«مسألة عائلية» للياباني هيروكازو كوريدا: السرقة كظاهرة اجتماعية في فيلم «السعفة الذهبية» لمهرجان كان

حجم الخط
0

لننطلق من العنوان، فللفيلم عنوانه الياباني، الذي يعني حرفياً «عائلة نشّالة»، اختصرها عنوانه الإنكليزي إلى «نشّالون»، أمّا العنوان الفرنسي فجاء أكثر عمقاً وأبعد قليلاً عن العنوان الأصلي ليكون «مسألة عائلية».
قراءة الفيلم على مستوى أعمق وما يمكن أن توحي به أحداثه ستؤدي بنا إلى ما هو أبعد من الأيدي الخفيفة لأفراد شكّلوا عائلة تسرق هنا وهناك في المتاجر الكبيرة والدكاكين المحلية الصغيرة، إلى مسألة تبدو عائلية واجتماعية. سنصل إلى النصف الأخير من الفيلم الذي تخطى، بنصفه هذا، موضوع النشل والسرقة وقد امتد على طول نصفه الأول، إلى مسألة اجتماعية لا تبدأ بخطف أطفال ولا تنتهي بدفن ميت في البيت، خفيةً، وتمرّ بقضية اجتماعية تخص الدولة ومؤسساتها ومدى الفقر والبؤس، اللذين يمكن أن يعيشهما أناس اضطرّوا لممارسة ما شاهدناه مراراً في الفيلم، أي النشل.


يمكن لفيلم كهذا، مبني على محاولات طفل، ومن بدا بداية أنه والده، السرقة من متاجر أن يكتفي بذلك، بسرد مفارقات كوميدية، أو بسرد تفاصيل حياتية تراجيدية بائسة لهذه العائلة الفقيرة التي تعيش في بيت من القش والحجارة، عشوائي غير شرعي، وسط مبان بشقق عديدة ومضاءة في مدينة طوكيو. كان يمكن أن تكتفي الحكاية ببؤس هذه العائلة، وهو ما امتد لساعة من زمن الفيلم، لنعرف لاحقاً أنّ كل ذلك كان مقدمة لما هو أشد عمقاً، حين يحاول الطفل الهرب بكيس من البرتقال كان قد سرقه من متجر كبير، يُحاصر على جسر من قبل عاملين في المتجر، فيقفز إلى الشارع ويكسر ساقه، تصل الشرطة والإسعاف وهنا تنقلب حياة ما يمكن أن نسميها عائلة صغيرة، وينقلب الفيلم إلى ما هو أبعد من سرد يوميات بؤس لعائلة تعيش في عشوائيات طوكيو.

لاحقاً، سنعرف أننا لسنا أمام تصوير يوميات حياة بؤس لهؤلاء، سنعرف أساساً أنّهم ليسوا عائلة واحدة، سنعرف أنّ بعضهم مخطوف من أهله، وأن أفراد هذه العائلة مارسوا إضافة للخطف، السرقة ودفن أكثر من ميت.

