نهاية سنة عصيبة للعرب والمسلمين… والعالم

حجم الخط
9

أيّا كانت النقطة الجغرافية التي نتطلع منها إلى السنة التي نودع آخر ساعاتها اليوم فإننا سنجدها سنة عصيبة.
وإذا كنت عربيّا فإن هذا الوصف قد يعتبر طفيفا فماذا يقول الفلسطينيون الذين نكبتهم إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بقرار اعتبار القدس عاصمة لإسرائيل وافتتاح سفارة بلاده فيها ضمن خطة (تحمل العبارة التجارية «صفقة العصر») لإنهاء مشروع الاستقلال الفلسطيني ومعه دفن حقوق اللاجئين وتصفية سبل دعمهم وتصعيد التطبيع العربي مع إسرائيل للضغط عليهم؟
ما كان يمكن لما يدبّر للفلسطينيين أن يصل إلى هذه الحالة لولا المآل الكارثي للجغرافيا العربية التي حاولت بعض شعوبها، منذ عام 2011، أن تكسر قيود الاستبداد والطغيان التي كبلتها لعقود طويلة، فتكالبت عليها تحالفات دولية وإقليمية وعربية متعددة، وكان استخدام السلاح الكيميائي والمجازر والتهجير في سوريا، وإسقاط الحكومة المنتخبة بانقلاب عسكريّ ومجزرة كبرى لمعتصمين سلميين في مصر، ودعم مشروع الجنرال خليفة حفتر في ليبيا، واشتراك الحوثيين وقوات علي صالح والتحالف العربي في تدمير أي أمل لليمنيين، إشارات إلى استعادة الثورة المضادة لزمام الأمور في المنظومة العربية، وانضافت مؤامرات الإمارات والسعودية في تونس لتشكيك العرب بالثورة الوحيدة التي استطاعت، حتى الآن، الصمود.
وإذا كان حال العرب على هذا السوء فلا بد أن ذلك يرتبط أيضاً، أو يساهم، في حال السوء التي تعاني منها شعوب إسلامية كثيرة، فتراجع الثورات أمام وحشية الثورات المضادة أدى، من ضمن ما أدى إليه، إلى اشتداد التطرف السلفي وابتلاع الحركات الجهادية العنيفة كـ»القاعدة» وتنظيم «الدولة» للقوى المدنية والديمقراطية، وكان ذلك أحد أهداف قوى الاستبداد التي سعت إليها بقوة لربط الثورات (أو حتى مقاومة الاحتلال والاستبداد) بالإرهاب والتطرف الجهادي، وقد استغلت دول في كافة أنحاء الأرض وحركات سياسية كثيرة هذه الظاهرة للتحريض والتشدد ضد المسلمين عموما ومعاملة الإسلام الشعبي أو المقاومة أو معاداة إسرائيل كمعادل للإرهاب.
كان منع إدارة ترامب دخول مواطني دول مسلمة أحد اشكال «العنصرية الناعمة» والمقننة التي لقيت كفاحا من قبل المؤسسة القضائية، ولجأت الحركات السياسية اليمينية المتطرفة في أوروبا إلى أشكال أخرى من التضييق القانوني، فيما قامت دول أخرى كالصين بتحويل الإسلام إلى «مرض نفسي جماعي» يمكن علاجه باعتقال أكثر من مليون شخص من أقلية «الأويغور»، أما ميانمار فلجأت إلى البطش الممنهج والاغتصاب والقتل والحرق لتهجير المسلمين فيها إلى بنغلاديش ودول أخرى.
وإذا كانت دول الاستبداد والطغيان والاحتلال قد سجّلت «انتصارات» على مواطنيها أو من تحتل أراضيهم وتستبد بشؤونهم، لكنّ هذا النهج المدمّر الذي يفصل العالم إلى «فسطاطي» الأقوياء والضعفاء انعكس بدوره على أولئك «الأقوياء»، فالأوضاع في أمريكا نفسها لم تستقر على حال، سواء بسبب التقلبات والكوارث الطبيعية أو بردود الفعل على سياسات ترامب المشتبك على كافة الجبهات، من قضية التدخل الروسي والفضائح التي تلاحقه، ومجازر العنف الداخلي، إلى الخلافات مع أوروبا وروسيا والصين، وليس انتهاء بإقفال الحكومة وحصار المهاجرين على حدود المكسيك.
أما أوروبا فقد عانت بدورها من تقلبات سياسية كبرى، فقوى اليمين المتطرف حصلت على مكاسب وشكلت حكومات في إيطاليا والنمسا وهنغاريا وبولونيا، وتراجعت شعبية أنغيلا ميركل لصالح القوى العنصرية والمعادية للأجانب، وشهدت فرنسا تظاهرات كبرى أجبرت حكومة إيمانويل ماكرون على التراجع، واستمرت الأزمة السياسية في بريطانيا على خلفية مفاوضات الخروج من الاتحاد الأوروبي.
تشير هذه الأزمات المتعددة في كل أنحاء العالم إلى أن الإنسانية موجودة في مركب واحد وأن الأيديولوجيات المتطرفة تغذي بعضها بعضا، وأن منطق الاحتلال والاستبداد ولوم الآخرين هو منطق معاد للسياسة والطبيعة وهو آليّة لاستمرار النزاعات لا حلّها.
أملنا بسنة أفضل إذن يتعلق بحصول اتفاق عالميّ على حلول حقيقية للنزاعات بدل إعادة إنتاج أسبابها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول الكروي داود النرويج:

