الرباط – تونس – «القدس العربي»: الخروج الشعبي المغاربي للتنديد بالعدوان الاسرائيلي على قطاع غزة لم يكن المرة الأولى التي يكون فيها المغرب العربي/ شعبيا، استثناء إيجابيا في التفاعل مع القضايا العربية، خاصة القضية الفلسطينية. فالقضية الفلسطينية تشكل جزءا من الهم الشعبي ولم تكن، حالة من التنافر او التصادم بين شعوب المنطقة وحكوماتها، بغض النظر عن طبيعة هذه الحكومات وتدبيرها للقضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية وصراعاتها مع القوى المجتمعية المعارضة.
وطوال العقود الماضية، شكلت القضية قاسما مشتركا لكل القوى المجتمعية المغاربية، اسلامية ويسارية وليبرالية، في السلطة أو المعارضة، وظهور بعض التباينات أحيانا، كان حول شكل الدعم وليس مبدأ الدعم، ويعتبرون القضية الفلسطينية قضية وطنية.
كان المحللون يذهبون الى ان الربيع العربي سيذهب بالاهتمام الشعبي، العربي عامة والمغاربي خاصة، عن القضية الفلسطينية، لانشغال الشعوب بقضاياها المحلية، بعد الكشف عن حجم الفساد الذي كان ينخر انظمة الحكم ممزوجا بديكتاتورية بشعة مغطاة في كثير من الأحيان بالقضية الفلسطينية، متزامنا مع الإنعكاسات السلبية لما عرفه الوضع الفلسطيني من تطورات منذ اتفاقية اوسلو 1993 والانقسام الفلسطيني 2007.
العدوان الاسرائيلي الأخير على غزة، بين ان دول منطقة المغرب العربي، التي عرفت الربيع أو تفاعلت معه، وما زالت لم تنه مخاضها وتعرف تحولات ما زال مآلها لم يتضح بعد، عاشت شوارع كل مدنها الأساسية العدوان على غزة بتفاصيله، من خلال تظاهرات وأنشطة دعم ومساندة للشعب الفلسطيني ومنددة بالعدوان الصهيوني.
وأعادت عملية «الجرف الصامد» وهج القضية الفلسطينية الى الفضاء المغربي، بداية بوقفات في الساحات العامة يشارك بها العشرات ثم المئات قبل ان تنطلق المظاهرات والمسيرات وتصل الى عشرات الالوف، تهتف « غزة غزة …. رمز العزة».
فالمواطنون المغاربة خرجوا للشوارع العامة والأزقة والأحياء هتفوا باسم غزة وتغنوا ببطولتها، ونددوا بالعدوان الصهيوني والتواطؤ الدولي والعربي المكشوف. ولم تمنع العشر الأواخر من رمضان وانشغال الناس في إستقبال العيد من حمل همِّ غزة وكل فلسطين، والتعبير عن ذلك بالصوت الجهور عبر الإحتجاج بل كان دافعا أكبر للتضامن والنصرة.
الدعوات للتظاهر أو الوقفات كانت تأتي من الجمعية المغربية لمساندة الكفاح الفلسطيني ومجموعة العمل الوطنية لدعم فلسطين وهما جمعيتان تضمىان مختلف الأحزاب والقوى والتيارات السياسية والمنظمات النقابية والهيئات الحقوقية ومنظمات المجتمع المدني بالإضافة الى دعوات من هيئة النصرة لقضايا الأمة.
كل هذه الجمعيات دعت وشاركت في مسيرة الرباط يوم الاحد 20 تموز/ يوليو، التي انطلقت من ساحة باب الحد لتصل الى مقر البرلمان بشارع محمد الخامس أهم شوارع المدينة وشارك فيها عشرات الآلاف، قدموا من مختلف المدن المغربية تضامناً مع الشعب الفلسطيني وتنديداً بالعدوان الإسرائيلي، مذكرين بالمسيرات والتظاهرات التي شهدتها الرباط منذ حزيران/ يونيو 1990 ووصلت 2002 الى أكثر من مليون متظاهر.
