انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي تسجيل صوتي لحاجة عائدة من العمرة، تصرخ في ابنها – الذي اشترت له من السعودية شرشفا، استولت عليه زوجته – (وأعطتو لأخوها)، لتقوم القيامة، فتتوافد على وسائط التواصل، عشرات الفيديوهات والأغاني والصور المفبركة لشخصيات عالمية، على رأسهم ترامب، يبحثون عن الشرشف، الذي أخرج الحجّة عن دينها. وحتى «الاتجاه المعاكس» وفيصل القاسم لم يسلما من أزمة الشرشف.
آن لك الآن أن تبكي أيها المشاهد، على الشرشف الورقي في قصيدة محمود درويش، أو على سقوط القمر من شرشف تضرج بالدم القاني في أغنية مارسيل خليفة، أو على حبل غسيل يتشبث بشراشف النازحين كآخر أثر لأحلامهم المرابضة في «حوش الدار»، كما صورها الفنان الفلسطيني «بشار الحروب»، بل لك أيضا أن تقارن «أخلاقيا وذرائعيا» بين شرشف إليسا وشرشف الحَجّة، حين تصبح الحُجّة الإبداعية أكثر إقناعا من اللعنة الدينية… هنا فقط يغدو الشرشف أهم من الشرف… لأنه لا يستر صاحبه بقدر ما يُعَرّيه… ويلاه؟!
بصراحة الشرشف ما إلو ذنب، كلما أضعنا «لحانا بين حانه ومانه»، فأصبح التواصل تنافسيا لا مبدئيا، حيث التهكم للتهكم فقط، أما ثقافة الشراشف الجمالية، ورمزيتها النضالية، تلاشت تماما، أمام وصلة الردح على شرشف السعودية، و»من وفر هواتو ما ضرب» فعداك عن سب الخالق، والخروج عن الطور، بما لا يليق بزوار بيت الله الحرام، ولا بما يفترض أنهم استلهموه من روحانيات سامية ورفيعة، خلال أداء الطقوس الشعائرية، فإن قيمة الهدية كونها من السعودية، هي التي عزّت على الحجة أكثر من عُمرتها، ولأن الحجة إحدى ضحايا الثقافة الاجتماعية المريضة، فإنه تم استخدام الشريط المسجل – كما يبدو بدون علمها، لتفريغ النقمة والحقد الاجتماعي على منظومة العلاقات العائلية، التي يشوبها الحس الثأري، والعواطف الشائطة، أما الطامة الكبرى: علاقتنا بربنا، التي تتلاشى ضمن هذه العشوائيات التسريبية لمجرد التسلية، مع تجاهل قصدي لمرايانا، طالما أن «إبليس بعرف ربه بس بتخابث عليه»، فإن وضعت جانبا فساد الأنظمة والدول، والكيانات الاقتصادية العظمى، وبحثت فقط في فساد الفقراء أو فساد العامة «الشعوب» – وهو الأخطر على الإطلاق – لعثرت على أسباب التردي الذهني والانهيار الروحي الذي نعيشه في الشرق، لأن فساد الفقراء نابع من النفاق، والنفاق كما تعلم أيها المشاهد، من أثافي الذل، وشره «ما داخلته أسباب الفضيلة»، التي تمزط من قبضتنا كصابونة الميت، هنا فقط تتهاوى المجتمعات، وتتفسخ الروابط، وتنحدر القيم… و»تبا» للشرشف يا حجّة، حتى لو أعطتو لأخوها، لأن مسمار سنمار لا يفرق كثيرا عن مسمار جحا، حين تكون قيمته أثمن من حيطانه، أما الخالق فهو أجمل وأغلى بكثير من شراشف السعودية أو حتى شراشف الساتان، التي تهفهف كغمام ناعم فوق أبراج اللؤلؤة الشرقية في مدينة شنغهاي الإعلامية، والتي تتصدر قائمة الثراء الكونية «نيو وورلد ويلث»!
صحوة الغفلة أم غفلتها!