هي ليست عائلة، وإن كان هذا ما يظنه المُشاهد، وما يريد المخرج للمُشاهد أن يظنه، إذ قدمها له كعائلة، هي أفراد تجمّعوا وكوّنوا، اجتماعياً، ما بدت عائلة، رجل نشّال يعلّم ذلك لطفل استدرجاه هو ومن بدت زوجته بعيداً عن عائلته، وربّياه على النشل، فتاة تعمل في الدعارة، جدّة لا نعرف الكثير عنها، وطفلة أُدخلت حديثاً إلى «العائلة» تم تدريبها على النشل وكانت، لصغر سنّها وبراءتها وسذاجتها، السبب في أن يُكشف الطفل الذي يكبرها بسنين قليلة، وفي أن تنقلب حياة العائلة وسير الأحداث في الفيلم.
تعيش هذه العائلة في بيت عشوائي، وهو من الداخل صغير، بغرف أصغر مفتوحة على بعضها، مليء بالأشياء والمقتنيات غير المتجانسة، كأنّها كلّها مسروقة، نراهم يأكلون معظم الوقت، على طاولة معاً، كعائلة حقيقية، يجتمعون ويمضون وقتاً ممتعاً، يضحكون ويتحادثون، لكل دوره كأي عائلة، الأب، الأم، الفتاة، الطفلين، الجدّة. وكان البيت المكان الأساسي للتصوير، إذ جرت معظم أحداث الفيلم فيه، وأمكن لذلك أن يوصل للمُشاهد الضِّيق الذي يعيشونه، داخل البيت وخارجه، مادياً ومعنوياً، مكانياً وزمانياً، فهم ملاحقون ومضطرون لكسب قوت كل يوم بيومه. اللقطات بالتالي أتت قريبة ضيقة كذلك، مهما ابتعدت إلى الطرف الآخر من البيت لتصوير أحدهم فيه تبقى قريبة، بدا الفقر واضحاً تماماً على طول الفيلم، في نصفه الأول تحديداً، إنّما الجو «العائلي» فيه محا بعض آثار الفقر وصعوبات تأمين ما يشترون به طعامهم، أو ما يسرقونه ليأكلوه.
لاحقاً، سنعرف أننا لسنا أمام تصوير يوميات حياة بؤس لهؤلاء، سنعرف أساساً أنّهم ليسوا عائلة واحدة، سنعرف أنّ بعضهم مخطوف من أهله، وأن أفراد هذه العائلة مارسوا إضافة للخطف، السرقة ودفن أكثر من ميت، وكذلك القتل في مراحل زمنية تسبق الزمن الراهن في الفيلم. نعرف كل ذلك في تحقيقات الشرطة التي تقتحم البيت إثر إصابة الولد ونقله إلى مستشفى وزيارة والديه/خاطفيه له لإخراجه من هناك، كي لا يُكشف أمرهم، وحين لم يستطيعوا قرروا ترك البيت والهرب، إنّما اعتقلتهم الشرطة أثناءها. هنا ننتقل من حكاية فردية عائلية إلى مسألة اجتماعية، لذلك فضّلتُ العنوان الفرنسي فهو يحكي عن مسألة عائلية لا عن نشّالين، عن مسألة تخص المجتمع بأكمله، تخص الدولة التي فشلت في حماية مواطنيها من ظروف كهذه، من الاضطرار، كي يعيشوا، للسرقة والخطف عن سبق إصرار وترصد.
العائلة التي نالت تعاطف المُشاهد وإن كان ذلك من خلال ما ارتكبته، إنّما كان لها أسبابها، لا مبررات إنّما أسباب أجبرتها على أن تفعل ما فعلته، فينتقل الفيلم إلى تعميم المسألة وجعلها عموما اجتماعية ملقياً اللوم على النظام الاقتصادي الرأسمالي في اليابان، حيث يتكلّم موظفون اجتماعيون ببدلات وربطات عنق، بمنطق ساذج يميّز أصحاب الامتيازات، مع الولد في المستشفى، حيث تُعتقل من بدت الزوجة لأنّها ادّعت المسؤولية عما ارتكبوه لتبرئة الآخرين، حيث لا يكون للفقير خيارات سوى السرقة أو السجن، في بلد لا حماية فيه لهؤلاء.
نال الفيلم (Shoplifters) المعروض حالياً في الصالات الفرنسية السعفة الذهبية في مهرجان كان السينمائي الأخير، وهو، وهذه إحدى ميّزاته، كتابة وإخراج ومونتاج هيروكازو كوريدا، الذي كتب ومنتجَ وأخرج العديد من أفلامه التي شاركت في مهرجانات عدة منها أفلام «أختنا الصغيرة» 2015، «ما بعد العاصفة» 2016، «الولد كأبيه» عام 2013 الذي نال جائزة لجنة التحكيم في مهرجان كان وجوائز أخرى.

٭ كاتب فلسطيني ـ سوريا

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية