باريس- “القدس العربي”:
توقفت صحيفة “لوموند” الفرنسية في افتتاحيتها، عند مأساة المهاجرين والعجز الأوروبي المتواصل حيالها؛ موضحة أن الرجال والنساء والأطفال يستمرون في الهلاك بينما يحاولون الوصول إلى أوروبا التي أصبحت عبارة عن “إل دورادو”.
فبعد ثلاث سنوات من وصول المهاجرين بأعداد هائلة واستقبالهم من قبل ألمانيا؛ تم إغلاق الطرق وأقيمت الجدران وأغلقت الحدود، مما جعل البحر الأبيض المتوسط أكثر طرق الهجرة دموية في العالم. حيث أكد تقرير للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين الصادر في 3 يناير/كانون الثاني الجاري، أنّ 2260 شخصاً لقوا مصرعهم في أعماق البحر عام 2018 بين أفريقيا وأوروبا.
واعتبرت “لوموند” أن هذا العدد حتى لو كان أقل من العدد الذي تم تسجيله خلال عام 2018؛ إلا أنه عار مطلق على أوروبا، التي قررت بعض دولها العام الماضي إغلاق موانئها ، كإيطاليا ومالطا أو عدم إعطاء الضوء الأخضر لسفن الإنقاذ كآكواريوس التي أجبرت على تعليق أنشطتها الانسانية.
ومع ذلك، فإن ضغط الهجرة سجل تراجعاً كبيراً منذ موجة الهجرة الهائلة نحو أوروبا في عام 2015 بوصول نحو مليون مهاجر إلى القارة؛ عكس العام الماضي 2018 حيث تراجع عدد الوافدين إلى 150 ألف مهاجر، وفق الوكالة الأوروبية للتعاون الحدودي (فرونتيكس). وأصبحت إسبانيا هي بوابة الدخول الأولى، في أعقاب الاتفاقيات التي تمت بين إيطاليا وليبيا لمنع انطلاق المهاجرين عبر الشواطئ الليبية.
وعلى الرغم من هذا التراجع الجذري، أوضحت صحيفة “لوموند” أن السياسات الأوروبية المشلولة بسبب صعود القومية وكراهية الأجانب، لا تزال عاجزة عن ايجاد سياسة مشتركة وإنسانية ضد المهاجرين المستعدين لأي شيء للفرار من البؤس والحرب.
ونددت منظمات حقوق الإنسان غير الحكومية يوم الجمعة، بـ “سجل الخجل”، حيث لا يزال 49 مهاجرا أنقذتهم سفينتان إنسانيتان في البحر الأبيض المتوسط؛ ينتظرون الموافقة على استقبالهم، رغم النداء العاجل الذي وجهه البابا فرنسيس إلى قادة أوروبا للتضامن مع هؤلاء المهاجرين؛ والذي استجابت له ألمانيا وهولندا وفرنسا، معربين عن استعدادهم للترحيب “ببعض هؤلاء المهاجرين”، لكن المشكل يكمن حتى الآن في ايجاد ميناء لإرساء السفينتين، حيث لم تقترح أي من الدول ذات الحدود البحرية حتى الآن استقبالهما .
ومضت “لوموند” إلى التوضيح أن الاتفاق الأوروبي الذي تم التوصل إليه في يونيو/حزيران الماضي حول إنشاء “منصات هبوط” و “مراكز مراقبة” لم يدخل حتى الآن حيز التنفيذ. وقبل بضعة أشهر من الانتخابات البرلمانية الأوروبية؛ ثمة حالة من الشلل التام ، في ظل خشية كل دولة أوروبية من صعود جديد لليمين المتطرف. ويبدو أن “الفعّالية” الوحيدة للاتحاد الأوروبي بالنظر إلى انخفاض أعداد الوافدين، تتمثل في الاتفاقات المبرمة مع دول العبور مثل تركيا وليبيا. وهي “فعالية”؛ تقول الصحيفة الفرنسية إنه مشكوك فيها و متهوّرة، عندما نعلم شروط العيش و البقاء في بلد تمزقه الحرب مثل ليبيا.
كما أشارت “لوموند“ إلى أنه ثمة في الآونة الأخيرة، بحر ثاني أين يلقي المهاجرون أنفسهم في الماء على متن قوارب هشة، على الرغم من الموجات المضطربة والبرد القارس: قناة “المانش” التي تفصل بريطانيا عن فرنسا. إذ تشير تقديرات الحكومة البريطانية إلى أن 539 مهاجرًا حاولوا العبور من فرنسا في عام 2018 ، نحو 80 في المئة منهم خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة من العام. و تم إرسال سفينة دورية بريطانية إلى المنطقة.
و حثّت “لوموند” الاتحاد الأوروبي على أن يفعل كل ما هو ممكن، حتى لا يصبح المانش- بعد البحر الأبيض المتوسط – مقبرة بحرية ثانية على أنقاض قيم الدول الأوروبية المتمثلة في حسن الاستقبال والإنسانية.