لم يعد الكذب ملح الرجال وحدهم، فللنساء أيضا بحور من الملح الفضائي، الذي يجرح الحقائق فيرش جرحها على ملحنا المهدور، منذ حرب الردة، وحتى حرب العرافات في برامج نهاية العام، وهاك المذيعة كلير فورِسْتير، التي تنشر سلسلة برامج تتجاوز الصدام الحضاري بين الدين الإسلامي والعلم، ليس لغرض تبشيري بل دعائي، يخالف طابعه الذي يحث على التجارة بالدين، كأسمى أنواع التجارة وأكثرها ربحا، ولك أن تعود لبحوث الدكتور عزمي الصالحي في هذا الشأن العظيم، الذي يتعارض تماما مع متاجرة إعلامية تمغنط الوعي لأهداف بعيدة عن النزاهة الفكرية والعلمية، تتوسل الإبهار الخاضع لأسس السوق الفضائية، بمعزل عن الحقيقة كقيمة علمية، وبعيدا عن المظهر، الذي لا بد أن يكلل الجوهر، ولا يناقضه، تظل مسألة النفاق حاضرة بقوة حين يتعلق الأمر بثقافتين: غربية تتحيز لتفتح الوعي ولي عنق الدين في سبيل العلم والحرية حتى وإن كانت بلا أخلاق، وشرقية تتحلل من العمق التأملي والروحي لتتمسك بالسطوح الجوفاء، وبين هذا وذاك، لم تحقق أي من الثقافتين مستوى ملموسا من النضج الديني، أو الأخلاقي، الذي يتراوح بين التحجر والتخلف وبين التعالي والانحلال، وكلاهما وجهان لعملة واحدة هي التطرف، حيث لم يزل الغربي يبحث عن الله، أما الشرقي فلم يزل يحتكر ملكيته التاريخية للسماء، بينما ينشغل الوعي الإعلامي بفضيحة الشرشف اللي أعطتو لأخوها!
إنفصام فضائي
لنا فضاء يعمل بمبدأ «الهوشات على المتفرجين سهلة»، ويتعامل مع الزمن كمن يخجل من ابنة عمه أو كالبدوي الذي أخذ ثاره بعد نصف قرن، ثم فطن أن في العجلة الندامة، رغم أن (الإحيائية) في الشرق العربي تتخذ طابعا شعبويا لا دينيا، إلا أن «الأنيميزم» عند الغرب علمي أو نخبوي بحت، في الوقت ذاته الذي يحارب فيه روح الطبيعة تحيزا لها، متذرعا بالحرية التي يتهم أعداءها بـ»الهوموفوبيا»، فهل تكون الحرية حضارية حين تناقض العلم والطبيعة؟ كيف إذن يعتبرون الإسلام متخلفا أكثر من اليهودية أو الكونفوشية اللتين ظهرتا قبل الميلاد، مثلا؟ أليس في هذا نفاق، خاصة حين يصبح ماركس الفاشل ربا عربيا، لمن يستعرون من صلواتهم، بدل أن يخجلوا من عارهم؟
عد لمحاضرات الشيخ بسام جرار، رئيس مركز الدراسات القرآنية، التي تقوض ادعاءات علماء الأنثروبولوجيا الغربيين، بالبراهين التاريخية والعلمية، والاستنتاجية، وتابع الباحث الفرنسي موريس بوكاي، الذي أثبت مصير فرعون بنص قرآني، برهن نتائج بحوثه العلمية، ثم تأمل قصة هامان والمغالطات التاريخية في التوراة، التي صدمت علماء السجلات الصامتة «الأركيولوجيا»، والتي سبقهم إليها كتاب الغيب، ولكن ماذا عن كلير فورِستير؟
تستعرض قناة «إكس مسلم وان تي في» على اليوتيوب برامج إعلامية لمنظمة «لا تعارض» تهدف للتوفيق بين الإعجاز العلمي المعاصر وبين القرآن، بمستوى إنتاج مبهر، محذرة من التداول النهم لفيديوهات جهات تدفع لمذيعة بيضاء غير محجبة «حسب تعبيرهم» تتحدث عن الإسلام بطريقة خارقة، مقابل القراءة من جهاز التلقين التلفزيوني، وهو ما اعتبره أصحاب هذه القناة خداعا وتضليلا، في ظل إقبال شره لا يتأمل المضمون.. يحد من أثر البصيرة أمام تأثير البصر، عبر ثقافة المشاركة الالكترونية، مروجا بلا وعي لفهم مختلف يعود لأصحاب هذه المنظمات ولا يعبر أو ينتمي للفهم الصحيح والموروث للقرآن، تماما كما حدث بين تفسير ابن عباس عن جبل الطور «جبل سيناء حيث تلقى موسى الوحي عن ربه»، وبين منظمة «لا تعارض»، التي اعتبرته جبل «سينين» في أثيوبيا لدعم النظرية الداروينية للتطور البشري، محذرين من الانسياق وراء الدعائيات التي تعتبر أن القرآن كتاب معجز، وليس كتابا علميا، إعجازه في علمه، ودقة سننه الكونية أو التاريخية أو الأخلاقية!
حسنا إذن، من الذي ضلل الوعي الجمعي: المذيعة البريطانية غير المسلمة؟ أم الجهل العلمي والجمود الفكري، الذي لا يقوى على الاستنتاج المنطقي، الذي جاء متأخرا على الفطرة السليمة، خاصة في مسألة ثبوت الظل، التي فسرتها قناة «وان تي في» ، ثم العمر الحقيقي لعائشة حين تزوجت من النبي، والذي أثبته علماء الفقه مؤخرا ودحضوا به موروثا فكريا متحجرا، ومستقى من الاسرائيليات، التي عبثت بتاريخنا أكثر من جغرافيتنا، فمن أهم يا ترى: الوعي أم الضمير، أم أنه لا انفصام بينهما؟ طالما أن الحجة ما أعطت الشرشف لأخوها؟
لن أسأل من أخطر على الدين، لأن الثقافتين ليستا آمنتين على الوعي، ولا أمينتين على الحقيقة، وقد تجد في القناة الخامسة الجزائرية من لا يدعو للقطيعة مع الموروث، ولكنه يتباهى بلغة السماء أكثر من لغة البشر حين يقول: «المجتهد الذي ينتمي إلى شرطية تاريخية في القرن الثاني للهجرة ضمن إمكانياته وأدواته، مقدس أكثر من التأمل «كنهج قرآني» والعقل الإسلامي لم يزل على عقليتة الآلية التي انتهت من قرون ولم تزل تؤثر لتعبر عن أزمة نوعية يمر بها العقل، الذي يستنجد بالأموات باستمرار ولا يستطيع أن ينشئ متنا على متن… أو يواجه حضارة خطيرة دشنت مرحلة موت الإله وموت الإنسان بعد بزوع الإنسان الآلي»… فهل أنت حقا مسلم؟ أم أن الأمة التي تأتمن الموتى على لغة ربها الذي لا يموت، تضيع شرفها الذي هو ضميرها ووعيها، كما تضيع شرشفها اللي أعطتو لأخوها… وسلامتكم!
كاتبة فلسطينية تقيم في لندن
سامح الله هذه الحاجة الأردنيةالغاضبة, فقد كانت تكفر بسبب شرشف أهدته لإبنها والذي أهدته زوجته لأخيها!! ولا حول ولا قوة الا بالله
يجب أن يعتز الأولاد بهدايا والديهم, فهي ذكرى يتم توارثها جيل بعد جيل!! ولا حول ولا قوة الا بالله
مقال رائع كالعادة من شخصية محترمة مثقفة. مداخلة بسيطة ولكنها كارثية إذا صحت: ألمح لي العديد من الأصدقاء بإن مغزى قصة إنتشار الشرشف كالنار في الهشيم هو إياصل رسالة بإن أحدى ملكات العرب قد أعطت البلد لشقيقها للإستثمار كيفما يشاء. بالطبع هذا بلاء وقمة الإنحطاط الفكري والعنصرية وتخلف عظيم أن يتبنى الناس هكذا قصة سخيفة تحتوي على كفر وإلحاد لشئ سخيف ويربطوها بموضوع سياسي له أبعاد بالفساد فقط لغايات الإصطياد بالماء العكر وطالما عندنا هكذا قلة إحترام وهكذا سوء نوايا فلن تقوم لنا قائمة.
فكرتيني عزيزتي بشرشف اهداني اياة من الاهل القادمون من الحج والعمرة ،ثم ركنتة جانباً فهو ينفع بدلاً عن البطانية (حرام) في ايام البرد،لكني استخدم شرشف هندي فالهند لها ابداعات في صناعة المنسوجات القطنية وغيرها……