المشاركون رفعوا شعارات «غزة غزة رمز العزة» و«كلنا فداء غزة الصامدة» و»غزة تقاوم والعرب تساوم» ويا حكام الذل والعار، غزة لن تنهار»، و»يا فتح يا حماس، الوحدة هي الأساس»، و»أبو علي وجيفارا، رمز الثورة المظفرة» و»الانتقام، الانتقام، يا كتائب القسام» و»المقاومة تقصف وتل ابيب ترتجف» ورفعوا اعلام فلسطين ومجسمات صواريخ وطائرات موجهة الى اسرائيل ولافتات تندد بالتطبيع، وأخرى تدعو الى فتح المعابر لتصل المساعدات الى الفلسطينيين.
وشهدت هذه التظاهرة/ المسيرة حضورا سياسيا مختلفا، تمثل في التيارات والقوى الديمقراطية واليسارية وزعماء احزاب ووزراء يحسبون على اليمين السياسي المغربي.
كما شهدت مدينة الدار البيضاء يوم الاحد 27 تموز/ يوليو مسيرة مماثلة وتجمع مئات الأطفال المغاربة أمام مبنى البرلمان بالعاصمة الرباط، في وقفة تحت شعار «إفطار بطعم الشهادة والانتصار» تنديدا باستهداف الأطفال في العدوان الصهيوني المتواصل على قطاع غزة، وطالبوا المنظمات الدولية المعنية بحقوق الطفل بالتدخل.
وشهدت الوقفة حضور أسر وعائلات كاملة حرصت على مشاركة أطفالها وحملت بعض الأمهات دمى أطفال ملفوفة في أكفان ملطخة باللون الأحمر في إشارة إلى إحساس المرأة المغربية بمعاناة الأم الفلسطينية التي تودع أبناءها في عمليات القصف العشوائي للجيش الصهيوني.
العدوان الصهيوني على غزة نشط التحرك لتقديم مشروع قانون تجريم التطبيع مع اسرائيل، للمناقشة في البرلمان، بعد الحملة الشرسة ضد المشروع التي شاركت فيها اللوبيات اليهودية بالولايات المتحدة ودول اوروبية وانطلقت دعوات لاتخاذ موقف من القيادات الاسرائيلية التي تحمل الجنسية المغربية والدعوة لملاحقة ومحاكمة مجرمي الحرب الصهاينة.
وكانت فلسطين حاضرة باستمرار في وجدان الجزائريين الذين عرفوا بمساندتهم المستمرة للقضية الفلسطينية. وفي خطب صلاة العيد استحوذت غزة على حديث أئمة المساجد الجزائرية على غرار باقي الدول المغاربية.
وشهدت الجزائر العاصمة ولأول مرة منذ أكثر من 13 عاما تظاهرة وصفت بانها الأكبر في تاريخ الجزائر، دعت لها اللجنة الشعبية الجزائرية لدعم الشعب الفلسطيني في غزة والتي تضم أحزابا ومنظمات من تيارات مختلفة، تحت شعار «مسيرة المليون ونصف المليون شهيد لدعم الشعب الفلسطيني في غزة».
ونظمت اللجنة وقفات ومسيرات مماثلة عبر كافة المحافظات الجزائرية «للتعبير عن رفضهم العدوان على غزة، وتبليغ صوت الجزائر حيث خرج الجزائريون في قسطنينة ورقلة وغرداية وتيسمسيلت في مسيرات ليلية للتعبير عن دعمهم ومساندتهم لغزة وتوقف الجزائريون دقيقة صمت، ترحما على أرواح الشهداء وتوقف العمال لمدة 5 دقائق عن العمل تضامنا مع غزة.
واعلن إسلام سليماني لاعب المنتخب الجزائري لكرة القدم ان كل لاعبي الفريق قرروا التبرع بمكافآت مونديال البرازيل 2014 لصالح الشعب الفلسطيني وقال أن الشعب الفلسطيني هو أجدر بتلك الأموال «سكان غزة بحاجة لتلك الأموال أكثر منا».
وقال الباحث والاعلامي الجزائري محمد بغداد «ان ارتباط الجزائريين بفلسطين والقدس يعتبر من الثوابت كارتباط مقدس منذ الحروب الصليبية، وما ورثوه عن شيخ المتصوفة، قطب الغوث ابي مدين شعيب الجزائري، الذي أوقف حيا بالقدس لكل من يحج من أهل المغرب العربي (حي المغاربة) وتعززت الصلة في المخيلة الجماعية، العديد من الأحداث التاريخية، التي كونت مخيلة جماعية، تجعل من الموقف من فلسطين مقدسا ومحترما جدا ويختلط بالمستويين الرسمي والشعبي».
