هوامش على لقاء السيسي «المذاع»رغم الرفض

حجم الخط
2

يقول أمل دنقل «إذكريني فقد لوثتني العناوين في الصحف الخائنة، لونتني.. لأني منذ الهزيمة الأولى لا لون لي غير لون الضياع»، كلمات تستحضر الكثير على هامش الأحداث وردود الفعل التي ظهرت منذ إعلان شبكة «سي بي أس» الأمريكية عن موعد بث لقاء مؤجل مع الرئيس عبد الفتاح السيسي ضمن برنامج «60 دقيقة» الشهير، بكل ما تضمنه الإعلان من تفاصيل يجمع بينها خليط من مشاعر الصدمة والتعجب، بعد مطالبة مصر بعدم إذاعتها، وترويجها إعلاميا بأنها المقابلة التي «لا تريدها مصر أن تذاع».
صدمة كانت من نصيب الجميع بمن فيهم السيسي نفسه، بالإضافة إلى طاقم البرنامج، وكل من تابع التطورات حتى إذاعة الحوار صباح السابع من يناير/ كانون الثاني 2019 بتوقيت القاهرة.
صدمة كان التعبير عنها سريعا في حالة السيسي، ومن معه وحوله من مستشارين على ما يبدو، وتمثل في المطالبة الرسمية عبر السفير المصري في واشنطن بعدم إذاعة الحوار بعد أيام قليلة من اللقاء الذي عقد في سبتمبر/أيلول 2018 أثناء تواجد السيسي في نيويورك، ولكن الصدمة كانت تدريجية لدى طاقم البرنامج، الذي حمل تصورا معينا للحوار مع «ديكتاتور» محتمل على ما يبدو، كما عبّر المذيع المعروف سكوت بيلي في واحد من الأسئلة التي طرحها، إلى التساؤل عن آليات عمل النظام الذي يحكم مصر، والذي وافق على اللقاء وتفاوض للحصول على الأسئلة، وصولا للمطالبة بعدم البث في ظل حالة من اللبس بين الأسباب الحقيقية والأسباب المعلنة، عبر التسريبات الصحافية في مصر، التي ظهرت بعد الإعلان عن موعد البث ونشر لقطات وتفاصيل من الحوار. ربما لم يجد طاقم البرنامج السيسي المتصور، ولكن ما ظهر في البرنامج هو وجه من الأوجه التي تكمل الصورة، وتعيد إلى الواجهة الصدمة التي صاحبت ظهور السيسي المرشح للرئاسة في أول لقاء تم بثه في 2014 بعد التواجد عبر البيانات المسجلة والحضور العابر، معلقا عن الدولة والتفويض، وكاشفا الكثير من تصوراته عن السياسة والحكم.
وبشكل عام، يظهر السيسي في الخارج مختلفا عن الداخل في الشكل وطريقة التواصل حيث تغيب ملامح العنف والقبضة المغلقة لليد، وتتغير لغة الجسد وتعبيرات الوجه وتقدم صورة أكثر تواضعا في حضرة الآخر، عما يحدث في حضرة الشعب، حتى المشكلات التي تواجهها مصر تقدم في خطاب مغلف بالحاجة للتعاطف مع التحديات، والإرهاب ومكافحته، وضررة دعم نظامه لأنه الوحيد القادر على تحقيق الاستقرار في مصر وعبرها في المنطقة. أما سيسي الداخل فهو الذي يؤكد أننا «فقرا قوي» ومجرد «أشباه دولة» في حاجة إلى لجنة أخلاق، و»ضبط النفس» الذي تمارسه الدولة، كل هذا من دون أن يتجاوز عن إظهار الغضب وضيق الصدر في مواجهة الجماهير على طريقة العصى والجزرة، وفي الخلفية خطاب «الفلاتر» التي غابت و»ما بخافش» الذي لا يبرر المطالبة بعدم إذاعة المقابلة.
المشكلة التي كان على البرنامج التعامل معها، والممثلة في الطلب المصري والموقف منه، كشفت بدورها عن أبعاد أخرى في آليات الحكم. وضعية ظهرت في التساؤل الذي طرح على طاقم البرنامج، ضمن خطوات الترويج للمقابلة وملابساتها قبل البث، وتحديدا التساؤل عن معرفة السيسي بطبيعة البرنامج قبل المقابلة من عدمه، وهو الأمر الذي استبعده طاقم العمل وسط تعبيرات الدهشة والإحساس بالانتصار على الرئيس، الذي «أراد الظهور على المسرح العالمي مثل القادة الكبار في المنطقة»، لهذا، يضيف التعليق، «بعنا له هذه الفكرة.. قلنا له إن هؤلاء القادة يظهرون في 60 دقيقة»، وفي الخلفية صور لعدد من حكام المنطقة السابق ظهورهم في البرنامج. حديث يعبر عن سهولة الإقناع حين يكون الهدف هو الحضور، وتصور أن قواعد السمع والطاعة التي تحكم الداخل تحكم الخارج أيضا، وافتراض سهولة التراجع بمجرد التعبير عن الرغبة في حدوث أو عدم حدوث الشيء.

