خوارزميّة

«الشعر ضربٌ آخر من ضروب الرياضيّات، موحى حيث المعادلات ليست صورا مجرّدة ومثلّثات ومربّعات وغيرها، وإنّما هي انفعالات انســــانيّة.» عزرا باوند

ما الرؤوسُ؟ مغازلُ.. أقباءُ جمجمةٍ.. وقِبابْ
العيونُ؟ قناديلُ بحرٍ هلاميّةٌ..
اليدانِ؟ زعانفُ.. أجنحةٌ..
الجباهُ؟ فصوصٌ إذا شئتَ،
أو حدباتٌ على حائطٍ..
الوجوهُ؟ سطوحٌ، أخاديدُ ملساءُ..
والقلبُ؟ عودُ ثقابْ
نحنُ من شائبِ البحرِ، من شائبِ الملحِ.. ننسَلُ..
منْ حَدَبِ الأرضِ..
نشحذُ ذاكرة الخوفِ،
من جثّةِ الوحشِ، نخرجُ نحن، ويخرجُ كونٌ بنا ولنا،
والسماءُ تضيءُ بدائيّةَ الماءِ..
إذ نتدافعُ من غابةِ البدء، نهبطُ من جبلِ الليلِ،
نحوَ السهولِ.. نحرّرُ أيديَنا من زعانِفها،
ونشيرُ إلى مَغْرةِ الأرضِ حمراءَ.. بيضاءَ..
صفراءَ.. شقراءَ.. كالخيلِ..
لكنّما الأرض في شَكْلةٍ من دمٍ.. وهي صامتةٌ أبدًا..
والبراكينُ؟ تلك كوابيسُها..
الزلازلُ؟ لغوٌ.. وأضغاثٌ فوضى..
نشيرُ إلى نجمةٍ تتحدّرُ.. أو قمرٍ يتكوّرُ..
تبتدئ اللغةُ الأمّ من يدِنا وأصابِعنا..
الإشاراتُ؟ تلك روائحُ أصواتِنا..
الأصابعُ؟ ألسنةٌ ورسائلُ شمٍّ..
لنا بدأت لغةٌ،
من يدينِ إلى شفتينِ.. نحبُّ.. ونكرهُ.. نبكي.. ونضحكُ فيها..
حليبُ طفولتنَا.. العربيّةُ؟ أسنانُنا اللبنيّةُ..
والشعرُ؟ أمّ اللغات.. ولولبُها..
المعابدُ؟ مثل الكنائسِ، مثل المساجدِ، مثل الكناسِ… متونُ توابيتَ واقفةً أو
قبابُ جماجمَ..
والموتُ؟ حاصلُ أسمائِنا..
الحضورُ الذي لا حضورَ لهُ..
أبيضُ الوقتِ.. أو صِفْرهُ..
كيف تشرحُ لونا لأعمى؟
وضوءا لأكمهَ، ليسَ يضيءُ سواكَ،
ومفترقًا تتقلّبُ فيه،
كأنّكَ ما بين ماءٍ وطينٍ،
لتدركَ في عرَقِ الضوءِ، أنّ الطريقَ التي قد تنكّبتَ أجملُ،
أنّ العظام التي تتفحّمُ طقْمُ جواهرَ..
هذي الحياةُ إذن؟
رحلةٌ.. ولنا أن نشدَّ على قيدْها.. لنظلّ على قيدِها
هيَ عمياءُ..
أجسادُنا العرباتُ معلّبةً..
كلُّ ما كانَ.. أو لم يكنْ.. كلُّ أسلافِنا.. وسُلالاتِنا
رِفقةٌ نحنُ في جسدٍ واحدٍ..
نحنُ ذرّيّةُ السمكِ المتوحّشْ، نحنُ سليلُو الدلافينِ، فينا
رمادُ تلافيفِها.. وشقوقُ البراكينِ،
فينا الخلايا نجومٌ.. مشابكُ.. مثل التي لكَ،
يا سمك القرشِ..
قلْ يا أبي.. يا أخي أنتَ،
قل ما الذي يتبقّى لنا؟
غيرُ ذكرى على جنَباتِ البحارِ،
ونحن نميلُ.. ونطفُو،
على جنَباتِ الجبالِ،
ونحن نسيلُ.. ونصفُو..
لنا طرقٌ من طفولتنا.. غضّةٌ أبدًا،
لمْ نزلْ نحن نسلكُ فيها.. إلينا.. لنا ماءُ حكمتْها..
أنتَ تعرفُ لِمْ لا يُبلّلنا؟
نحنُ أمطارُنا والشعابْ
٭ ٭ ٭
لِمَ سمّيتَ هذي القصيدة باسمي؟
ـ لأنّك علّمتني أن أقيسَ، ولمْ يبقَ غيرُ القليلِ، وإنّ القليلَ يُقاس.

٭ كاتب من تونس

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول آصال أبسال:

    شعر رائع بكل المعايير الأدبية والفنية حقيقةً..
    الشعر.. سواء كان موزونا أم غير موزون.. لغة موسيقية في جوهره..
    والموسيقى.. سواء كانت قياسية أم سماعية.. لغة رياضية في جوهرها..
    إذن.. الشعر لغة موسيقية ولغة رياضية.. في أن معا.. !!
    **
    فقط للتنويه وللحفاظ على جمالية القصيدة..

    وهي صامتةٌ أبدًا: وهْيَ صامتةٌ أبدًا
    وأضغاثٌ فوضى: وأضغاثُ فوضى
    حليبُ طفولتنَا.. العربيّةُ: حليبُ طفولتِنَا.. العربيّةِ /إذا كانت العربية نعتا للطفولة.. وإلا فلا/..
    متونُ توابيتَ واقفةً: متونُ توابيتَ واقفةٍ
    ولنا أن نشدَّ على قيدْها: ولنا أن نشدَّ على قيدِها
    نحنُ ذرّيّةُ السمكِ المتوحّشْ: نحنُ ذرّيّةُ السمكِ المتوحّشِ
    لنا ماءُ حكمتْها: لنا ماءُ حكمتِها

  2. يقول الهادي بن نصر:

    اخي المنصف سلم الوجدان واللسان استسمحك في اهداء هذه القصيدة الملكفية لروح ابي الذى اسلم الروح يوم 17 كانون الاول ديسمبر الجاري في ذكرى حرق البوعزيزي نفسه .

إشترك في قائمتنا البريدية