أدرك جيدا مقدار اختلاف المؤرخين والمفكرين حول مدى الاستفادة والتعلم من عبر وأحداث التاريخ. فالفيلسوف الانكليزي ديفيد هيوم يقول بأن التاريخ لا يخبرنا بأي شيء جديد، اذ البشرية هي هي ذاتها في ظل الازمنة والأماكن. اما الكاتب الساخر جورج برناردشو فيقول بأن الشيء الوحيد الذي نتعلمه من التاريخ هو أننا لا نتعلم شيئا منه. وبالنسبة للفيلسوف الألماني هيغل فيقول ان ما يعلمنا التاريخ هو ان الشعوب والحكومات لم يتعلموا قط من أي شيء من التاريخ. بالمقابل يؤكد احد السياسيين الايطاليين بأن الذي يريد ان يتنبأ بما سيأتي به المستقبل عليه ان يستشير الماضي، أي يتعلم من التاريخ.
لا شك بأن الشعوب والمجتمعات تختلف في مقدار تعلمها من التاريخ. اوروبا تعلمت بجد وموضوعية من كوارث صراعاتها في حربين مدمرتين فأقامت اتحادها الذي نراه امامنا. الحركة الصهيونية لم تتعلم شيئا من الهولوكوست الذي واجهه اليهود في اوروبا فانقلبت الى وحش بربري قاتل ينشد أناشيد الفرح الحقير في جنازات ضحاياه.
فأين نقف نحن العرب في أرض العرب؟ دعنا نستعرض بعضا من الصور لنتعرف على ملامح الجواب.
في الخمسينات من القرن الماضي كنا نردد ان لا حرية لأعداء الشعب في معارك الحرية التي كنا نخوضها، دون ذكر لماهية الجهة التي ستقرر من هم أعداء الشعب، واستنادا لأي قانون ولأي موازين وقيم، واعتمادا على أي شرعية. وانطبق الأمر نفسه على ترديدنا لشعار لا صوت يعلو على صوت المعركة مع العدو الصهيوني. كانت الضحية في النهاية هي الحرية نفسها والديمقراطية وحكم القانون.
اليوم، من دون ان نتعلم شيئا، نهتف بأن لا شيء يعلو على الامن وسلامة المواطنين ومجيء السياح وتدفق الاستثمار الخارجي، وأن لا مكان لأعداء الأمن وهدوء المجتمع مهما كانت المطالب التي ينادون بها، ومهما كانت المظالم التي يريدون رفعها.
لا حرية لاعداء الامن ولا صوت يعلو فوق صوت استتباب الأمن. ولكن ما هو ذلك الامن المطلوب، ومن يقرر حدوده وسقفه، وأمن من يجري اللطم باسمه، فتلك تفاصيل ليس أوان الاختلاف من حولها. وكما بالامس تكون الضحية في النهاية هي الديمقراطية والعدالة وحكم ونزاهة القانون.
في الخمسينات من القرن الماضي بدأت عادة بناء إعلام يمارس، باسم الثورات او قادتها العظام او احزابها الطليعية القائدة، اعلاما غير موضوعي في احسن الاحوال وغوغائيا كاذبا في أسوأ الاحوال. ولقد غطى ذلك الاعلام على الاخطاء والخطايا وأضر بسمعة الثورات وقادتها، ومن حيث لا يدري ساهم في الكوارث التي لحقت بكل محاولات التحرر والتوحد والعدالة الاجتماعية التي ملأت آفاق الوطن العربي كله آنذاك.
الآن، وفي خضم محاولات الشعوب العربية كسر حواجز التسلط والظلم والبطش التاريخية، تنهج أكثرية وسائل الاعلام العربية نفس النهج القديم، من غياب الموضوعية، وممارسة الكذب والشتائم السوقية، والانحياز الأعمى لسلطة الحكم والمال، والانخراط في الصراعات الطائفية العبثية. وبذلك تساهم في كل أنواع الغوايات والإثارة المجنونة والخطابات البليدة.
لم يتعلم الإعلام العربي، الرسمي المنافق والتجاري الانتهازي والمجتمعي المريض، الا من رحم ربي، لم يتعلم من مراهقات الماضي وعبثياته الطفولية.
في الخمسينات لم تستطع الدول العربية التعايش مع بعضها بعضا حتى لو كانت مختلفة في ايديولوجياتها وأنظمة حكمها ودرجات وعي شعوبها. في تلك الأجواء المليئة بالحقد والكراهية والجهالات السياسية، انتهى البعض بالاحتماء بأحلاف أمنية مع دول استعمارية نكاية بالمد القومي، وحارب البعض كل خطوة وحدوية نكاية بهذا القائد او ذاك، وتخلى البعض عن اخوتهم في العروبة وفي الاسلام حتى في فترات احلك اوضاعهم، ولم تبق رذيلة الا ومورست. والنتيجة كانت وبالا على كل الأمة وعلى الوطن الكبير وربحا للصهيونية وبقية الأعداء.
لم تتعلم حكومات هذه الأمة من دروس الماضي، اذ اليوم تمارس صورا من الصراعات ومن المؤامرات ضد بعضها بعضا أشد واقبح مما فعلته في الماضي. ولا حاجة لوصف النتائج، فهـــي كارثية بكل المقاييس.
لا يسمح المجال لذكر كل الصور الاخرى من مثل حماقات وجنون الدويلة الاسلامية الداعشية الجديدة وهي تمارس نفس النهج الذي مارسه الخوارج والقرامطة في الماضي البعيد، فما جاء ذلك النهج الا بالخراب واليباب وباضعاف الأمة واسفاف الدين الذي شوهوه.
هل نستطيع ممارسة نهج الأوروبيين فنتعلم من التاريخ، ولا نلتفت لما يقوله هذا المؤرخ او ذاك المفكر عن قيمة التاريخ في حياة الأمم والبشر؟ نرجو أننا قادرون.
٭ كاتب بحريني
د. علي محمد فخرو
مازال النظام العربي وازلام الاعلام منبطحين فلا نرجو منهم خيرا \على الشعوب العربية ان تخرج اليوم قبل الغد عن بكرة ابيها وتنتفض على هذه الانظمة وتسحقها كما حدث في ثورات العالم
شكراً للدكتور علي على الكتابة بهذا الموضوع المهم…
أعتقد بل و أؤمن أن الاستفادة من أحداث التأريخ العربي الاسلامي عبر القرون المشرقة السابقة ممكنة وواجبة ولذلك أذا كنا أمة ” حيّة “… ولذلك فعلى الدول العربية مراجعة مواقفها (من بعضها البعض) و ترك خلافاتها جانباً والشروع بمشروع بعيد المدى وتوظيف المتخصصين لقراءة التأريخ والخروج يأستنتاجات و خطط عملية قابلة للتنفيذ. يمكن أن ينجز هذا المشروع من خلال جامعة الدول العربية.