تونس – «القدس العربي»: طالبت منظمات تونسية بإحداث «لجنة برلمانية» تشرف على تنفيذ توصيات هيئة الحقيقة والكرامة لاستكمال مسار العدالة الانتقالية، فيما توصل الجدل حول موضوع «جبر الضرر» (تعويض ضحايا الانتهاكات)، في وقت أعلنت فيه الهيئة عن «برنامج» خاص يوضح آلية التعويض.
وأصدرت حوالي عشرين منظمة من المجتمع المدني بلاغاً نشرته منظمة البوصلة على صفحتها الخاصة على موقع «فيسبوك» دعت فيه إلى «إحداث لجنة برلمانيّة خاصّة صلب مجلس نواب الشعب تتولّى مراقبة تفعيل هذا المسار وتنفيذ برامج عمل الحكومة (في هذا المجال)»، مشيراً إلى ضرورة تواصل مسار العدالة الانتقاليّة إلى حين تفعيل توصيات هيئة الحقيقة والكرامة التي ستساهم في إلغاء الإفلات من العقاب والوقاية من كلّ أشكال التجاوزات مستقبلاً.
كما دعت المنظمات المذكورة إلى «التزام الدّولة باستكمال مسار العدالة الانتقاليّة وفق ما يقتضيه الدّستور في فصله 148. والتزام الدّولة بإعداد خطة وبرامج عمل يعكس توصيات هيئة الحقيقة والكرامة المتعلّقة بالإصلاحات المؤسساتيّة الكفيلة بعدم تكرار انتهاكات حقوق الإنسان والجرائم الاقتصادية وحماية الذاكرة الوطنية باتّجاه تحقيق المصالحة الوطنية».
وطالبت أيضاً بـ«إصلاح الإطار القانوني المُنظّم للأرشيف الوطني بهدف ملاءمته مع خصوصيّة الأرشيف المتعلق بملفّ العدالة الانتقاليّة وحفظ ملفّات الضّحايا، إلى جانب حفظ الذاكرة الوطنيّة، وذلك في انتظار إحداث هيئة مختصّة في الشّأن، وفق ما ينصّ عليه قانون العدالة الانتقالية (…) وتوفير الحماية الجسديّة والمعنويّة للقُضاة داخل الدّوائر المختصّة في العدالة الانتقاليّة وللضّحايا والشّهود وموظّفي هيئة الحقيقة والكرامة ورؤساء لجانها إثر انتهاء أعمالهم، والذين لا تطالهم أيّ مسؤوليّة حول فحوى التّقرير الختامي والتوصيات المنبثقة عنه، وذلك وفق الفصل 69 من قانون العدالة الانتقاليّة».
من جانب آخر، كشفت رئيسة جبر الضرر ورد الاعتبار في هيئة الحقيقة والكرامة، حياة الورتاني، في ختام أعمال الهيئة المخصصة لعرض برنامج جبر الضرر، عن وجود 5744 ملفاً يتعلق بتعويض ضحايا الاستبداد وعائلاتهم، مشيراً إلى أن الهيئة قامت باستشارة وطنية حول جبر الضرر شملت 6275 شخصاً.
ومن بين التوصيات التي تم تقديمها حول برنامج جبر الضرر «تكريس حقوق النساء، ومراجعة القوانين التونسية حول هذا الأمر، وتوصيات تخص الأطفال وكبار السن وذوي الاحتياجات الخاصة، وإحداث مؤسسة عامة تشرف على صندوق الكرامة المخصص لتعويض الضحايا».
