(الهاشميون في خطر) كما يدعي الإعلام الصهيوني، بل هم يعيشون الآن بين آخر المحميات التاريخية لأرخبيل التاج البريطاني، والحواجز التكاثرية للتهجين السياسي، الذي يرى بعض المحللين الغربيين أنه يدخل عصره البلاستيكي، بصحون فضائية أشبه بالإسفنج الرغوي، الذي يحشو مساند الوزراء منذ مضافة قصر رغدان وحتى غرفة البودوار الفضية، التي وقع فيها نابليون محضر تنازله عن عرش الإليزيه قبل أن يحتله قيصر روسيا. ولك أن تعود لتصريحات رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير قبل الحرب على العراق، لتعرف ما الذي قصده تحديدا حين قال: «كل شيء سوف يتغير تماما، فالعالم لن يعود أبدا كما كان» !
ما الذي يعنيه إذن، أن تكون متظاهرا أردنيا في شانزيليزيه الدوار الرابع؟ أو مصريا ربما في ميدان الكونكورد، لم لا؟ وقد تكون تونسيا وجزائريا يرفع العلم الفلسطيني فوق قوس النصر، وهو يردد: ماكرون لن يكون شارل ديغول، لأن شعلة ذوي السترات الصفراء لم تتقد من فوهة السيجار البرجوازي لزوجة ماكرون السادس عشر «بريجيت تونيو» طالما أنها ليست «العمة إيفون» !
ليس مهما الموقع الجغرافي للساحات، ولا المهم الجمهوريات أو الملكيات، أو الرتب الرئاسية، أو حجارة الشطرنج، بما أن الأهم هو المشهد الفضائي، الذي يشد رحاله إلى الشمال، قادما من الشرق، ولكن بنكهة «بلاد الغال» على نهر الراين، مع تعديل بسيط على بروتوكولات البسكويت و«الخبز الحافي» بين الكاميرا الخفية لشرفة ماري أنطوانيت، وكاميرات التسجيل في مزابل المستعمرين والأثرياء، التي تتفرع من العالم السفلي للشوافات وأسواق البغاء !
الزْغُرْتْ أبو صقر ومحمد ناصر !
التلفزيون الأردني في إجازة «وضع وولادة»، حيث يحول قاعدة الحرج القرآنية إلى متلازمة فضائية، تكفل له التنصل من التغطية الإخبارية، والتشويش على التظاهر بالفتن الدينية، أو الاكتفاء بثقافة الامتصاص على طريقة الرزاز، الذي يفرغ الاحتقان الشعبي بالتدليك الاجتماعي على مواقع التواصل، فماذا بعد؟
يمر الرزاز وماكرون بعد أبّهة الباروك، واستراحة الديكابوليس، في لحظة إعلامية حرجة، لن تمنكهم من الزخرفة فوق حوائط هامان لا (بالركوكو) ولا (الأرابيسكا)، فجلعاد التي لم تطلب منكم أن تعيشوها في العام 3018 على الطريقة اليابانية، تكتفي بالمصاطب الالكترونية، لتتجاوز الجدران الفيسبوكية الخداعة والمضللة، وهي تدلل التاريخ على طريقة «الآن فهمتكم»، للزْغُرْتْ «أبو صقر» بين الأنشودتين الوطنيتين: (لفتحلك علبة سردين) و(فوق النخل فوق) !
ويا لمحمد ناصر، الذي استعرض (ليلة القبض على الإخوان في برج إيفل)، الطقوس الجنائزية لمزرعة العجول الإعلامية، التي تهافتت للدفاع عن مدينة الأنوار، تقلش (السيدة زينب)، بل قل: «رابعة العدوية !»
الجميل في محمد ناصر أنه يضحكك حين يستبد به الغضب، ويبكيك كلما داهمه الضحك على عجلٍ فلت من حظيرة الاتحادية، بالشورت والفانيلا ، كمن يفر من خبر فاضح، في كبسة إعلامية، ملبسا التهمة لقرنيه، طالما أن الفوضى في باريس وراءها الإخوان!
ناصر، الذي تعجب للملكوت الإخواني، الذي بمقدوره أن يهز جبروت الرجل الأشقر، همس للبتاع في سر المشاهد: إنهم يكسرون أنيابهم اللبنية بقشر اللوز، ليأكلوا لبه، ثم يسدون آذانهم كي يسرقوا الجرس المعلق بحناجرهم… أمّال عجز الإخوان ليه عن التقاط البلح من كرم الزغاليل؟ لم يعد في البلد، أحدٌ يا ولد، يليق به الغباء، سوى العقلاء، الذين انتحروا فضائيا لأنهم لم يقفزوا بالمظلة كالنساء الحوامل، حسب المقترح القذافي!
«فرانس 24» عرب يحرضون على عرب
البطولة لـ«فرانس 24 »، وتحديدا لتوفيق مجيد، الذي يحشد الضيوف، لا ليوجههم، أو يختبرهم، أو ينافسهم، ولا ليسائلهم، أو يحاورهم، أو يعاقبهم، أو يجاملهم، إنه فقط يتأملهم !
