الناصرة ـ «القدس العربي»: في موازاة توجيه أصابع الاتهام لحركة حماس بمحاولة إشعال الضفة الغربية المحتلة، حمل عدد كبير من المراقبين في إسرائيل على رئيس حكومتها بنيامين نتنياهو لقلة حيلته، فيما حذر بعضهم من كون المقاومة رد فعل طبيعيا على واقع الاحتلال، مشيرا الى فشل استراتيجية الفصل بين حماس والرئيس الفلسطيني محمود عباس.
ويرى ناحوم برنياع المعلق البارز في «يديعوت أحرونوت»، أن سلسلة العمليات الفلسطينية « تدل على أن التقديرات أن حماس فشلت في مجهودها بتجنيد مؤيديها في الضفة لحملة أجرتها عند السياج في غزة كانت سابقة لأوانها»، معتبرا أن النيران التي خمدت في غزة اشتعلت مجددا في الضفة. وتابع «كما في الماضي، يتخبط الخبراء هذه المرة أيضا حول السؤال، هل هذه العمليات تنذر بانتفاضة جديدة أم أنها ظاهرة عابرة؟». ويشدد على أن السؤال الأهم هو كيف تمنع حكومة الاحتلال انتفاضة جديدة. ويقول إن هناك مدرستين متناقضتين واحدة تؤمن بالعقاب الجماعي الذي سيردع المنظمات «الإرهابية»، والثانية تؤمن بالفصل بين «الإرهابيين» والمدنيين الفلسطينيين من خلال التشغيل وحرية الحركة وتطبيع اقتصادي ومدني يُبعد الشبان عن أفكار «إرهابية» وينشئ أساسا للتعاون.
لكنه يشدد على أن «العبرة التاريخية محزنة وصعبة للهضم: العقوبات الجماعية تنجح في إبادة «الإرهاب» فقط في أنظمة تمارس إبادة جماعية، وهذا أيضا لفترة محدودة. مؤكدا أن سياسة الاحتلال الإسرائيلية أقرب إلى سياسة الاستعمار البريطانية. ويقول إنه عندما تمارس إسرائيل سياسة كهذه، تجاه سكان غزة على سبيل المثال، فالنتيجة هي أنه لا يوجد ردع، وإنما عنف.
لا يقضى على الإرهاب بالمال والقوة
ويعتبر أنه ينبغي قول الحقيقة، وهي أن السياسة المعاكسة، أي الفصل بين الذين يريدون كسب الرزق والذين يريدون تنفيذ عمليات، لا تمنع «الإرهاب». ويدلل على ذلك بالقول إن الانتفاضة الأولى اندلعت في كانون الأول/ ديسمبر 1987، فيما كان يتمتع الفلسطينيون بوضع اقتصادي جيد نسبيا. ويرى انه لا يتم القضاء على «الإرهاب» بمنع المال ولا بوقف ضخ المال. ووسط تجاهل لواقع الاحتلال يقترح «إما يغيرون قواعد اللعبة من الاساس أو يتعلمون العيش معه، من دون عنجهية ومن دون خطاب تفجيري، وكجزء من واقع حياتنا في الشرق الأوسط».
ويلخص برنياع خطاب حكومة الاحتلال مع الفلسطينيين بالقول : «أبو مازن وحماس يعيشان من أجل مهمة واحدة – القضاء على إسرائيل. أبو مازن هو الشيطان الأكبر، فهو يمارس إرهابا سياسيا ضد إسرائيل. وحماس هي الشيطان الأصغر. والهدف هو تخليد الوضع القائم – حكم فتح ضعيف في رام الله وحكم حماس ضعيف في غزة. وتنمية العداء بينهما».
ويحذر من ان ذلك «كلّف ثمنا بجولة عنف في غلاف غزة مرة كل أربع سنوات أو موجات «إرهاب» دورية في الضفة، فالمهم عدم الحسم، وعدم هز السفينة، وعدم العودة إلى طاولة المفاوضات بأي حال».
وبلهجة لا تخلو من السخرية يقول محرر «معاريف» بن كسبيت أيضا إنه «عندما بدأ نتنياهو بالاستمتاع بالمظهر الزائف كوزير للأمن، والتغطية الإعلامية لجولاته، واللباس غير الرسمي، والصور برفقة مقاتلي كوماندوز كأنهم عارضو أزياء، والتصريحات القتالية والى جانبه جنرالات، كل هذه الأمور ذهبت هباء بدخان خلية واحدة عنيدة، يبدو أنها تابعة لحماس، وتتجول في رام الله، ولا تظهر أي خوف، وتنجح بمخادعتنا «.