ما زالت المعركة مهمة من أجل حرية الكلمة ومعها الحقوق والحريات المفتقدة

تعبر المشاركة في البرنامج، رغم الرفض في البداية، خاصة مع الإصرار على الحصول على الأسئلة كاملة ورفض البرنامج، وفقا لما نشره موقع «سي بي أس»، ثم التراجع من أجل المشاركة في نادي القادة الكبار السابقة مشاركتهم، عن إشكالية في القرارات في مصر، حيث يتم التركيز على الشكل دون المضمون، واللقطة دون المحتوى. يجد النظام نفسه في مواجهة ثمن يجب دفعه للتأكيد على مخاطر غياب الدراسات السابقة، أو البحث جديا في جدوى قرار مثل المشاركة في تلك الحالة. تظهر التفاصيل عدم إجراء ما يفترض من بحث عن البرنامج وما سبقه من لقاءات، بما فيه مع رؤساء سابقين في مصر، استحضر منها سريعا على وسائل التواصل الاجتماعي لقطات من اللقاء مع الرئيس الأسبق محمد أنور السادات بكل ما له من حضور وما يثبته من مكانة.
بدورها تعبر الأسباب المسربة محليا للمطالبة بعدم البث، خاصة فكرة أن الرئيس لا يظهر بشكل جيد شكلا من دون تناول المحتوى، والتشكيك في الإصرار على البث وتوقيته باسم المؤامرة، من دون محاسبة المشاركة نفسها، تعبر عن تهافت المبررات التي تسوق للداخل حين تملك ساعات من التأييد، ولكنها لا تصلح من أجل إقناع الآخر الذي لا ينطلق من البداية نفسها، ولا تحكمه الأهداف والمصالح نفسها. وبهذا عندما تتغير القواعد تبدو الفجوة واضحة، خاصة في عالم يرى أن الصحافة الحرة جزءا أساسيا من الديمقراطية، وأن المعلومة حقا يجب الدفاع عنها، أو كما قال المذيع في مقابلة ما قبل البث، «إذا كان لديّ سؤال يحتاج أن اسأله بالنيابة عن العالم بأكمله، وأفكر أنه – السيسي- قد يقوم بالإطاحة بالميكروفون والهروب من الغرفة، فإن تلك هي الإجابة».
نوعية من الإجابات لا تحبها السلطة ولا تحب الأسئلة التي تقود إليها، لأنها تزعجها وتحقق دور الصحافة الحرة بوصفها «الحارس الذي لا ينام لكل الحقوق الأخرى التي يقدرها الإنسان، والمدافع الأقوى ضد الطغاة» كما قال رئيس الوزراء البريطاني ونستون تشرشل، ولهذا تفرض تلك الأجواء حدودا على الضيف، وتعيد إظهار التناقض بين الداخل والخارج. وإن كان المرجح أن يرد الرئيس على تعليق مثل، يقول البعض إن «يدك ملطخة بالدماء» الذي جاء ضمن السؤال عن مذبحة رابعة، مستنكرا بغضب، وربما تساءل إن كان من أمامه قد درس ما يقوله جيدا، فإنه لم يفعل هذا في المقابلة، واعتبر ما قيل مجرد سؤال يبرره التشكيك في المنظمات الدولية العاملة في مجال حقوق الإنسان، والحرب على الإرهاب. وبالإضافة إلى طرح الأسئلة التي يفرضها الواقع وتهم الجمهور المستهدف، وليس اختيارات الضيف، قدم البرنامج المقابلة بطريقة لا يشهدها الرئيس داخليا، عبر وضع ما يقول في سياق الأحداث وإظهار التناقضات من داخلها. كان السياق حاضرا بعد ثورة 25 يناير في صورة برامج ساخرة، ازدهرت خلال فترة حكم الرئيس الأسبق محمد مرسي قبل أن تتراجع ويترك البعض الساحة، أو تظهر في أشكال أخرى. بدوره لم يقدم برنامج «60 دقيقة» السياق بشكل ساخر، ووضع الكلمة أو التصريح في إطار الأحداث والتصريحات الرسمية بصورة جادة، وتحول الرد إلى سؤال في صورة حوار وليس توجيهات من طرف واحد، كما ظهر في إبراز التناقض بين حديث السيسي عن وجود آلاف المسلحين في اعتصام رابعة، وتصريحات وزير الداخلية وقتها العثور على عشرات الأسلحة، بما يبرز وجود فجوة وتناقض بين معلومات الرئيس عن الأحداث التي كان حاضرا فيها، ومحركا لها، بوصفه وزير الدفاع، وتصريحاته التي كان يمكن في سياق آخر أن تكون نهاية القصيدة.
تساهم تلك الفكرة نفسها، والخاصة بتقديم المقابلة في صورة حوار فيه جدال ومحاسبة، وعدم التعامل مع تصريحات الضيف بوصفها الحقيقة المطلقة، في تفسير عدم الرغبة في بث المقابلة، ومعها ما جاء فيها من نقاط مثل، الحديث عن التعاون الكبير مع إسرائيل في سيناء، وإنكار وجود معتقلين سياسيين مقابل أرقام «هيومان رايتس ووتش» عن المعتقلين، واستحضار أسماء مثل الفريق سامي عنان، بالإضافة إلى مشاركة شخصيات أخرى معلقة على تصريحات السيسي، بما ساهم في خلق حالة حوار تفاعلية تغيب عن عالم الصوت الواحد، أو الصوت المسيطر الذي ينتصر غالبا من دون نقاش في الداخل.
تفسر محاولة عدم إذاعة اللقاء، مع التسريبات التي تحاول النيل من مصداقية القناة أو تقديم مبررات شكلية لتلك الرغبة أحاديث تروج إعلاميا عن ضرورة غلق مصر، وتوضح لماذا تستهدف وسائل التواصل الاجتماعي وكل من يساهم في تقديم رؤية مختلفة من شأنها أن تساهم في توضيح الصورة الغائبة، وتستحضر كما بدأنا أمل دنقل وهو يذكر بقيمة الإعلام وخطورة الكذب والتلون. تعيد التفاصيل التأكيد على أهمية الصحافة الحرة من أجل حماية الحقوق والحريات، ولكن على أرض الواقع ما زالت المعركة مهمة من أجل حرية الكلمة ومعها الحقوق والحريات المفتقدة.
كاتبة مصرية

