هل تستطيع تركيا إقامة «منطقة آمنة» اقترحها ترامب في سوريا؟

هبة محمد
حجم الخط
1

دمشق – «القدس العربي»: تأرجحت العلاقات التركية – الامريكية بشكل متسارع بين التأزم والتحسن، وفق ما تقتضيه المصالح المشتركة لكلا الطرفين المتخاصمين، المتنافسين في العديد من الملفات الاستراتيجية، وعليه تجد أنقرة نفسها مضطرة لاستيعاب حالة الاضطراب عن طريق التفاهمات السياسية والتواصل المكثف، وهو ما برز من خلال اتصال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بالرئيس الأمريكي دونالد ترامب بعد تهديد الأخير بتدمير اقتصاد تركيا، وقال اردوغان انه بحث إقامة منطقة آمنة تتولاها أنقرة داخل سوريا على الحدود بين البلدين خلال اتصال هاتفي مع ترامب وصفه بالإيجابي، وقال «يمكننا إنشاء المنطقة الآمنة التي تهدف إلى توفير الأمن للسوريين، حال تلقينا الدعم المالي واللوجستي من واشنطن والتحالف الدولي».
وتحاول واشنطن – إن طبقت اتفاقها – التوفيق بين حليفين، محلي واقليمي، وهذه الخطوة إن حدثت ستؤدي إلى تكريس تواجد واشنطن عبر قوات محلية مُدربة ومُعتمدة من قبلها، مع رضى حليف اقليمي وتاريخي لامريكا، فيما يبقى مصير قوات سوريا الديمقراطية «قسد» محط جدل، مع احتمال تحويلها إلى قوات حماية حدود، بالاضافة لقوات شرطة وأمن محليين بحسب مراقبين لـ»القدس العربي». وقال الرئيس التركي في كلمة له أمام الكتلة البرلمانية لحزب «العدالة والتنمية» في البرلمان، في العاصمة أنقرة، «نأمل أن نكون قد توصلنا إلى تفاهم مع ترامب (حول سوريا). ترامب أكد لي مجدداً في المكالمة الهاتفية أمس قراره بسحب القوات الأمريكية من سوريا.. وآمل أننا سنحول إدلب إلى منطقة آمنة ومستقرة على غرار المناطق التي دعمناها».

منطقة آمنة

المحلل السياسي الكردي إدريس نعسان المناصر لقوات سوريا الديمقراطية، اعتبر شمال شرقي سوريا التي «تديرها الإدارة الذاتية وتقوم على حمايتها قوات سوريا الديمقراطية هي منطقة آمنة تتوفر فيها شروط المنطقة الآمنة التي تقوم بعض الدول مجدداً بالسعي لإقامتها بهدف حمايتها وضد تدخل بعض القوى المهددة لها». وأشار لـ«القدس العربي» الى ان «قوات سوريا الديمقراطية أثبتت انها قادرة على توفير الأمان والاستقرار فيها بحيث باتت هذه المنطقة الأكثر أماناً واستقراراً مقارنة بالمناطق السورية الأخرى لكن الخطر الكبير الذي يهددها يكمن في التهديدات الجوية التي يمكن إبعادها عبر فرض حظر جوي بقرار أممي وتفويض للتحالف الدولي على أن تبقى مهمة الحماية البرية على قسد وقوات حرس الحدود التي دربتها الولايات المتحدة. إقامة منطقة آمنة في الشمال السوري مطلب قديم للثورة السورية، كانت قد طالبت به تركيا في المحافل الدولية مراراً، لكن الولايات المتحدة كانت ترفضه لأسباب عديدة، منها بحسب القيادي لدى المعارضة السورية ورئيس وفد استانة الأسبق فاتح حسون، عدم موافقة إيران التي كانت ترى أن المنطقة الآمنة تقويض سياسي لنظام الأسد، وكانت الولايات المتحدة حينها في عهد أوباما تحابي إيران للمضي بالاتفاق النووي، ومنها كذلك ادعاءات بعض القادة الأمريكيين بعدم وجود قوات سورية معارضة معتدلة كافية لتأمين المنطقة الآمنة، وأن إقامة هذه المنطقة له تبعات اقتصادية ولوجستية كبيرة جداً. «أما حالياً فإن إقامة منطقة آمنة في الشمال السوري سيدفع بنظام الأسد وداعميه إلى الخلف، ويحجّم نفوذهم، وعلى رأس هؤلاء قوى الاحتلال الإيرانية». وأضاف، «لن يكون نظام الأسد راضياً على إقامة منطقة آمنة، وسيطلب من إيران وروسيا التدخل دولياً لمنع إقامتها كونها تقوضه سياسياً، وتفشل مخططاته مع ميليشيا «قسد» لاستعادة المناطق التي تسيطر عليها الأخيرة بعد الانسحاب الأمريكي، مرجحاً أن تقوم روسيا بإثارة قضية إقامة هذه المنطقة مع الولايات المتحدة من جهة ومع تركيا من جهة أخرى، لأن هذه المنطقة ستدفع بروسيا إلى الخلف، وستزيد حجم النفوذ التركي في الملف السوري إقليمياً».