وقال بغداد لـ«القدس العربي» أن الوقفة التضامنية، التي نظمت تميزت بالمشاركة في كل الإدارات الرسمية والمؤسسات الخاصة والتجمعات الشعبية، ومشاركة كل هيئات المجتمع المدني، والأحزاب السياسية من الموالاة إلى المعارضة على صعيد واحد، كون الموقف الجزائري من القضية الفلسطينية، هو موقف موحد شعبيا ورسميا.
وأعتبر الباحث الجزائري ان الأمر يتجاوز المستوى الرسمي والشعبي، ليصل إلى المستويات الثقافية، التي تتفاعل بشكل واضح مع فلسطين، حيث أعلنت المهرجانات الفنية الكبرى، التي تقام هذا الصيف بأن عائداتها ستحول كلها إلى دعم القضية الفلسطينية والتضامن مع غزة، و»هو الأمر الذي نجده ماثلا بقوة في مختلف النشاطات الثقافية والفنية الجزائرية، وفي كل الأوقات، مما يجعل الموقف الجزائري من القضية الفلسطينية، نتيجة طبيعية لتفاعل مخيلة جماعية، تشكلت عبر تراكم علاقة تاريخية عميقة الوجدان والتواصل مع فلسطين، والذي يظهر في كل المحطات رسميا وشعبيا».
وبالرغم من الأوضاع السياسية والأمنية الدقيقة التي تمر بها تونس إلا ان الوقفات التضامنية الداعمة لغزة تكاد لا تغيب عن المشهد اليومي التونسي. حيث شغل العدوان على غزة إهتمام التونسيين وتجسد ذلك من من خلال سلسلة المظاهرات التي نظمها المجتمع المدني لدعم أهل غزة وإرسال قافلة مساعدات (11 طنا أدوية ومواد الصيدلية و5 أطنان من المواد الغذائية).
وأعلنت مديرة مهرجان قرطاج، سنية مبارك أن سهرة 5 آب/ اغسطس ستكون سهرة فلسطينية لتعبر عن التضامن التونسي مع الشعب الفلسطيني بمشاركة فنانين تونسيين.
وقال السفير الفلسطيني بتونس سلمان الهرفي لـ«القدس العربي» أن التضامن التونسي كان واضحا ولا غبار عليه منذ اللحظة الأولى لإنطلاق العدوان الإسرائيلي وأعتبر أن الموقف التونسي سواء الشعبي أو الرسمي هو موقف صادق.
وقال أن تونس شهدت خلال الأيام الماضية وقفات تضامن ومسيرات حاشدة انطلقت من العاصمة وجابت كل الولايات وشاركت فيها مختلف الأحزاب التونسية، معتبرا أن فلسطين وحدت التونسيين. وقال أن سفارة فلسطين في تونس ستنظم بالمشاركة مع الأحزاب التونسية وهيئات المجتمع المدني وقفتين تضامنيتين أمام مقر الأمم المتحدة ومقر منظمة التحرير الفلسطينية يوم الثلاثاء القادم للمطالبة بوقف العدوان على غزة.
وتوحدت أحزاب ونقابات صفي الموالاة والمعارضة في موريتانيا، في مسيرة حاشدة في العاصمة نواكشوط ورفعت شعارات التضامن مع غزة «بالإيقاف الفوري للعدوان، وتقديم مرتكبي المجازر من قادة جيش الاحتلال ومسؤوليه للمحاكم الدولية وكشف جرائمهم» وطالبت في ختامها القوى الموريتانية المشاركة في المسيرة.
وأعلنت القوى الموريتانية بمختلف مكوناتها السياسية والجمعوية والنقابية، تضامنها الكامل مع غزة وشجبها القوي للموقف العاجز للمجتمع الدولي المتآمر، وطالبت «بمحاكمة مرتكبي المجازر في غزة وتقديمهم للمحاكمة كمجرمي حرب مؤكدة الرفض القاطع للمواقف الظالمة التي تسوي بين المحتل والمظلوم.»
وأعلن الرباط الموريتاني لنصرة الشعب الفلسطيني أنه تمكن من إيصال الدفعة الأولى من تبرعات الموريتانيين إلى غزة مقدرة بـ 20 مليون أوقية (حوالي 67 ألف دولار) في إطار حملة تبرع لصالح أهل غزة.