غزة ـ «القدس العربي» : بوجوه يعلوها الحزن وعلامات الترقب يعيش الفلسطينيون في قطاع غزة أيام عيد الفطر الذي حل هذه المرة على السكان المنكوبين، وهم تحت وطأة حرب شرسة تشنها إسرائيل راح ضحيتها أكثر من 1110 شهداء، غالبيهم من الأطفال والنساء. فخلت الشوارع من المعيدين، واستعان السكان برسائل نصية على الهواتف المحمولة لتبادل التهاني، استوحيت كلماتها من رحم المعاناة ومفردات الحرب.
وما جرى في اليوم الاول من ايام العيد انطبق على اليوم الثاني. فقد خلت شوارع قطاع غزة من المارة والمعيدين، والتزم السكان كالعادة منازلهم، يستمعون لأصوات القصف الإسرائيلي، الذي لم ينقطع طوال يوم العيد، مخترقا في أوقات كثيرة أصوات تكبيرات العيد التي انطلقت بأصوات خافتة عما مضى من المساجد.
وارتكبت قوات الاحتلال في اليوم الأول للعيد عدة مجازر بحق السكان المدنيين، فقصفت تجمعا ليلا مخلفة 40 شهيدا، غالبيتهم من الأطفال، في استهداف منازل سكنية، وسبقتها باستهداف تجمعا للأطفال في مخيم الشاطئ غرب مدينة غزة، وكذلك قصف مستشفى الشفاء، فأوقعت عشر شهداء، قبل أن ترتكب مجزرة في مخيم جباليا اسفرت عن استشهاد خمسة آخرين، وكانت قد افتتحت المجازر بشن عدة غارات ضد القطاع مع ساعات العيد الأولى أدت إلى استشهاد ثمانية مواطنين بينهم طفل صغير.
وخرج بعض المواطنين رغم الخطر فقط لتقفد أقارب فروا من المناطق الساخنة التي تشهد عمليات قصف متواصل، وآخرون استغلوا انخفاض صوت المدافع الإسرائيلية قليلا في ساعات الظهيرة، للخروج من مناطقهم القريبة من عمليات التوغل للهرب إلى داخل عمق القطاع.
كما استغلت طواقم المسعفين التنسيق الذي رتبته اللجنة الدولية للصليب الأحمر، للدخول إلى مناطق التوغل لانتشال جثث لشهداء قضى بعضهم قبل أكثر من أسبوع، حيث لا تزال هناك جثث كثيرة متحللة تحت أنقاض الدمار.
أما العائلات الثكلى التي فقدت منازلها في القصف العشوائي، وتعيش الآن في مراكز الإيواء، فلم يشعر هؤلاء ببشائر العيد الا انهاء صيامهم بكسرات قليلة من الطعام، فأطفالهم ظلوا يرتدون ملابس قديمة ومتسخة، يجوبون ساحة «مراكز الإيواء» مدارس لوكالة «الأونروا»، وهي في الغالب تلك الملابس التي خرجوا بها تغطي أجسادهم لحظة تعرض مناطقهم للاستهداف المباشر من قبل المدفعية والطيران الإسرائيلي.
ونزح جراء الحرب العدوانية الإسرائيلية إلى «مراكز الإيواء» نحو 130 ألف فلسطيني، علاوة عن العائلات التي رحلت إلى منازل أقارب لهم، وآخرى من مناطق الحدود إلى كنائس ومشافي.
ولم تعد ساحة الجندي المجهول، ولا مرفأ الصيادين إلى الغرب من مدينة تعجان كعادتهما بمئات الأطفال، الذين كانوا يصلون إلى هذه المناطق من غالبية مناطق القطاع، يلهون ويمرحون في العيد، فالتزموا منازلهم خشية من استهدافهم، خاصة وأن مرفأ الصيادين تعرض للقصف أكثر من مرة، راح ضحية إحدى هذه الاعتداءات أربعة أطفال كانوا يلهون في المكان وجميعهم من عائلة واحدة.
كذلك لم يخرج سكان قطاع غزة كعادة كل عيد لزيارة المقابر، رغم كثرة مشاهد الموت، التي سبقت العيد، خشية من القصف واستهدافات جديدة لجيش الاحتلال.
واكتفى الاهالي الذين يكتوون بنار الحرب الإسرائيلية الشرسة إلى تبادل التهاني بالعيد على وقع ومفردات الحرب، وذيلت عبارة «عيد شهيد»، غالبية تهاني العيد.
وكان من بين التهاني المتبادلة «بأي حال جئت يا عيد، بألف شهيد وجريح وشريد، والقلوب تعتصر ألما شديد، وكل عام وغزة صامدة من جديد».
وفي أحد التهاني تبادل السكان نص الرسالة التالية «رغم الألم والجراح وقوافل الشهداء، ودموع الأمهات، كل عام وغزة حرة»، وجاء في تهنئة أخرى «لا عيد فأخي شهيد وصديقي شهيد، ودوري ليس بعيد».
واكتفى الغالبية العظمى من الرجال بالاتصال يوم العيد تلفونياً بالأقارب، للاطمئنان على أوضاعهم، ولم تخلو بالطبع الاتصالات من تبادل الدعاء والأمنيات بانقشاع الحرب، لتعيش غزة وضعا مما كانت عليه.
وهذا هو أول عيد من نوعه يمر على السكان الفلسطينيين بشكل عام، فحتى في ذروة أحداث «انتفاضة الحجارة»، وكذلك «انتفاضة الأقصى» لم تمر أحداث أصعب من التي يعيشها سكان غزة جراء العدوان الحالي، وغالبا ما كانت تفصل أيام العيد أشهر وأيام طويلة عن مجازر إسرائيلية كانت ترتكب في الأراضي الفلسطينية.
لذلك فقد وصف الكثير من السكان العيد بأنه «عيد أسود وكئيب»، لما حمله من دمار ودماء كبيرين، وتركزت خطب المساجد على الدعاء للضحايا، وطلب مساعدة النازحين.
أشرف الهور