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول الصعيدي المصري:

    بعد اعتراف الديكتاتور بتعاونه مع قوات اسرائيلية في سيناء لمحاربة الارهاب
    هل لنا ان نسأل عن حقيقية المجازر التي ارتكبت بحق اهلنا في سيناء ؟

  2. يقول خليل ابورزق:

    نحن الذين نصنع الاصنام من حجارة او نحاس ثم نعبدها او نجعلها وسطاء بيننا و بين المعبود. و نشاهد و نعلم علم اليقين مجموعة الكهان المحيطين بالتمثال و يعظمونه و يضخمونه. و قد رأينا من هؤلاء الكثير. وخذ مثلا السيد انور السادات الذي لم يكن شيئا مذكورا و دليل ذلك شهادته على نفسه في كتابه “البحث عن الذات”. وان مؤهله الكبير سياسيا هو اتهامه بجريمة قتل و تقليد فريد الاطرش اجتماعيا. ثم صنعوا منه اسطورة و عندما احتاروا في عبقريته المزعومة قالوا انه فهلوي…و تكرر الامر مع حسني مبارك الذين اخترعوا له الطلعة الجوية.
    الان يتكرر المشهد مع السيسي..و هو في الحقيقة اقل كفاءة من سابقيه..و يكفي انه مع كل الايفادات الى امريكا لا يستطيع التكلم ببضع جمل انجليزية ناهيك عن التكلم باللغة العربية اصلا.
    السيسي جاء بحكم الوظيفة ووصل الى الوظيفة بسبب تقديم الولاء على الكفاءة كما هو الحال في انظمتنا المتخلفة. وهو ليس الوحيد في عالمنا العربي.

إشترك في قائمتنا البريدية