ويتواصل الجدل في تونس حول موضوع جبر الضرر أو تعويض الضحايا، حيث دون محمد عبّو مؤسس الحزب الدستوري على صفحته في موقع «فيسبوك»: «ثورة لم تؤسس بعد لقيم موضوع العدالة الانتقالية وجبر الضرر لضحايا دولة الاستبداد، مثلاً نسبة مهمة من الضحايا ينتمون لتيارات سياسية مختلفة، من اليوسفيين والقوميين واليساريين والإسلاميين والحقوقيين وغيرهم، هل نعلم بأن التعويض يتم على أضرار تسببت فيها الدولة لمواطنين وليس على نضال؟ ومن قال إن من يطالبون بجبر الضرر كلهم ناضلوا من أجل أفكار يؤمنون بها؟ حسب بعض المعلومات، نسبة كبيرة من الذين حوكموا في قضايا انتماء للنهضة لم يكونوا منتمين إليها، وإنما زج بهم في السجون بشبهة الانتماء إلى النهضة لتبادلهم الحديث مع جار نهضوي أو لكونهم يصلون الفجر في المسجد أو لمظهرهم الخارجي».
وتساءل عبّو: «من قال إن المناضلين المعروفين، الذين قد تكفيهم ميدالية أو تكريم أو مناصب تولوها بعد الثورة أو وقع تكريمهم فقط بسقوط بن علي، قدموا مطالب في جبر الضرر؟ قد يكون بعضهم فعل، وهذا حقه قانوناً، ولكن لا أتصور أن عددهم كبير. هل نعلم أن الدولة قانوناً مسؤولة عن أخطاء أعوانها والأضرار التي يلحقونها بالمواطنين متى عملوا لحسابها وبوسائلها؟ هل نعلم بأن بن علي المجرم قد سُن في عهده قانون يعوض للذين يسجنون أو يوقفون ثم تثبت براءتهم؟ هل وضع رافضو جبر الضرر أنفسهم في موضع أسفل من بن علي المجرم الفار؟ هل يعلمون أن مبالغ التعويض لا تساوي شيئاً يذكر من فساد ما قبل الثورة وفساد النظام الحالي، وأن من لم يتصد للفساد المستشري في البلاد المقدر بمليارات الدنانير لا يحق له أخلاقياً أن ينتقد جبر الضرر لضحايا دولة الاستبداد؟».
ودوّن محمد القوماني، عضو المكتب السيسي لحركة النهضة: «جبر الضرر ليس تعويضاً عن نضال. جبر الضرر الذي يسمّيه البعض «التعويضات» تحريفاً مقصوداً لمعناه، بيّن الفصل 11 من القانون عدد 53 لسنة 2013 المقصود بهذه الحلقة الأساسية في العدالة الانتقالية، فذكر أنّ «جبر ضرر ضحايا الانتهاكات حق يكفله القانون، والدولة مسؤولة عن توفير أشكال الجبر الكافي والفعّال بما يتناسب مع جسامة الانتهاك ووضعية كل ضحية، على أن تؤخذ بعين الاعتبار الإمكانيات المتوفرة لدى الدولة عند التنفيذ». فهو ردّ لمظلمة واسترداد لحق وليس تعويضاً عن نضال كما يروّج. وجبر الضرر «يقوم على التعويض المادي والمعنوي ورد الاعتبار والاعتذار واسترداد الحقوق وإعادة التأهيل والإدماج»، بنصّ القانون».
وكانت سهام بن سدرين، رئيسة هيئة الحقيقة والكرامة، استنكرت الانتقادات المتعلقة بصندوق الكرامة المخصص لتعويض ضحايا الانتهاكات، فقالت إن جبر الضرر (تعويض الضحايا) هو «واجب وليس منّة من أحد، والهيئة وضعت برنامجاً لجبر الضرر دون إنهاك الدولة (…) بل بالعكس سيكون مصدراً لدخول الأموال لخزينة الدولة».
وأشارت إلى أنّ الأموال التي حصل عليها البعض من وكالة الاتصال الخارجي التي كانت تستخدم لتبييض صورة الرئيس السابق زين العابدين بن علي في الخارج، لا تقارن بالمبلغ المخصص لجبر الضرر. وأوضحت بقولها: «الأموال التي صرفت من وكالة الاتصال الخارجي أمر مهول، وهؤلاء الناس الذين حسدوا الضحايا على التعويضات، نحن نعرفهم جميعاً، وكل شخص أخذ نقوداً عليه إعادتها».