وتابع يقول متوجها لنتنياهو حامل حقائب الأمن والخارجية والصحة والمهاجرين «علينا أن نأمل أن رئيس الحكومة، وزير الأمن، ووزير الصحة ووزير استيعاب الهجرة اليهودية، سيقررون كيف سنعمل». واعتبر ان نتنياهو يحصد العاصفة التي زرعها طوال ولايته وهو يكتشف أن عدم معالجة مشكلة معينة، لا يزيلها عن جدول الأعمال ولا يخفيها عن الخريطة. وتابع «كما يكتشف نتنياهو الآن أن التحذيرات المتكررة التي سمعها من رئيس أركان الجيش غادي آيزنكوت، ورئيس المخابرات «الشاباك» ناداف أرغمان حول القابلية العليا لاشتعال الوضع في الضفة الغربية وعن انعكاس غزة على داخل الضفة، وعن لعبة الإذلال الخطيرة ضد رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس لم تكن نبوءات غضب، فهذه كانت تحليلات رصينة للوضع الميداني. نتنياهو سمع، وفعل ما يفعله عادة في أوضاع كهذه. وهذا ما فعله مقابل مشكلة غزة. أي لا شيء. لا شيء وثم لا شيء آخر يجلب عادة مصيبة».
وعلى غرار رئيسة المعارضة تسيبي ليفني، اعتبر بن كسبيت انه عندما تواصل إسرائيل تقوية حماس وإضعاف أبو مازن، الذي يحارب «الإرهاب» منذ اللحظة الأولى، ونأمل أن يستمر في محاربته، حتى اللحظة الأخيرة أيضا، فإن هذا لعب في بالنا. وأضاف»من يرعى متطرفين، سيكتشف في النهاية أن المعتدلين انتهوا. وهذا ما حصل لنا الآن بالضبط».
وهذا ما يؤكده المعلق العسكري في القناة العاشرة الون بن دافيد الذي شدد على تحذيرات المستوى العسكري حول قابلية الانفجار في الضفة الغربية منذ شهور. لكن بن دافيد يستبعد ان الأمور وصلت لحد مرحلة جديدة، مذكرا بأن عدد العمليات في 2017 كان مماثلا للعدد منذ بدء العام الحالي.
الانتفاضة الأولى
وإزاء مفاخرة نتنياهو بعلاقات التطبيع مع دول عربية بدون تسوية الصراع، خلص بن كسبيت للقول إن القضية الفلسطينية ستبقى هنا، ولن تذهب إلى أي مكان، وحتى إذا شددنا استخدام القوة، واستمرينا في تشديدها، فإننا لن نخفيها. وفي أفضل الأحوال ستهدأ، ثم تعود لاحقا بقوى متجددة. وتابع متسائلا كيف أعرف ذلك؟ لأن هذا بالضبط الذي يحدث، بصورة دورية ثابتة تقريبا، منذ عشرات السنوات. وفي الانتفاضة الثانية، الدموية جدا، فقدوا أكثر من 3000 شخص. عشرات الألوف أصيبوا. الاقتصاد تحطم. الحياة تشوشت ولم تعد مألوفة. البنية التحتية تفككت. وعندها هم هدأوا قليلا وعادوا الآن». ووصف كسبيت دعوات اليمين الإسرائيلي باستخدام مزيد من القوة بأنها «سخافات». وتابع «من يعدكم بأنه قادر بقوة الذراع أن يجتث مشيئة شعب آخر، لا تصدقوه، إلا إذا كان اسمه فلاديمير بوتين».
اما المستشرق البروفيسور أيال زيسر، في صحيفة «يسرائيل هيوم» المقربة جدا من نتنياهو فيرى أنه «يحظر التعامل مع « الإرهاب « على أنه قضاء وقدر ولا توجد طريقة للتعامل معه وينبغي الاستسلام له والعيش في ظله». وضمن مقترحاته يضيف متطابقا مع رؤية نتنياهو بالعقوبات الجماعية « إنما يجب محاربة الإرهاب، حتى لو أنه لا يمكن وقفه بالكامل، فإنه بالإمكان تقليص أذاه. ويجب البدء بتجفيف مستنقع الإرهاب في محاربة التشجيع والشرعية التي تمنح لمنفذ العملية من جانب المجتمع الفلسطيني الذي يخرج منه، والأخطر تلك التي تمنحه القيادة الفلسطينية، قيادة السلطة الفلسطينية، الذين يدعون أنهم شركاء إسرائيل في محاربة الإرهاب والعنف وجهود إحلال السلام والأمن في المنطقة «. ويوجه زيسر أصابع الاتهام للسلطة الفلسطينية لدعمها «الإرهابيين» وعائلاتهم.