توافق أمريكي – تركي

يأتي تصريح الرئيس الأمريكي حول انشاء منطقة آمنة في سياق حركة دبلوماسية واسعة من قبل وزارة الخارجية الامريكية ومكتب مبعوثه جيمس جيفري لمحاربة « تنظيم الدولة «، للوصول الى صيغة حل ترضي بالدرجة الاولى حليفهم التركي، وتمنع حدوث عملية عسكرية تركية، بشكلٍ يُرضي حليفهم المحلي المتمثل بقوات سوريا الديمقراطية.
وبعد الاتصال الهاتفي بين الرئيسين التركي والأمريكي امس، استقر «حتى اليوم» تصريح الرئيس الأمريكي بإنشاء منطقة آمنة بعمق 20 ميلاً ليصب ذلك حسب حسون في خانة «التوافق الأمريكي التركي، وما عاد التصريح خلطًا للأوراق» بعد الاستعدادات التركية النهائية للبدء بعملية عسكرية في منبج وشرق الفرات بعمق عشرة كيلومترات في المرحلة الأولى وبقوام ثمانين ألف مقاتل لتكون أكبر عملية تقوم بها الجمهورية التركية في تاريخها».
وبالرغم من إمكانية تراجع الإدارة الأمريكية عن قرار إقامة المنطقة الآمنة، وعدم معرفة حدود هذه المنطقة إن أقيمت، بدءاً من أين ستُرسّم، ومن سيتولى حمايتها، ومن سيقوم بأعبائها الاقتصادية، وفي ظل رفض إقامتها من قبل داعمي نظام الأسد، وطلب روسيا المتوقع بضرورة أخذ موافقة النظام عليها وإقرارها من مجلس الأمن، وسعي الأحزاب الانفصالية للاستفادة القصوى منها، يرى حسون انه «حري بقوى الثورة والمعارضة السورية بمختلف مؤسساتها السياسية والعسكرية والمدنية أن تقوم بدور فاعل في هذا الطرح، وأن تبادر لتقديم الرُؤى والخطط التي تحقق مصلحة الثورة السورية، وتتلافى السلبيات التي ظهرت في تجارب المناطق الآمنة التي أقيمت في السنوات الأخيرة نتيجة صراعات مختلفة.