    لم ينجح الربيع العربي السلمي بتغيير الحكم الشمولي بعدد من البلاد العربية! لابد من خريف أحمريخلع قلوب الطغاة قبل خلع كراسيهم!! ولا حول ولا قوة الا بالله

  2. يقول .Dinars:

    انبهر بالحياة في إحدى البلاد الأوروبية وكيفية العيش هناك ومدى احترامهم للإنسان هناك بالطبع ومدى حبهم للحياة وتقديسهم للعمل وكل يدفع ما عليه من أداءات ومدى سهولة الخدمات ونظافة الشوارع إنه أحد الأقرباء المربي المتقاعد وقد كان في زيارة أحد أبنائه يقيم في بلد أوروبي.
    انبهر وهو يقارن مستوى العيش.
    فهلّا ينتهي التعسف والإستبداد في البلاد العربية.

  3. يقول ع.خ.ا.حسن:

    بسم الله الرحمن الرحيم رأي القدس اليوم عنوانه (نهاية سنة عصيبة للعرب والمسلمين..والعالم)
    قضية العرب والمسلمين الاولى هي فلسطين،والتي تريد القوى الصهيوماسونيةالصليبيةالصفوية أن تجد أرضية ممهدة لاستكمال أهدائها لاسرائيل والدوس على حقوق الفلسطينيين.ظهر ذلك (ضمن خطة -تحمل العبارة التجارية «صفقة العصر»- لإنهاء مشروع الاستقلال الفلسطيني ومعه دفن حقوق اللاجئين وتصفية سبل دعمهم وتصعيد التطبيع العربي مع إسرائيل)
    ففي سوريا فاقت وحشية الأسد
    وأسلحته الكيماوية وبراميله المتفجرة كل التصورات بما نتج عنها من تقتيل وتدمير وتهجير للأكثرية السنية الساحقة. وفي مصر وعار انقلاب السيسي العميل على الرئيس المنتخب ومجزة رابعة واخواتها.
    ولاننسى تدمير ليبيا على يد حفتر وداعميه وتدمير اليمن على يد الحوثيين وتحالف السعودية والامارات. واما في تونس، حيث صمدت ثورتها حتى الآن بالرغم من مؤامرات محمدي الخليج لاستكمال دفن ثورة شعوب الربيع العربي في مقبرتيهما.
    ولا تقتصر نكبة المسلمين على المنطقة العربية؛ فنجد مثلا، أن المسلم في الصين متهم حتى تثبت براءته وفي ميانمار المسلم
    مضطهد ومقموع حتى تثبت هجرته.وفي اوروبا وامريكا المسلم مشبوه حتى تثبت عمالته .
    وليس لها من دون الله كاشفة

  4. يقول ابراهيم سجراوي:

    تحليل كبير ومنطقي
    ما معنى “فسطاطي”؟

  5. يقول سامح //الأردن:

    *كل الأمل بعام جديد سعيد لجميع
    سكان كوكب الأرض(إن شاءالله).
    وكل التحية(لقدسنا) العزيزة
    ولجميع القراء والمعلقين الكرام.
    سلام

