السيدة م.س. ذات النفوذ في أحد الحقول الفنية العربية قالت لمجلة واسعة الانتشار:
«أنا ضد المتاجرة بالمرض». المحررة الذكية التي حاورتها استطاعت أن تجرها للحديث عن مرضها بالبهاق!
المغنية إليسا التي لم تُخْفِ إصابتها بالسرطان (نالت) الكثير من الانتقاد لها بهذا القلم أو ذاك، وتهمة المتاجرة بمرضها. وأخالف صاحباته وأصحابه إلى أبعد مدى ودونما تحفظ، وأجد في إعلان المطربة إليسا عن مرضها خطوة شجاعة ورائدة في حقل يتكتم المرء فيه على مرضه بالسرطان كما لو كان عارا!
في الغرب نجد خطوة مثل إعلان إليسا عن مرضها بالسرطان وعلاجها وشفائها ـ بإذن الله ـ خطوة رائدة وجميلة ويعرف الغرب قيمتها في كسر رهبة السرطان (وهو ما سبقت إليسا إليه الفلسطينية المطربة الراحلة ريم البنّا..).
في الجريدة الفرنسية واسعة الانتشار «لوباريزيان» بتاريخ 26 أيلول/سبتمبر 2018، نرى في صفحتها الأولى صورة للمذيع (الأحب) لدى الفرنسيين ـ كما وصفته الجريدة ـ جان بيير بيرنو، المخضرم المتزوج من ملكة جمال سابقة لفرنسا. وقالت الجريدة إنه بإعلانه عن مرضه بالسرطان قام بكسر (تابو) أي موضوع محرم الإعلان عنه. وهو كلام جميل ولكنه ليس دقيقا، لأن المغني الشهير الفرنسي جوني هوليداي سبقه إلى ذلك بل وتحديا للمرض قام بعد ذلك بجولة غنائية برفقة مطربين آخرين مخضرمين مثله من أصدقائه، هما إيدي ميتشل وجاك دوترون.
ورحبت فرنسا كلها بتلك الخطوة، ولم نسمع صوتا واحدا يتهمه بالمتاجرة بمرضه، فلماذا يقسو البعض عندنا على مشهورة لبنانية تعلن عن مرضها، أي (إليسا) وعن معاناتها وشفائها، ويتهمونها هي والشجعان أمثالها بالمتاجرة بمرضهم؟
أفانين كبة تتذكر جيدا بعض ما سبق أن تحدثت عنه، وتتذكر اسم الكتاب حيث ورد ذلك (نجم الدراجي يتذكر وصفي لمدينة بيروت في روايتي بيروت 75. وغير ذلك كثير، بولنوار قويدر في زيارته الافتراضية إلى بيروت يتذكر مناخ كل ما كتبته عنها (وكدت أنساه!).
أما ابن سلطنة عمان، عمرو، فيتذكر ما ختمت به زيارتي لتعزية الصديقة المبدعة فيروز ذات يوم، حين قلت لها: الأسود يليق بك.. ولولاه والأديبة الشابة عفيفة حلبي لما حصلت على التحقيق الذي نشرتُه في مجلة «الحوادث» عن لقائنا هذا يومئذ.. ويتذكر كتابي «أعلنت عليك الحب» ونبوءة في إهدائي لأحدهم حول الكتب المهربة.. وغدير ماهر تتذكر ما جاء في روايتي «سهرة تنكرية للموتى». يا أعزائي، أرجوكم.. أعيروني ذاكرتكم! فأنتم تذكرون بعض ما كتبته، وأين قمتم بمطالعته في أي كتاب، وأحيانا في أي صفحــــة، وأنا فشلت قبل دقائق في أن أتذكر في أي كتاب من كتــــبي الخمسين نشرت مقالي عن موضوع «ممنوع الحديث عنه»، وأعــــني بالعنوان مرض السرطان. أعرف أنني كتبت عن ذلك منذ أكــــثر من عقدين من الزمن، وصدر المقال في أحد كتبي، ولكن أين؟.. في المقابل ما الفرق؟.. كـــل ما في الأمــر أنني من زمان متحمسة للبوح بالمرض لأن حكايات الشفاء الممكن تساهم في دعم الروح المعنوية لدى المرضى الآخرين، وبالذات في عالمنا العربي، حيث يتم اعتبار المرض بالسرطان كما لو كان حكما بالإعدام، وذلك ليس صحيحا، وها هي إليسا تعود من رحلة المرض جميلة متألقة تغني وتثير إعجاب الناس وتتابع رحلتها الناجحة مع العطاء. هنالك عبارة نطالعها في أخبار رحيل هذا أو ذاك: عبارة «بعد معاناة المرض»، وهي التسمية المفضلة لدى الكثيرين للسرطان بدلا من تسميته باسمه، أي السرطان، وكأي مرض آخر..
الأمثلة كثيرة على الشفاء من هذا المرض، والمطربة إليسا من أجمل الأمثلة على ذلك، لأنها أعلنت عن مرضها وعن قسوته ومعاناتها منه، وتروي خوفها من أن تذكر ذلك لأمها «لكي لا تقتلها»!.. وهي صادقة، وسلوكها يعبر عن رفض (شيطنة) هذا المرض كما لو كان استثنائيا لا يمكن الشفاء منه، مما يساهم في هزيمة الروح المعنوية للمريض ولأسرته أولا.
حسنا فعلت إليسا في ظهورها في برنامج منى الشاذلي المتلفز في حلقتين، ومما قالته إن الكشف المبكر عنه يزيد في نسبة الشفاء بمقدار تسعين في المئة. وأحب توجيه تحية لوزير الإعلام اللبناني، ملحم الرياشي، الذي قام بتكريم إليسا في حضور وزير السياحة أفاديس كيدانيان، ووزير شؤون المرأة جان اوغاسبيان، لمشاركتها وزير الصحة في الحملة الوطنية الخاصة بسرطان الثدي، وقد عيّنها سفيرة لذك.
في الغرب أيضا كان التكتم على مرض السرطان شائعا. قبل جوني هوليداي، وها هو الوسيم مقدم البرامج التلفزيونية برنار دو لافيلارديير يعلن أنه أصيب بسرطان في الأذن وأجريت له جراحتان قبل عام.. وساهم بذلك في كسر هيبة اسم مرض السرطان.. وحين تعلن إليسا تفاصيل معاناتها مع السرطان حتى الشفاء أرحب بخطوتها وأدعمها ضد كل من يتهمها بالمتاجرة بالمرض، فلا تبالي بهم يا إليسا وارفعي راية الأمل بالشفاء الممكن، كشفائك.
ملخص المقالة
إكسر عن البلوى غطاءالهيبة
تعش الحياة بفرحة وبصحة!