التشكيلي الليبي خالد الصديق يرسم الطبيعة

يشكل التجسيد المطلق للتقنيات المتنوعة، وتوظيف مفردات الطبيعة أحد أبرز المكونات الحيوية في الثقافة التشكيلية للفنان الليبي خالد الصديق، فهو ينتقي الألوان بدقة وعناية فائقة وبنبض الشكل الطبيعي الواقعي الذي يضمر دلالات عميقة على حد ما تكتنزه الطبيعة من جمال خلاب.
وهو يسعى إلى تحويل ذلك إلى منجز فني بعبق التشكيل الدال على مناحي تعبيرية، عما يخالجه من هواجس في نطاق تموقعه بين المادة التشكيلية ومواضيع الطبيعة التي يشتغل عليها. وهو تموقع يشكل السمة المهيمنة على أسلوبه الواقعي، ليظل مقيدا بما يحمله من توجه واقعي يروم مفردات الطبيعة وعناصرها الجمالية، الشيء الذي يبدي عمله أقرب إلى التأمل وأقرب إلى الواقع في الآن نفسه.


إنه وضع له ميزات تفسح المجال للتعدد القرائي على عدة مستويات، مما يمكّن من رصد توجهاته المتعددة المناحي والمرامي. فالتأمل في الطبيعة هو وقوف أمام هواجسه بما تتيحه له حركات الورود والروابي الخضراء من انزياح نحو التعبير عما يريده، وما جال في تصوره، فيتفاعل مع سكناته وهدوئه.
وهو ما تترجمه أعماله، وما ينطق به شعوره من خلال التوظيف المحكم للألوان والأشكال بنسب متفاوتة، تترك للضوء مساحة، وتحجز للظلال حيزا حركيا مختلفا، إنه توظيف ينم عن تقنيات عالية لصياغة المجال الفني بتنوع في الأداء، ليصل بالعمل الواقعي الى نقطة الإبداع. إنه استناد قوي إلى الواقعية، ومقاربة بالغرض الذي يرغب الوصول إليه عبر إيقاع ينسجم مع تصوراته ويتلاءم مع المادة التعبيرية التي تُبدي توجهاته من حيث المضـــامين التي يشـــتغل عليها والمعلنة للقارئ عبر الرؤية البصرية.
وكل ذلك ينم عن قدرته الإبداعية وخصوبة تفاعله مع هذه المادة الواقعية بتنوع في التعبير بكل ما يحمله مجاله الواسع من قيم جمالية، تبرهن استيعابه لأشكال الطبيعة وللمادة الواقعية عموما في علاقتها بجوهر التشكيل، وبذلك فهو يستلهم من عناصر الطبيعة كل الأساسيات التي تنبني عليها عملية التوظيف الفني المتيح لإنتاج الدلالات.
فمن جماليات ذلك التوظيف قدرته التحكمية في الفضاء وفي توظيفه للكتل والتركيب والضوء والحركة بشكل لا يؤثر على التوجه الفني للعمل ككل، وهي تدل على التفاعليات الأساسية التي تشكل النبض الجمالي والقيمي في أعماله وعلى النسق الحسي المنظم، وتدل كذلك على التمظهرات الجمالية داخل المادة التشكيلية. إنه الشيء نفسه بالنسبة لعملية التوظيف للمساحة واللون وتوزيع المفردات داخل الفضاء، وهو ينجزه بقدر ما تتيحه تلك الأشكال وذاك الطلاء اللوني من وظائف بنائية ودلالية، ما يستحضر الأبعاد القيمية التي ينبني عليها أسلوب المبدع التعبيري، خاصة أنه يترصد معظم مناحي الجمال، عن طريق تثبيت الطبيعة باعتبارها مجالا حيا ينبض بالحياة وبالطاقة الإبداعية التي تُمكّن من الفهم الإيجابي وتوحي بمغاز كثيرة.
إنها ثقافة تشبع بها المبدع، فاستهدف بها القارئ بنوع من التخصص والكفاءة الأداتية. وهو بذلك يرسي قاعدة من التشكيلات التي تجسد اختياراته الموفقة، التي لا تحدها أمكنة ولا أزمنة. فقد قادته تجربته وتقنياته المتقدمة إلى استخلاص العديد من العوالم الطبيعية التي ينبني عليها الفن التشكيلي المعاصر، بآليات جديدة في التعبير عن الواقع، وتحقيق المكاسب الجمالية في العمل التشكيلي الآني.

٭ كاتب جزائري

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول balli_mohamed casa maroc:

    اداسمح لناالمنبراضع بعض الكلمات في وجه هداالتقريرالفني الدي رسم عن هده اللوحة التشكيلية يقف العاشق لفن التشكيل احتراما امام هده اللوحة التي رسمت بأتقان جيد وكأنهالوحة شمسية لاغبارعليها لم ينال فن التشكيل حقه بالكلمة ولوسهرناالليالي الطوال من اجل مجلد ضخم عنه بين قوسين وليس هداخروجا عن الموضوع اداقلناان التشكيل والشعركلاهما غزى الفضاء كلاهماغزى الطبيعة التشكيل غرد في وجه الكواكب والتشكيل رسمها الشعرغرد في وجه الشموس والتشكيل رسمها الشعرغرد في وجه الأشجاروالنخيل والتشكيل رسمهاالشعرغرد في وجه الأنهار والتشكيل رسمهامثل هداالنهر فماقاله الكاتب يكفي .

إشترك في قائمتنا البريدية