  6. يقول مضى عام من العمر:

    كل عام وفلسطين من البحر الى النهر حرة ابية ونتمنى من الله رب العرش العظيم سبحانه ان يدخله بالخير والرحمة والامان والاتحاد للشعوب المسلمة التى كل عام والطاغوت يقطع اطفالها اشلائا.العام المقبل بداية نهاية الطاغوت حرب وبحر من الدماء البريئة والعام بعده ستفرج على الشعوب بعد اسقاط اخر راس الطغيان لتكون اسرائيل الهدف بعده وكرة النار كلما تدحرجت كلما كبرت ..القمع كالضغط لا يولد الا الانفجار والعالم العربي على فواهة بركان وتسونامي وطوفان كهاجوج وماجوج من كل حدب وصوب بوصلتهم الشام والشهادة بعد ان يتبين لهم انه ليس لديهم ما يخسرونه الا القمع والفقر والجهل والاستعمار والاستحمار

  7. يقول سامي - باريس:

    نعم و الآتي أسوء و هو ما لا نتمناه فكل المؤشرات تتجه نحو أُفُقِِ مُظلم و وضع كارثي على كل الأصعدة و في كل المجالات، فسوريا لم تتعافى بعد و هي خارجة بفاتورة ثقيلة من الخسائر و الجراج و الآلام بعد سنوات من الدماء و الدمار و الخراب و اليمن الذي ينزف دما و فقرا و أمراضا فتاكة و يعاني من ويلات صراع طائفي و حرب مُعلنة من الجيران و الأشقاء و ليبيا التي لازالت تحت وطأة الحرب الأهلية و غزّة التي تختنق تحت حصار صهيوني إجرامي و غير إنساني بتواطئ و تنفيذ من حاكم مصر و عميل إسرائيل بامتياز السيسي .. و الأخطر حسب اعتقادي قادم و هو المؤامرات التي تحاك بتخطيط صهيوني مُحكم و تنفيذ من حاكم السعودية الجديد الذي تُطبخ في عقر داره ما أسموه بصفقة القرن و هو إرغام الجانب الفلسطيني على الاستسلام و التسليم بالأمر الواقع و القبول بأبو ديس عاصمة للفلسطينيين بدلا من القدس و وأد القضية الفلسطينية نهائيا بالتسليم في الأرض و المقدسات و تقديمها على طبقِِ من ذهب للصهاينة و قيادة طابور المُهرولين نحو التطبيع مع الكيان الصهيوني و هو مُجمل دول الخليج و إعداد تحالف لضرب إيران ..

  8. يقول سامي - باريس:

    فلا يكادُ يومُُ يمُرُّ على الأمة العربية و الإسلامية إلا و دماؤها تنزف بغزارة و أحوالها تزداد سوءا بعد سوء بعد أن اعتقدنا أن رياح الربيع العربي ستعود بالخير على الأمة فما زاد ذلك سوى تشرذماََ و تفرقة و مؤامرات تُحاك هنا و هناك و دماء و آلام و جراح و مآسي لا تُحصى ، أمة تائهة كالقارب الذي يوشك على الغرق و الأمواج الهوجاء تلطمُهُ و تتقاذفه من كل حدب و صوب .. نرجو من اللّه اللُطف في المقادير و العافية و السلامة لهذه الأمة المُنهكة الجريحة التي يتكالب عليها أعداؤها من كل جانب و تحاك ضدها المؤامرات و يُرادُ لها الفناء و الخراب ..

  9. يقول بلحرمة محمد:

    ليس تشاؤما مني ولا من باب الياس ولا ادعي انني اعلم الغيب فهدا من شان ربي ولكن كل المؤشرات تشير الى ان السنة الجديدة 2019 لن تكون مختلفة عن سابقاتها الم تكن اسوا وادهى وامر فما دام العرب في حالة الضعف والانهزامية والانقسام والتشتت فلن يصلح لهم حال ولن نرى في جغرافيتهم الا القتل والخراب والدمار والظلم والفوضى والاستبداد والاستعباد نتيجة انظمة لا تفكر اطلاقا في مستقبل البلاد والعباد بقدر ما تفكر في كراسيها التي تبقى هدفها الاول والاخير ولو كان دلك على حساب الشعوب والاوطان.

إشترك في قائمتنا البريدية