بالضرورة الى التسوية المطلوبة. لكن اذا صُرفت هذه المبادرة بحكمة فلن يكون لدولة اسرائيل ما تخسره بها بل ستكسب فقط.
واذا رفضت حماس الخطة رفضا باتا واستمرت على المواجهة العسكرية فانه يجب على دولة اسرائيل أن تُظهر التصميم على المضي حتى احتلال كامل للقطاع واسقاط سلطة حماس. وهذا سيناريو لن يكون فيه منتصرون حقيقيون، ففي هذا القتال سيوجد مصابون كثيرون جدا من الطرفين، وفي نهايته سيسقط حكم حماس وتحتاج دولة اسرائيل الى أن تبقى هناك سنة أو سنتين كي تطهر المنطقة من عناصر الارهاب ومن البنى التحتية الارهابية الكثيرة التي بنيت فيها.
اذا احتجنا الى ذلك فانه يحسن أن نبدأ التفكير الآن ايضا في سيناريوهات النهاية السياسية لهذه العملية. ويجب على اسرائيل لذلك أن تكف عن سلوك النعامة والغموض الاستراتيجي. عليها أن تحدد بشجاعة حدودها وعليها أن تضع خطة سلام صادقة تتساوق مع المصلحة الاساسية وهي نيل حدود معترف بها وثابتة والحفاظ على اسرائيل يهودية وديمقراطية. وكما يجب على اسرائيل أن تستعمل قبضة فولاذية لمواجهة الارهاب عليها أن تمد يدها الاخرى لتسوية سياسية.
يديعوت 22/7/2014
يوفال ديسكن
حتى تقبل اسرائيل بهكذا مقترحات عليها ان تقتنغ اولا ان من تتعامل معهم هم من البشر . وان احترامهم لا يكون على حساب الشعور بالتفوق ومنه التعامل معهم بفوقية . عليها ان تعتقد بان لهم حقوق .وكل ذلك مستحيل والا لطبقته على مواطنيها في اراضي 48 وعلى سكان الضفة الغربية . وتاتي استحالته من طبيعتها العنصرية .