حين يكون الضيوف عربا في فرنسا، يحللون الدوافع والمؤثرات والنتائج لثورة فرنسية معاصرة، كيف يكون الحوار يا ترى؟ مع من سيقفون؟ وعمن سيدافعون؟ ومن سيهاجمون؟ ثم ما الفارق بين النفاق للطغاة والنفاق للغزاة؟ أيهما أشد بلوى؟ وهل هناك يا ترى أي فوارق ثقافية في الخطاب الإعلامي لماكرون والسيسي مثلا؟
ثم ماذا عن الجوقات الفضائية التي يتم تسخيرها في حالات الطوارئ ، وجلسات الـ«ميك أب»، لتضليل الرأي العام، وسواح الفضائيات الغربية الناطقة بالعربية؟
قد تصدق شارون في أحد تصريحاته المسربة عن هزيمة الـ67، حين قال إن السادات بقي في سريره سبعة أيام متواصلة، ولكنك لن تصدق عربيا مهاجرا حين يصف ماكرون بـ«إبن الشعب» الذي تخرج من ثورة انتخابية انقلبت على الأعراف الرئاسية في فرنسا، فإن عدت لفقرة محمد ناصر، وقارنت بين عجول الاتحادية، ومانيكان «الفرانس 24 »، لأدركت أن العروة الوثقى بين النموذجين هي مظلة القذافي ما غيرها، فكلاهما يدافعان عن غباء الكاميرا، التي فرطت بالتحليل وادخرت التضليل! ولكن ماذا عمن يناهضون الماكرونية من عرب فرنسا؟
خذ هذه أيها المشاهد، فجون مسيحة ضيف عربي من اليمين المتطرف المعادي للمهاجرين، لم يتوان عن مهاجمة العرب، واتهامهم بالفوضى وإشاعة الفساد والخراب، والضرر بالمجتمعات المتقدمة، ما أثار حفيظة الضيف «علي زريق»، الذي سارع لسؤاله: وأنت شو؟
عداك عن موقف المذيعة اللبنانية التي اتهمت العرب بنقل كوليرا الفوضى من ملكوتهم الرهبوتي إلى مدينة العشاق والحبّيبة، فإن هؤلاء الذين يحاولون ارتداء قبعة الدوق الإنكليزي في أمريكا، برتبة مواطنين فخريين، لن يحلموا بأن يروا أسماءهم تتوج المدمرات الحربية لغزاتهم، ولن تعقد لهم الجنائز الرسمية المهيبة تكريما لولاءاتهم، لأنهم لم ينحدروا من سلالة النبلاء، ولن يرتقوا لما هو أعلى رتبة من أصحاب الياقات الزرقاء!
السيد حسام مسيحة، قبل أن يغير اسمه لجون بعد حصوله على الجنسية الفرنسية، رفض اعتباره مهاجرا، لماذا يا ترى؟ لأن الفرنسيين هم الذين طلبوا من عائلته الهجرة الى فرنسا، ولم تكن الهجرة قرارا عائليا؟ فهل هناك فرق؟ في النهاية الاختلاف لن يكون على صاحب القرار، إنما على صفة المهاجر «طوعيا أو قسريا»، فإن لم يكن هذا العربي فرنسيا، ولا عربيا مهاجرا، ثم مقيما ثم متجنسا، فماذا يكون إذن؟
الساعة الاقتصادية والزي الرسمي للثورة
بكل فجاجة سأل مسيحة زريق: ما دامت تعتبر المهاجرين عناصر فاعلة ومؤثرة، فلماذا إذن لا تستقبلهم بلادك؟ أجاب زريق: نحنا اللي عنا مهاجرين، أو ربما أراد أن يقول: «لبنان وطن اللاجئين». ثم ضاع الكلام. فلت الحوار، لم يسأل أحد في الاستديو العربي مسيحة، الذي لم يكن يعرف كلمة فرنسي عندما هاجر إلى فرنسا، عن المهاجرين على «البزنس كلاس»، أو في قوارب الموت، عن المهاجرين الذين يعملون في نادي لوبان الرئاسي أو مهاجري السترات الصفراء، ولا عن المهاجرين من أكلة «سوفليه الشوكولا» أو أكلة «التوست» الحافي على طريقة «محمد شكري»!
تعرف متى تكون الهجرة عارا؟ ليس فقط عندما تصبح ناطقا رسميا باسم الغزاة، ولا حين تستعر من عرقك أو تنساه، ولا لما تخرج من قائمة الموعودين بالجنسية لتدخل قائمة الكلاب البوليسية على الحدود، إنما العار هو أن لا تحس بالخزي وأنت تبحث عن وجهك في مرايا المستعمرين كي تهرب من مرآتك في وجوه المهاجرين !
الشانزليزيه إذن، هو الدوار الرابع، وهو ميدان التحرير، وسيدي بوزيد، وسيكون لا بد مفتوحا على ساحات وشوارع تتطلع لارتداء الزي الرسمي للثورة: السترات الصفراء، وعلى أولئك المنافقين أن يتوجهوا إلى قاعات المغادرين فورا، ويخلوا عروشهم، لأن الآتي أعظم، والكلمة العليا للفقراء، الفقراء وحدهم من يحكمون العالم، افسحوا الطريق إذن أيها اللصوص، فالساعة الاقتصادية الآن بيد الفقراء «أخطر اكتشاف اقتصادي» ، سكان «تويتر» والـ«فيسبوك»، آن لهم أن يغادروا كوكبهم الافتراضي، وينضموا لقافلة وحوش وحرافيش فرانكنشتاين!
كاتبة فلسطينية تقيم في لندن
الأستاذة أبو بكر المحترمة:
كيف تُعتّقين من الكلماتِ مولوتوفاً؟
تحياتي واحترامي أبداً