ترجمة ميدانية

الباحث السياسي لدى مركز عمران للدراسات بدر ملا رشيد، اعتبر مطلب منطقة آمنة في سوريا مطلباً شعبياً، لكنه لم يتحول لأمرٍ واقعٍ نتيجة خلافات الفواعل الدوليين، كون أي منطقة آمنة في بقعة من الجغرافيا السورية ستؤثر على مشاريع ومصالح طرفٍ دولي معارض لنتائجها.
وأوضح بعض النقاط المثارة في تغريدة ترامب، التي اكد في بدايتها بدء الانسحاب، «وهو مطلب تركي بالأساس، مع الاستمرار في ضرب تنظيم الدولة، في حين انه يشير إلى أن الضربات ستنفذ من القواعد الامريكية القريبة إن عاد التنظيم للظهور، كما احدث لغطاً كبيراً حول قيامه بذكر الضرر الذي سيصيب الاقتصاد التركي إذا ما قامت تركيا بعملية «ضد الاكراد»، والمقصود وحدات حماية الشعب الكردية، وهذا الخطر موجود حتى بدون قيام ترامب بذكره، فمنطقة شرق الفرات هي مغايرة في طبيعتها الجغرافية وحجمها مقارنةً بمناطق درع الفرات ومنطقة عفرين التي شهدت عمليات تركية. وأضاف: يأتي اقتراح المنطقة الامنة الذي سيوفر على تركيا القيام بعملية لا يمكن توقع مآلاتها، العسكرية والاقتصادية، والتي حددها بعمقٍ يصل 32 كم تقريباً.
ميدانياً لا يمكن التنبؤ بما يعنيه هذا المقترح دون ظهور تفاصيل المشروع، ولكن في حال السير فيها رأى رشيد ان امريكا ستحتاج لعملية إعادة هيكلة لقوات قسد بحيث تدمج بشكلٍ كامل وحدات حماية الشعب ضمنها، بما يضمن لتركيا عدم وجود قادة من حزب العمال ضمن صفوفها، وبصورة يمكن السيطرة على قرارها العسكري، وجغرافياً يطرح هذا الاعلان استفسارات حول عدة مُدن، وهي الخط الافقي من اعلى مدينة الحسكة إلى بلدة عين عيسى وما تبقيه جنوباً من: الحسكة، ريف دير الزور، الرقة، والطبقة، وهذا ما يفرض احتمالات عدة مما يمكن استشرافه حالياً.
الأول: أن تقوم قوات عربية وكُردية مُتفق عليها تركياً (احتمال تواجد تركي ايضاً)، بحفظ الامن شمال الخط المذكور، وتقوم قوات قسد وما تبقى من وحدات حماية الشعب بحماية جنوب الخط، وهو ما يتوافق مع تصريح ترامب، بعدم قيام «الاكراد» باستفزاز تركيا، ويمنع مواجهة تركية مع وحدات حماية الشعب.
الثاني: قيام القيام المذكورة في الاحتمال الاول بتأمين المنطقة الآمنة، والمفاوضة مع النظام على تسليمه بقية المناطق، وهو احتمالٌ مستبعدٌ كونه يعارض ما ذكره ترامب من ان النظام وايران هما المستفيدان من محاربة امريكا لتنظيم الدولة، كما انه يعني التنازل الكامل لهم دون حدوث اي تغيير سياسي او عسكري يتمثل بانسحاب ميليشيات ايران من سوريا وهو مطلبٌ أمريكي بعد القضاء على داعش. الاحتمال الثالث: هو عدم حدوث اتفاق على المنطقة الامنة مع حدوث انسحاب امريكي، وبالتالي سيحدث تدخل تركي محدود المناطق بصورة يؤدي لانهاء التكامل الجغرافي لـ»قسد»، وهذا الخيار ايضاً سيفيد محور ايران – النظام.
حتى الآن لم يتم توضيح مصير قوات سوريا الديمقراطية، ومصيرها يعتمد بحسب الباحث السياسي على الصيغة النهائية لكيفية الانسحاب الامريكي، وما إذا كان مقترح المنطقة الآمنة سيتم تطبيقه ووفق أي خيارٍ سواءً كان احد الاحتمالات التي ذكرناها سابقاً او آخر يتفق الطرفان على صيغته، ولكن من الأمور التي أصبحت شبه واضحة هي أن الولايات المتحدة لا ترغب بخسارة قوات «قسد» بشكلٍ كاملٍ، كونها لن تستطيع وبسهولة تأمين مقاتلين محليين ملتزمين باهدافها ومصالحها، وهذا ما يرجح احتمال تحويلها إلى قوات حماية حدود، بالإضافة لقوات شرطة وأمن محليين.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول .Dinars:

    سوف تصبح سوريا امتدادا لتركيا ولن تقتصر جهود تركيا على المنطقة العازلة فقط ثم الأردن.
    أمريكا سوف تتفرغ قواتها لمنطقة الخليج فقط.

إشترك في قائمتنا البريدية