يصنّف الكاتب تهامي الهاني روايته «كوكب الأنابيب» ضمن روايات الخيال العلمي، مستندا في ذلك إلى حضور التقنيات العلمية الحديثة في تواصل الشخصيات الروائيّة. فالتواصل الافتراضي الذي جعل العالم قرية صغيرة فعلا هو الذي جمع شخصيات الرّواية ونسج مشروعها «اتسع الحوار وتمدد حتى اكتسح القـــارّات، وتوثّقت الروابط بين العاملين على المواقع الافتراضية»، وإلى طبيعة المشروع السّردي للشّخصيّات الفاعـــــلة في الرّواية القائم على خيال مرتبط بواحـــد من أهــــم الإنجــازات العلميّة في العقود الأخيرة، وهو أطفال الأنابيب، فصابر ورفاقه يخططون لمجتمع جديد سموه كوكب الأنابيب، وقد اتفقوا على مراحل بناء هذا المجتمع الجديد وتشييده «المحطة الأولى وتتمثل في تخطيط المدينة، ونطلق عليها مرحلة البدء والمرحلة الثانية هي مرحلة النشوء، أي انطلاق الإنجاب بواسطة التلقيح الاصطناعي، والمرحلة الثالثة هي مرحلة الاكتمال، وهي التي ينتهي فيها تشكيل مجتمع الأنابيب الذي يمثل كوكب الأمل والفضائل».
ولكن الخيال العلمي في الرواية يبدو مجرد قناع لخطابات أخرى، ولعلّه لا يبدو صافيا، فكتابة الخيال العلمي بدت قائمة على التفاعل النصي مستجيبة لتقنيات النصّ الروائي المفتوح، الذي يخضع لعدة متفاعلات، وهو التوجه الذي نال اهتماما نقديا غزيرا، ولعلّ كتاب «انفتاح النص الروائي» لسعيد يقطين يشكّل أحد أهم هذه الكتب النقدية في النقد العربي المعاصر التي درست المسألة. تبدو الكتابة الروائية للخيال العلمي في هذا النص الروائي قائمة على التهجين والتفاعل، فالخطاب العلمي يلتقي بعدة متفاعلات، ومن بينها التراثي والتاريخي والسياسي والاجتماعي، فهو خطاب ممزوج بقضايا الواقع ومشاغله.
النص الروائي يستمد مكوّناته أيضا من المشهد السياسي المحلي والدولي. وهكذا تبدو كتابة الخيال العلمي في «كوكب الأنابيب» لا مجرد حكاية تبرز فيها المغامرة العلميّة، وإنّما نصّ روائيّ تتفاعل فيه الخطابات.
المتفاعل التراثي
يستحضر الكاتب في عمله جانبا من التّراث والذاكرة العربية فنجد حديثا عن بلجاء والحجاج والشعر العربي، وبعض المقولات التراثية القديمة. ويحضر الخطاب التراثي في عتبات الرواية والفصول، فنجد تصديرا بوصية أبي بكر الصديق لأسامة بن زيد وبمقطع من رسالة في النائبة للجاحظ. ونجد في المتن عودة لشخصيات تاريخية قديمة مثل، الحجاج بن يوسف وبلجاء. هذه الشخصية التي ظهرت افتراضيا لتقدم نفسها إلى صابر «أنا بلجاء ألا تذكر هذا الاسم؟ إني خرجت من عصر الحجاج بن يوسف الثقفي، كان يزعم أنه قتلني وحين بحث عن جثتي في أزقة الكوفة والبصرة وشوارع بغداد ولم يعثر عليها»، وتستعيد بلجاء قمع الحجاج قائلة: «هل تعلم أن الحجاج بن يوسف جمع ثلاثة آلاف رأس بشري مفصولة عن أجسادها وقدّمها لأمير المؤمنين هدية وهو يعدها بذبابة سيفه حتى يعلم الحاكم ما فعل بالمعارضين؟».
وتنهل الرواية من الذاكرة الشعرية العربية فنجد حضورا لجميل وعروة في إطار خيالي متّسم بالحداثة «عثر على الشاعر جميل بن عبدالله بن معمر العذري القضاعي، وجده متخفيا في إحدى قاعات السينما في باريس وحذوه بثينة بنت حيان بن ثعلبة العذرية». ونجد في هذا الإطار نفسه استعادة عروة «جال بخاطره حال عروة بن حزام بن مهاجر وصديقته عفراء بنت مهاجر بن مالك، التي ركبها زوج أموي ينتسب إلى البلقاء من بلاد الشام». لعل هذه المظاهر تؤكد لنا انخراط المكوّن التّراثي في صياغة هذه الرّواية واقتحامه لفضاء الخيال العلمي. ولعل التأمل في الرواية يؤدّي بنا إلى اكتشاف حضور الخطاب السّياسي المعاصر فيتفاعل العلمي مع السياسي.
المتفاعل السياسي الراهن:
يخترق المكون السياسي الخطاب العلمي فنجد حضورا للواقع السياسي
ولممارسات السلطات تجاه المشتبه فيهم في معارضتها، فنجد الإيقاف
والسجن والنفي وغير ذلك من الممارسات الواقعيّة. فها هو صابر يتعرّض إلى إيقاف فجائي: «لم تمض برهة حتى وجد صابر نفسه بين أشخاص، هذا يمسك ذراعه الأيمن والثاني ذراعه الأيسر… حاول أن يبتعد عنهما إلا أن ثالثا تكلم من الخلف:
أرجوك ان تسير بدون قلق
رد والحنق يجتاحه:
من انتم؟ وإلى أين؟
أجاب أحدهم وكان بدينا وطويل القامة يتمتع بصوت أجش قال: بدون محاولة التملص عليك بالطاعة».
ويحضر في الرّواية الواقع الدولي وحالة العلاقات المتشعبة وتدخلات مجلس الأمن: لم يلتزم الطرفان بوقف إطلاق النار الذي أعلنه مجلس الأمن… كانت منظمة الأمم المتحدة منشطرة على نفسها… عجزت الهيئات الدولية عن الحركة».
فهذا النص الروائي يستمد مكوّناته أيضا من المشهد السياسي المحلي والدولي. وهكذا تبدو كتابة الخيال العلمي في «كوكب الأنابيب» لا مجرد حكاية تبرز فيها المغامرة العلميّة، وإنّما نصّ روائيّ تتفاعل فيه الخطابات.
٭ كاتب تونسي